الجيش المصري يخطط لمحاصرة "ولاية سيناء" في منطقة الوسط

24 مارس 2017
تتم دراسة العودة للاعتماد على الكمائن الثابتة(خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

لم تتمكن الأجهزة المصرية المعنية بملف تنظيم "ولاية سيناء"، التابع إلى تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، من وضع خطة واستراتيجية محددة لمواجهة العناصر المسلحة، تحقق عبرها نجاحات واضحة على الصعيد العسكري، وهو ما ظهر في مقتل 10 عسكريين مصريين، بينهم 3 ضباط، فجر أمس الخميس، في اشتباكات وقعت مع مسلّحين في منطقة وسط سيناء شرق مصر.

وقالت مصادر طبية، لـ"العربي الجديد"، إن "اشتباكات وقعت في منطقة جبل سحابة، وسط سيناء، أدت إلى مقتل 10 من قوات الجيش". وأوضحت أن من بين القتلى قائد كتيبة في اللواء 116، العقيد أركان حرب يحيى حسن، وقائد كتيبة المقدم أحمد مالك، والرائد محمد عمر سليمان. وأشارت إلى أنه لم يتم التعرف على جثث المجندين السبعة حتى هذه اللحظة. وكانت وسائل إعلام مقربة من النظام المصري روّجت إلى "وجود مداهمات في وسط سيناء لبؤر إرهابية شديدة الخطورة". وفي وقت لاحق، أعلن الجيش المصري عن مقتل العسكريين العشرة في تفجير مدرعتين بعبوات ناسفة وسط سيناء. وأشار المتحدث العسكري باسم القوات المسلحة، تامر الرفاعي، إلى أن "القوات تمكنت من قتل 15 فرداً تكفيرياً، والقبض على 7 آخرين في مداهمات لبؤر إرهابية وسط سيناء". ولفت إلى أنه "تم تدمير مخزنين وُجد بداخلهما نصف طن من مادة TNT شديدة الانفجار، و55 (جوالاً) من مادة نترات الأمونيوم، وعدد كبير من العبوات الناسفة المعدة للاستخدام، وعدد من الأجهزة الطبية ومواد الإعاشة خاصة بالعناصر التكفيرية، ومعدات تستخدمها في أعمال المراقبة". وأوضح أنه "تم ضبط عربتي دفع رباعي، عثر بداخلهما على عدد من القنابل اليدوية والذخائر والأعلام والوثائق الخاصة بالعناصر الإرهابية، و460 جهاز حاسب آلي محمول، و640 هاتفاً محمولاً وألواحاً للطاقة الشمسية، وعدد من اللوحات المعدنية للسيارات". وشن الطيران الحربي المصري غارات على مناطق جنوب مدينة رفح بمحافظة شمال سيناء. وقال شهود عيان إن الطيران الحربي شن غارات على أهداف مجهولة جنوب المدينة، قرب الحدود المصرية مع الأراضي الفلسطينية المحتلة.

 ورغم التأكيد على مواجهة العناصر المسلحة في مدن العريش والشيخ زويد ورفح ومنطقة وسط سيناء، إلا أن تنظيم "ولاية سيناء" لا يزال يتمتع بحرية الحركة، حتى داخل مدينة العريش. وكانت مصادر عسكرية خاصة أكدت أنه يتم دراسة العودة للاعتماد على الكمائن الثابتة لتقييد حركة التنظيم المسلح، رغم سهولة استهداف القوات من قبل المسلحين. وجاءت هذه الرؤية بعد فقدان القدرة على السيطرة التامة على العريش، بعدما تمكن "ولاية سيناء" من اختراق المدينة واستهداف المسيحيين بشكل ممنهج، ما دفعهم إلى النزوح بشكل جماعي، فضلاً عن استهداف قيادات في الشرطة، وإقامة كمائن للبحث عن مطلوبين لديهم.

وفي سياق محاولات إحكام سيطرة القوات المشتركة من الجيش والشرطة، على المنطقة، كشفت مصادر خاصة عن وجود اتجاه لدى أجهزة الدولة بمواجهة تنظيم "ولاية سيناء"، ودفع عناصره إلى منطقة الوسط. وقالت المصادر إن هناك رغبة في تجميع كل العناصر في منطقة الوسط، ومحاصرتها في تلك المنطقة من خلال تكثيف العمليات العسكرية ضدهم. وأضافت أن هذا الاقتراح يصاحبه بالضرورة تكثيف الضربات والحملات العسكرية في مناطق نفوذ التنظيم المسلح، لعدم إتاحة فرصة للتخطيط وتنفيذ عمليات ضد قوات الجيش والشرطة. وأشارت إلى أنه كلما كانت العمليات العسكرية ضد التنظيم مستمرة ومكثفة قلّت الهجمات على قوات الجيش والشرطة، وهذا ما حدث عند اختراق "ولاية سيناء" مدينة العريش، والذي تزامن مع ندرة العمليات العسكرية ضد الإرهابيين في الشيخ زويد ورفح.

وأكدت المصادر ذاتها أن محاصرة "ولاية سيناء" في منطقة الوسط، تأتي لعدم تنفيذ عمليات إطلاق صواريخ على الأراضي الفلسطينية المحتلة، لمنع توتر العلاقات مع إسرائيل، خصوصاً أن هذه الأمور تتسبب في حرج بالغ للنظام الحالي. وشددت على أن منطقة وسط سيناء بعيدة عن الحدود مع الأراضي المحتلة، وبالتالي هناك إمكانية لرصد أي تحركات باتجاه الحدود، من قبل الجانبين، المصري والإسرائيلي. ولفتت إلى أن منطقة وسط سيناء أقل عدداً من حيث السكان، وبالتالي فإن مواجهة أي تجمع للعناصر المسلحة، حتى مع الاختباء في الجبال، ستكون أفضل من تواجدهم وسط المدنيين. وقالت "في وسط سيناء يمكن الاعتماد بشكل كبير على طائرات الاستطلاع لتحديد أماكن تمركز المسلحين، ثم الدفع بطائرات حربية لقصفهم وتوجيه التشكيلات الميدانية على الأرض". وكان تنظيم "ولاية سيناء" نقل مراكز ثقله إلى منطقة وسط سيناء، هرباً من القصف الجوي على مدينتي الشيخ زويد ورفح. وعمد إلى مواجهة أي تحركات لقوات الجيش في تلك المنطقة بقسوة من خلال العبوات الناسفة والاشتباكات.


من جهتها، قالت مصادر قبلية، إن الاتصالات التي حدثت، خلال الفترة الماضية، مع الأجهزة المعنية بمواجهة الإرهاب، لم تسفر عن شيء في سبيل تقليل حجم التضييقات على المدنيين واستهدافهم، لأنهم ضحايا هذا الصراع. وأضافت أن الأوضاع في سيناء سيئة للغاية، ولا تحتمل أكثر من هذا، بحسب تعبيرها. وأشارت إلى أن زيارة وزير الدفاع، صدقي صبحي، ووزير الداخلية، مجدي عبد الغفار، هدفها بعث رسائل إعلامية بالسيطرة التامة على الأوضاع، لكنها غير حقيقية بالمرة، موضحة أن الوزيرين وصلا بطائرة ورحلا بها، ولم يتجرأ أحدهما على تفقد الأوضاع الميدانية في مدن العريش والشيخ زويد ورفح، والأسوأ لم تتم دعوة شيوخ القبائل أو كبار العائلات لمناقشة الوضع الأمني المتردي. وشددت المصادر القبلية على أن الهجرة الجماعية من سيناء لا تزال مطروحة لدى عدد كبير من الأهالي، لكن الجميع غير قادر على اتخاذ هذه الخطوة، خصوصاً أن غالبيتهم فقد مصدر الرزق بسبب الإجراءات التي تتخذها قوات الجيش لمنع دخول بعض المنتجات إلى سيناء، بدعوى عدم وقوعها في يد التنظيم المسلح.

وبحسب ما رصدت "العربي الجديد"، قبل إعلان الجيش المصري أمس، فإن آخر إقرار بوقوع خسائر بشرية في صفوف الجيش كان خلال الحملة التي شنها في منطقة جبل الحلال وسط سيناء، في 17 فبراير/شباط الماضي، والتي أسفرت، بحسب البيان الرسمي، عن مقتل 3 وإصابة 4 نتيجة انفجار عبوة ناسفة. وبشكل شبه يومي، يعلن المتحدث العسكري باسم القوات المسلحة المصرية عن نتائج عمليات عسكرية يقوم بها الجيش في مناطق رفح والشيخ زويد ووسط سيناء، إلا أنها لا تتضمن أياً من الخسائر البشرية أو المادية في صفوف قواته. ولا يخفي المركز الإعلامي التابع لوزارة الداخلية الخسائر البشرية التي تقع في صفوف قوات الشرطة، خصوصاً إن كان القتلى من الضباط، والتي تأتي متطابقة مع بيانات تنظيم "ولاية سيناء".

وكان الجيش المصري يعلن سابقاً عن خسائره المادية والبشرية باستمرار، بعد ساعات من وقوع الحدث، رغم أنه كان يذيلها في أسفل بيان طويل من الإنجازات لا يُعرف مدى مصداقيتها. وعن ذلك، يقول خبير عسكري، رفض الكشف عن اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن سمعة الجيش المصري تضررت كثيراً خلال أحداث سيناء المستمرة منذ 3 سنوات، إذ إن غالبية البيانات التي كانت تصدر عن المتحدث العسكري تشير إلى وقوع خسائر بشرية في صفوف قواته. ويشير إلى أن عدم وصول صبحي وعبد الغفار إلى مدينتي رفح والشيخ زويد، في زيارتهما الأخيرة إلى محافظة شمال سيناء، يؤكد عدم استتباب الحالة الأمنية هناك. وعليه، من الواضح أن الهجمات مستمرة ضد قوات الجيش المنتشرة في تلك المناطق، وهذا ما يؤكد وقوع خسائر بشرية ومادية، يحاول الجيش إخفاءها عن الجمهور.