أعلنت المؤسسة العسكرية في الجزائر اليوم الأربعاء، أنها لن تقدم على طرح أية تنازلات سياسية تخص المسار والحل الدستوري المؤدي إلى إجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة التي لم يحدد تاريخها بعد، وتمسكت بدعمها لخطة الحوار الوطني التي طرحها رئيس الدولة عبد القادر بن صالح، ووجهت تحذيرات شديدة اللهجة ضد المجموعات السياسية التي تعترض على هذا الخيار وترفع شعارات مناوئة للجيش أو تعمل على تعطيل هذا المسار.
وأكد قائد أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح في خطاب جديد ألقاه الأربعاء أن "مواقف القيادة العليا للجيش تظل ثابتة منذ بداية الأزمة ومرورا بكافة مراحلها وإلى غاية اليوم، والرامية أساسا إلى إيجاد الحلول الدستورية لهذه الأزمة السياسية، والتحضير الفاعل والجاد لإجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة في أقرب الآجال".
ووضع قائد الجيش قوى المعارضة السياسية والمدنية أمام الأمر الواقع، واعتبر أن خطة الحوار غير المباشر عبر هيئة من الشخصيات السياسية المستقلة التي طرحها رئيس الدولة عبد القادر بن صالح هي الإطار "المعقول لإخراج البلاد من أزمتها الحالية، فإننا بقدر ما نشجعها ونؤيد محتواها، فإننا نرى في مسعاها بأنها خطوة جادة ضمن الخطوات الواجب قطعها على درب إيجاد الحلول المناسبة لهذه الأزمة السياسية التي تمر بها البلاد، باتجاه إجراء انتخابات رئاسية مقبلة هي ثمرتها الدستورية والشرعية الأولى".
وكان رئيس الدولة بن صالح قد أعلن الأربعاء الماضي تشكيل هيئة حوار وطني تضم شخصيات مستقلة تتولى إدارة حوار شامل يؤدي إلى انتخابات رئاسية، ويأتي خطاب قائد الجيش في سياق دعم خطة رئيس الدولة من جهة، ودعم استمراريته في منصبه برغم حملة التشكيك في دستوريته بعد انتهاء عهدته كرئيس للدولة الثلاثاء الماضي.
وكان بن صالح قد تولى الرئاسة المؤقتة في التاسع من إبريل/نيسان الماضي، عقب استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في الثاني من إبريل الماضي، على خلفية اندلاع مظاهرات الحراك الشعبي المناوئة لبوتفليقة في 22 فبراير/شباط الماضي.
وينص الدستور الجزائري على تنظيم انتخابات رئاسية في غضون 90 يوما من تسلم الرئيس المؤقت السلطة لتسليم الرئاسة إلى رئيس منتخب، لكن الرفض الشعبي والسياسي لإجراء انتخابات كانت مقررة في الرابع من يوليو الجاري، دفع المحكمة الدستورية إلى تمديد عهدة بن صالح إلى حين تنظيم انتخابات رئاسية لاحقة لم يتحدد موعدها.
خط واحد للحل: الانتخابات الرئاسية
ويرسم العسكر في الجزائر خطا واحدا للحل وهو الانتخابات الرئاسية، مهما كانت المعوقات السياسية، وقال قائد الجيش إن "الانتخابات هي المفتاح الحقيقي للولوج إلى بناء دولة قوية في ظروف آمنة ومستقرة، على الرغم من العقبات التي يحاول الرافضون للسير الحسن لهذا المسار الدستوري الصائب وضعها في الطريق، على غرار رفع شعارات كاذبة ومفضوحة الأهداف والنوايا مثل المطالبة بالدولة المدنية وليست الدولة العسكرية".
وهاجم قايد صالح المجموعات السياسية والشعبية التي ترفع شعارات الدولة المدنية ورفض الدولة العسكرية، وبرأيه فإن هكذا شعارات هي "أفكار مسمومة أملتها عليهم دوائر معادية للجزائر، ولمؤسساتها الدستورية، دوائر تكن حقدا دفينا للجيش، ولقيادته الوطنية التي أثبتت أنها في خدمة الخط الوطني المبدئي للشعب، ما يقلق أتباع العصابة وأذنابها إلى درجة أنهم باتوا يقومون بحملات تشكيك معروفة المرامي، في كل عمل تقوم به المؤسسة العسكرية وقيادتها".
وفي السياق، صعد قائد الجيش من لهجة تحذيراته ضد هذه المجموعات التي ترفع هذه الشعارات وتنتقد الجيش، وهدد بملاحقتها وقال "هؤلاء تبنوا من أجل ذلك نهج الدعوات الصريحة إلى رفض كل عمل بإمكانه الإسهام في حل الأزمة، معتقدين أنهم بإمكانهم الإفلات من قبضة القانون، إننا نحذرهم شديد التحذير، بأن الجزائر أغلى وأسمى من أن يتعرض لها ولشعبها، مثل هؤلاء العملاء الذين باعوا ضمائرهم وأصبحوا أدوات طيعة بل وخطيرة بين أيدي تلك الدوائر المعادية لوطننا".
وأشار قايد صالح إلى أن "كل إساءة مغرضة وباطلة في حق الجيش لن ينقص من قدره شيئا، بل سيعـري صاحبها أو أصحابها ويكشف طينتهم الحقيقية أمام الشعب"، مضيفا انه "آن أوان النظر الصارم المعتمد على حماية المصلحة العليا للجزائر، بشأن اتخاذ كافة الإجراءات القانونية حيال كل ما يقوم به هؤلاء العملاء، في حق مستقبل الشعب ومصير الوطن، والأكيد أن جهاز العدالة هو من سيقوم بالبت في مصير هؤلاء العملاء، وسيقوم باتخاذ كافة الإجراءات العادلة، لكنها رادعة وصارمة، فمن يتجرأ على الجزائر وعلى مستقبل شعبها وديمومة دولتها، لن يفلت من العقاب وستتولى العدالة أمره طال الزمن أم قصر".
التحذير الأخير
واعتبر قائد صالح ان هذا التحذير الذي يوجهه اليوم، يعد "آخر تحذير لكل هؤلاء المتاجرين بمستقبل الوطن وبمصلحته العليا. هؤلاء الذين جعلوا من تجرأ على الراية الوطنية وأساؤوا احترام العلم الوطني، وممن أجرم في حق الشعب والوطن، بمثابة المعتقلين السياسيين وسجناء الرأي"، وتساءل "أيعقل هذا الكلام، هل يعتقدون أنهم أذكياء إلى درجة أنه بإمكانهم خداع الشعب الجزائري بهذه الترهات والألاعيب، هل سيسمح الشعب الجزائري لأي كان أن يهين رايته الوطنية، إنهم ليسوا أبناء هذا الشعب".
وكان قايد صالح يرد على أرضية سياسية انبثقت عن مؤتمر المعارضة، كتلة التغيير، السبت الماضي، تضمنت مطالبة السلطات بإجراءات تهدئة تبدأ بإطلاق سراح من تصفهم بالمساجين السياسيين ومعتقلي الرأي ورحيل الحكومة ورئيسها نور الدين بدوي ورئيس الدولة عبد القادر بن صالح وبدء مرحلة انتقالية.
كذلك تضمنت المطالب التوافق على فترة تمهيدية تسبق الانتخابات الرئاسية، يتم خلالها وضع لجنة وطنية تتولى صياغة قانون للهيئة المستقلة للانتخابات وتعديل قانون الانتخابات والإعلام، واستبعاد كل من كانت له علاقة بالفساد أو بتزوير الانتخابات وكل من دافعوا عن ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بولاية خامسة عن مسار تنظيم الانتخابات المقبلة.
واتهم رئيس الأركان المجموعات السياسية والمدنية التي تعارض خيارات الجيش ومسار الحل الدستوري بالارتباط الوثيق بمن يصفهم "بالعصابة"، ويقصد بها قائدي جهاز المخابرات السابقين الفريق محمد مدين وبشير طرطاق والسعيد بوتفليقة شقيق الرئيس السابق بوتفليقة.
وقال في هذا الصدد "العصابة التي انكشف اليوم كل ما أضمرته من مفاسد، لا يزال لديها أتباع ومريدون في المجتمع ولا تزال هذه العصابة، بصفة أوضح وأدق، تعمل جاهدة على التغلغل في المسيرات الشعبية، وتسعى إلى اختراق صفوفها والتأثير على طبيعة المطالب الشعبية المشروعة، بل، ومحاولة توجيه هذه المطالب إلى الوجهة التي تتماشى مع الأغراض الدنيئة لهذه العصابة، وهو ما يستلزم، وأعيد ذلك مرة أخرى، أخذ الحيطة والحذر فيما يتعلق بتأطير هذه المسيرات".
ويتوجه قائد الجيش تحديدا بهذا التصعيد ضد كتلة البديل الديمقراطي التي تضم سبعة أحزاب تقدمية أبرزها التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية وجبهة القوى الاشتراكية ومجموعة من الشخصيات السياسية والمدنية التي تتشدد في التمسك برحيل رموز النظام وعلى رأسها بن صالح ورئيس الحكومة نور الدين بدوي وبدء مرحلة انتقالية يديرها مجلس أو رئيس انتقالي.