"هل سيتم اليوم إدخال الكراتين (الحصص الغذائية) إلى المخيم؟". سؤال يومي تطرحه زكية من مخيم اليرموك، على عمها الموجود خارج المخيم، فعمّها يعمل مع "الأونروا" على شاحنته لنقل الصناديق إلى مدخل المخيم. فيجيب الأخير بالنفي.
منذ مارس/آذار العام 2013 تتكبد زهرة، مثلها مثل الآلاف المحاصرين داخل المخيم، مشقّة الحصول على حصة غذائية. "هل نذهب إلى يلدا أم إلى ساحة الريجي؟". في الوجهتين سواء شمالاً أو جنوباً الفرصة معدومة للظفر بربطة من الخبز أو كيلو من الأرز. فسعر المادتين تجاوز الـ 3500 ليرة سورية، في ظلّ حصار أنهك جسد زكية النحيل وطفليها المريضين. تقول: "لا أريد أن أموت جوعاً، زوجي مريض ويخاف مغادرة المخيم. هو ليس مطلوباً لأي جهة، لكنه يخاف من الاعتقال العبثي الذي يستهدف الشبان مهما كانت أعمارهم. لهذا السبب تجد أن المحتشدين انتظاراً على مداخل المخيم هم من النساء والرجال العجائز، دون الشباب، لا سيما بعد اعتقال العديد منهم في فترات سابقة. منهم من لم يعودوا أبداً ومنهم من تلقينا خبر موته تعذيبا داخل المعتقل.."
لأبو محمد، المحاصر من بين المحاصرين، ولدان توأم بلغا سن التجنيد الإجباري. والدته طريحة الفراش وتعاني من داء السكري، وقد فقدت بصرها من مضاعفاته وبسبب انعدام الدواء. يتحدث بألم لـ "العربي الجديد" شارحاً: "ما يصدمني أن أمي لا تعي ما يجري في المخيم ولا في محيطه. كلما دخَلَت في الغيبوبة واستفاقت منها أقف حائراً وهي تطلب مني أن أحضر لها الخضار أو الفواكه مثل التفاح. تصيح بي أنني ولد عاق وأرفض أن ألبّي طلبها البسيط. فأحضنها وأبكي على صدرها".
يتابع: "يا ليت الأمر يتوقف على حبة من التفاح أو غيره. يمكنك أيضاً التأقلم مع حياة الحصار من دون كهرباء. لكن أن تفقد الماء فذلك قهر". يسأل: "كيف تريد أن تدخل الحمام وتقضي حاجتك؟ مع أن دخول الحمام لا يحصل إلا كل ثلاثة أيام أو أربعة بسبب قلة الطعام. كلما نظرت في المرآة أرى شبحي النحيل. وكلما نظرت في عيون ولديّ أرى أشباحاً تنتظر حتفها".
بدوره، يردّ مجدي على سائله بمجموعة من الأسئلة: "عم بتدخنوا وتشربوا شاي؟ كيف هو طعم الشاي؟ حدا عم يسأل عنا خارج المخيم؟ هل تفكر الفصائل فينا؟ هل سمعت عن اتفاق جديد لفك الحصار؟ قبل أن يتابع: "الكثير من الأطفال مصابون بالأنيميا (فقر الدم). عن ماذا تريدني أن أحدثك؟ عن إذلال النساء على معابر اليرموك أم عن محاولة استغلالهن واستمالتهن برغيف خبز؟ عن أي عار وصلنا إليه؟ نفتّش في حاويات القمامة الفارغة. لا شيء على الأرض غير حشائش لا تصلح للدواب. تصحّرت الأرض. لم يبق لنا سوى الجوع والقهر وانتظار الموت".
يسأل أهل المخيم من هم خارجه طوال الوقت عن مبادرة جديدة تجاهه. تلك المبادرات التي استمرت لعامين ونيف لم تستطع حتى الآن فتح معبر واحد لخروج ودخول الناس. بدوره، يسأل أبو بسام: "هل من المعقول أن يقول هؤلاء الذين يدّعون بأنهم يهتمون بنا وبحياتنا أنهم غير قادرين حتى على فرض ما يسمى بمبادرات إنسانية؟".
تضيف أم بسام، التي بالكاد يسمع المرء صوتها الخافت، على كلام زوجها: "يقولون إنهم أدخلوا سيارة خبز. ليتك كنت هنا ورأيت ذلك المشهد. لقد بكيت وأنا أرى الجوعى يتزاحمون. نحن هنا نرى الموت كل يوم. وخارج المخيم يقولون لك اصبروا. منذ سنتين ونحن نصبر. لكن على ماذا نصبر؟ لم أعد أرى إلا الأجساد الهزيلة. وأكثر ما يحرق قلبي مشهد الأطفال عند حاويات القمامة الفارغة".
يشرح عامر أكثر عن وصول الوضع إلى ذروته: "حتى شوربة البهارات لم تعد موجودة. يكفينا موت ويكفينا المتاجرة باسمنا وبقضيتنا. لا عاقل يمكن أن يصدّق بأن موتنا هنا بسبب دفاع هؤلاء عن فلسطين. أنت لا تدافع عن فلسطين بأن تحوّل شعب اليرموك وبقية المخيمات إلى أشكال بشر يعيشون الذلّ المتعمّد".
وتبقى صرخة السيدات المتقدمات في السن الأصعب على الإطلاق وهن يتساءلن: "لماذا لا يعيدوننا إلى فلسطين إذا كانوا يكرهون حياتنا ووجودنا هنا؟ فإما يفكّون الحصار عنا لنلتقي بأولادنا الذين لم يعودوا قادرين حتى على دفن موتاهم، أو يفتحوا المعابر لنخرج من كل سورية إلى فلسطين بأية طريقة".