30 ديسمبر 2021
الجنرال عارياً
يومها، كاد المسئول عن تصوير خطابات الجنرال أن يفقد حياته، لولا أن الله كان رحيماً به. الآن، وبعد أن جرى ما جرى، يحمد كبير الياوران الله ويبتهل إليه شكراً، لأنه تمسك بالعادة التي جرت على أن يقوم فخامة الجنرال ببروفات مكثفة على أي خطاب جماهيري قبل أن يلقيه، حرصاً على ألا يشمت الكارهون والمعارضون بأخطائه اللغوية وإلقائه المتعثر.
يقول كبير الياوران لنفسه عندما يتذكر ما حدث: «فلنحمد الله على جهل فخامته، فلو كان طليق اللسان فصيح الإلقاء لكانت فضيحة تهون إلى جوارها الفضائح ذوات الجلاجل، ولفقدت على إثرها حياتي».
«يلّا هنبتدي التيست.. إبتدي سيادتك يا فندم».
وسيادته بدأ طقسه في «تكسير الخطاب على لسانه» طبقا لتعبيره المفضل الذي يخفي به حرجه مما يقوم به من تكسير لعظام كل القواعد اللغوية التي وضعها علماء النحو والصرف، متوقفاً كل لحظة لكي يستمع إلى ملاحظة يلقيها عليه عميد كبرى كليات اللغة العربية في البلاد الذي تم انتدابه خصيصاً لملازمة الجنرال طيلة يوم إلقاء الخطاب، والذي فكر فور بدئه لعمله أن يكسب في لغة البلاد الرسمية ثواباً فيشرح للجنرال بعضاً من قواعد النحو والصرف، لكن محاولته انتحرت على أعتاب دعابة قالها له الجنرال: «قواعد إيه يا دكترة.. هي كانت قواعد عسكرية يعني.. يا أخي كبر مخك».
فيما كان الجنرال يُكَسِّر خطابه المقبل، كان العمل في الاستوديو التلفزيوني الكائن بقصر القيادة يسير على قدم وساق، فنيو الصوت ينتهزون الفرصة لإجراء الاستعدادات الملازمة لتضبط صوت سيادته لكي يصل إلى آذان الناس على خير ما يرام، بينما بدأ فنيو الإضاءة يضبطون لمبات الإضاءة المسلطة على منصة الإلقاء التي وقف الجنرال خلفها لكي يدخل في «المود» الملائم لإلقاء الخطاب الذي تنتظر البلاد إذاعته في تمام التاسعة مساء.
وفجأة حدث ما حدث.
في البداية، لم يستوعب كبير ياوران الجنرال الأمر عندما جاء إليه المسئول عن التصوير وهو يرتعش هلعا ويقول له بوجه يكسوه الشحوب: «يا فندم .. أرى الجنرال عارياً».
«نعم يا روح أمك»؛ كان أول ما قاله كبير الياوران لمدير التصوير الذي كان أستاذا رفيع المقام في معهد السينما، لكنه لم يتوقف طويلا عند تلك الإهانة فقد كان حسه الوطني يتطلب منه في تلك اللحظة أن يضع كرامته تحت حذاء كبير الياوران لكي ينقذ ما يمكن إنقاذه. بمنتهى الهدوء طلب من كبير الياوران أن يصحبه إلى حيث تتموضع الكاميرات لكي يلقي نظرة على ما يريد أن يوصله له «لأني مش هاعرف أعبر لسيادتك عن اللي أنا شايفه أبدا».
صوت اللطمة التي لطمها كبير الياوران على خديه كان قوياً بحيث استلفت انتباه الجنرال، وهو أمر لم يكن كبير الياوران يتمناه، لكنه اتضح أنه كان لازماً لكي يضع الجنرال سريعاً في حقيقة ما يحدث، فالوقت لا يحتمل أي تأخير في إذاعة الخطاب الذي تمت كتابته على عجل لإنقاذ البلاد من أزمة سياسية حادة تتهددها بعد أن خرج آلاف الشباب المعارضين إلى الشوارع مطالبين بإسقاط حكم الجنرال وتقديمه للمحاكمة بعد أن قام جنوده بإطلاق النار على عدد من الشباب والفتيات المعتصمين في أكبر ميادين البلاد قبل أن يقوموا بسحل الذين لم يهربوا من سيل الطلقات المنهمر، وضربهم ضربا مبرحا وتجريد بعض المعتصمات من ملابسهن أثناء سحلهن على الأسفلت؛ وهي مشاهد التقطتها عدسات المصورين لتُنشر في صدر الصفحات الأولى للصحف العالمية وتذاع في كافة نشرات الأخبار حول العالم، وتثير انتقادات دولية حادة قابلها الجنرال ببرود أعصاب لدرجة أنه قال لعدد من القادة العالميين الذين اتصلوا به محتجين إن كل ما رأوه عار تماما عن الصحة، وإن كل الفيديوهات التي تناقلتها وكالات الأنباء ومواقع الإنترنت مفبركة ومصنوعة من قِبل معارضيه بتقنية الفوتوشوب. كبرى الصحف الأمريكية أخذت على صدر صفحتها الأولى عنوانا رئيسيا يقول بالإنجليزية: «الجنرال: كله فوتوشوب»؛ ناسبة ذلك التصريح إلى الجنرال على عهدة مسئول دولي كبير التقى به محاولا الحصول على تفسير لما حدث.
كل الأفكار التي كانت تتدافع في عقل كبير الياوران طارت إثر سقوط كوب زجاجي إلى جواره، قذفه به الجنرال قبل أن يقول له غاضبا:
- «بتلطم ليه يا زفت أنت؟ في راجل شحط كده يلطم على خدوده؟».
- «مافيش سيادتك.. هو موضوع محرج شوية».
- «إحنا هنهزر.. ماتتكلم.. مافيش ستات واقفين.. إيه عملتها على روحك وأنت قاعد؟».
- «يا فندم أنا آسف بس الظاهر إن في مشكلة هتخلينا نأخر إذاعة الخطاب شوية».
- «إيه يعني عشان الكام غلطة اللي في العربي دول؟ في داهية العربي يعني.. لا مؤاخذة يا دكتور».
- «طبعا يا فندم.. عربي إيه بس.. المهم ننقذ البلد».
- «وهي هتروح فين البلد يعني.. أنت كمان هتكبر المواضيع يا دكتور.. ما هي قاعدة البلد أهيه.. في إيه يا زفت؟ هو أنت كل ما هتبص في الكاميرا هتلطم!».
لم يجرؤ كبير الياوران على أن يشرح للجنرال ما رآه أمام الحضور حتى وإن كانوا جميعا من أهل الثقة والخبرة معا؛ لذلك اختلى بفخامته جانبا، وهو يعلم أن مهمته ستكون صعبة للغاية، لأن الجنرال عود رجاله دائما على ألا يقتنع إلا بما يراه بأم عينيه.
علا صوت الجنرال مجددا في فضاء الاستوديو:
«يعني إيه عريان يا حمار؟ مانا لابس أهوه البدلة ومش سايب ولا نيشان في البيت.. جايبهم كلهم أهوه قدامك».
اضطر المسئول عن التصوير لكي يتدخل لإنقاذ كبير الياوران من غضب الجنرال، بعد أن رأى الجنرال خلال انفعاله يمد يده أكثر من مرة لكي يتحسس مسدسه الذي لم يكن لحسن الحظ معلقا في جرابه. أخذ خطوات إلى الأمام ملتصقا بأذن كبير الياوران: «أنا باقول نفرَّج فخامته على المونيتور عشان يشوف بنفسه ويتأكد».
لو كان الوقت يحتمل لمد كبير الياوران يده إلى جرابه وأخرج مسدسه وأطلق النار على المسئول عن التصوير لكي يقتله لأنه جرؤ على التدخل في عمله بهذا الشكل المهين، لكنه تراجع عندما تذكر أن رقبته نفسها مهددة بالطيران إذا لم يقتنع الجنرال بما يحاول أن يشرح له، وعلى الفور أمر بإخلاء الاستوديو من كل من فيه، حتى إنه طلب من المسئول عن التصوير ومصوريه الذين سبق لهم أن شاهدوا الأمر بأعينهم أن يضبطوا وضع المونيتور بحيث لا يراه سوى الجنرال وهو يقف خلف منصة الخطابة، بل وطلب منهم زيادة في الاحتياط أن يخرجوا فور تشغيل الكاميرات وهم يطأطئون رءوسهم في الأرض لكي لا يروا أي انفعالات تظهر على وجه الجنرال؛ فانفعالات الجنرال ملك له وحده لا يصح أن يشاركه فيها أحد.
عاد صوت الجنرال ليدوِّي من جديد:
- «يا نهار إسود، دي مؤامرة، اعتقل كل الكلاب اللي بره دول واضربهم بالنار».
- «هيحصل يا فندم بس مش لما نفهم إزاي ده حصل أصلا».
- «يعني هيكون حصل إزاي يا غبي، إيه الجهل ده!! أكيد الكلاب دول حاطين حاجة في عدسات الكاميرات، اعدموهم فورا وبعدين الكاميرات دي تتكسر وتتغير عدساتها وهتشتغل عادي».
- «بس هو يعني سعادتك هما لو كلهم متآمرين ما كانوش قالوا لنا على اللي شافوه، كانوا استنوا لغاية ما نطلع على الهوا.. إحنا هنحقق معاهم ونشوف مين فيهم اللي ورا المؤامرة دي.. لغاية ما يدلنا على مكان الحاجة اللي زرعها في العدسات».
«في دي عندك حق يا حيوان.. بس برضه بعد ما تخلصوهم اعدموهم عشان مايحكوش اللي حصل لحد».
- «في دي عندك حق يا فندم.. إحنا بس عشان الوقت هنتعِب سيادتك معانا في مشوار دلوقتي حالا لحد استوديوهات الإذاعة والتلفزيون عشان هنضطر نذيع الخطاب من هناك.. مافيش وقت طويل قدامنا».
في داخله كان كبير الياوران يؤمن طيلة حياته بضرورة أن يصدق حدسه دائما وأبدا، وحدسه كان ينبئه أن ما حدث في استوديو القيادة يمكن أن يتكرر في استوديوهات التلفزيون؛ ولذلك أصر على أن يذهب الجنرال إلى هناك مبكراً.
على الفور تم إخلاء الطرق المؤدية إلى مبنى التلفزيون ليصل إليه الجنرال سريعا، وفور وصوله تم إدخاله من نفق أرضي يستخدم في حالة الطوارئ لتأمين المبنى من الانقلابات العسكرية والهبَّات الشعبية، فيما كانت قوات مدربة قد سبقت قدوم الجنرال وأخلت الاستوديو الرئيسي في المبنى من كل الموظفين والعمال والفنيين، ليتم اختيار عدد محدود منهم من واقع ملفاتهم التي تم مراجعتها سريعا من قِبل المختصين في الأجهزة الأمنية الرفيعة.
في ذلك الوقت كانت تحقيقات مكثقة تُجرى مع كل العاملين في استوديو قصر القيادة، خاصة بعد أن كشفت تقارير أمنية عن مفاجأة مدوية تم التوصل إليها خلال تفريغ لتسجيل كاميرا دورة المياه التي كشفت أن المسئول عن التصوير بذاته صدرت منه قبل يوم، خلال وقوفه أمام المبولة إلى جوار أحد زملائه تعليقات ساخرة من حديث الجنرال حول فبركة شرائط الانتهاكات.
جاء في التفريغ الحرفي الذي تم إملاؤه على كبير الياوران أن المسئول عن الإضاءة قال بالحرف الواحد: «يا أخي تصدق الفوتوشوب اتبهدل في البلد دي.. ده أنا ليا واحد صاحبي اسمه أحمد قاسم شغال في السيما.. واد خبرة في الجرافيك يمكن من أشطر الناس في مصر كلها ويمكن في العالم قال لي بعد ما سمع الكلام ده إنت عارف لو اللي اخترعوا برنامج الفوتوشوب سمعوا الكلام اللي بيتقال عنه كانوا ولعوا فيه وهما بيعملوه.. ده عشان الواحد يعمل كل ده جرافيك محتاج يقعد تلات شهور بالميت على مكن ابن لذين وبإمكانيات بنت كلب.. حكاية الفوتوشوب دي ممكن تتعمل في وقت قصير بس لحاجات سهلة.. إنما مستحيل تعمل كل الناس دي فوتوشوب.. الناس دي بتستعبط علينا جامد»، هكذا قال مسئول التصوير لزميله الذي كان أكثر منه حصافة ووعيا، حيث قام بمغادرة المبولة على عجل وهو يقول: «والله كلها فتنة ربنا ينجينا منها.. أستغفر الله العظيم خليتني أقول اسم ربنا في مكان زي ده ربنا يسامحك يا أخي».
المحققون بعد أن سمعوا ما سمعوه توصلوا إلى استنتاج نهائي أن ما قام به المسئول عن التصوير من إبلاغ عن واقعة عري الجنرال لم يكن سوى محاولة متأخرة لإخلاء مسئوليته عما كان مخططا له أن يحدث، وبدءوا في التركيز على إقناعه بأن إخفاء أسماء شركائه لن يفيده، وعندما فشلت كل محاولاتهم في إقناعه بالحسنى وقبل أن يلجئوا أخيرا إلى التعذيب البدني الذي كان كفيلا بجعله يفارق الحياة بوصفه مريضا بعدد من الأمراض المزمنة، نزلت عدالة السماء لتنقذه بعد أن تلقوا مكالمة عاجلة من كبير الياوران تطلب أن يتم إحضاره على الفور إلى ماسبيرو، نفذ المحققون الأمر مستغربين، بعد أن لبّوا طلبا حاسما للمسئول عن الإضاءة الذي قال إنه لن يتحرك من مكانه إلا بعد إحضار «غيار نضيف وبنطلون جديد».
لم يكن مسئول التصوير وهو يرتدي الغيار والبنطلون الذي تبرع بهما له أحد المحققين يعلم أن العبارات الساخرة التي قالها غافلاً في المبولة ستنقذ حياته، ولم يكن يعلم أيضاً أن ما حدث للجنرال من عري على شاشة الكاميرات في استوديو القيادة تكرر بحذافيره في كاميرات استوديو الإذاعة والتلفزيون الرئيسي، بل وفي كاميرات ثلاثة استوديوهات متفاوتة الحجم في المبنى، قبل أن يتوقف نقل الجنرال من استوديو لآخر بعد أن هدد بإطلاق النار على من يطلب منه أن يتحرك شبراً واحداً إلى استوديو جديد.
كانت الأزمة قد استحكمت وضاقت حلقاتها، ذكَّر كبار رجال الجنرال بعضهم البعض بأنه لو كان ثمة وقت للجئوا ربما إلى خبرات أجنبية صديقة من دول تمتلك باعاً طويلاً في مجال تقنيات التصوير، حتى لو اضطروا للإعلان عن تأجيل موعد إلقاء الخطاب بكل ما يستتبعه ذلك من تعقيدات سياسية، لكن ذلك الاقتراح تم نسفه كلية بعد أن اعترضت جهات رفيعة عليه مذكِّرة بالتعقيدات السياسية التي يمكن أن يسببها تسرب الخبر إلى الدول الأجنبية التي لا يمكن حتى لو كانت صديقة أن تؤتمن على تفاصيل حرجة مثل هذه.
كان الكل في حالة يرثى لها من التوتر والارتباك بحيث لم يعد أي من كبار المسئولين قادرا على أن ينظم تفكيره بحيث يحصره في مسار وحيد هو البحث عن حل للأزمة؛ ففي كل لحظة كانت تتبدى تفصيلة جديدة حول التداعيات التي يمكن أن يحدثها إلغاء الخطاب أو تأجيله، وكيف يمكن أن يُفهم ذلك كتراجع خطير أمام القوى الشابة المتمردة التي كانت كل دقيقة تأخير تمنحها فرصة إضافية لتنظيم صفوفها وحشد مؤيدين جدد تستفزهم صور الانتهاكات الصادمة التي يتناقلونها عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
كبير الياوران كان يصدق أيضا أنه برغم كل ما ارتكبه من مخازٍ سيظل دائما محميا ببركة دعاء والدته التي كان بارا بها، ولم يكن يتأخر عنها لحظة واحدة، وجعلها ترى خلال سنوات عِزِّه القيادي عزاً لم تره أمٌّ على وجه الأرض؛ ولذلك نذر على نفسه أن يجعلها تقضي شهراً كاملاً في أفخم فنادق المدينة المنورة إذا عبرت تلك المحنة؛ لأن دعواتها كانت بالتأكيد سببا في ذلك الحل الذي تفتق عنه ذهنه، وجعله يستدعي فوراً المسئول عن التصوير على ملا وجهه إلى مبنى التلفزيون في سرية تامة، ليختلي به في غرفة اختارها عشوائياً ليتأكد من خلوها من أجهزة المراقبة ويدور بينهما حديث طويل لم يعرف أحد ما دار فيه، لكن ما يعرفه الجميع أن كبير الياوران خرج من الغرفة يتملكه إحساس بالظفر، ليجري مسرعاً إلى حيث كان الجنرال يجلس في مكتب رئيس المبنى منهالًا باللعنات والشتائم على الجميع، وليقتحم على رئيسه خلوته الغاضبة قائلاً بفرحة عارمة أثارت دهشة الجنرال:
«خلاص يا فندم، فُرِجت والحمد لله، هنسجل الخطاب حالا يا فندم بس هنضطر نذيعه بعد تلات ساعات من دلوقتي بعد ما نعمل شوية عمليات فنية هاشرحها لحضرتك.. هننزل خبر عاجل دلوقتي يقول المعاد الجديد للناس عشان نقطع ألسنة الشائعات وهنسرّب كلام إن في مفاجأة سياسية كبيرة حضرتك هتعلنها يا افندم.. ما تقلقش خالص سيادتك.. وراك رجالة يا افندم».
بعد ثلاث ساعات كان المسئول عن التصوير في الاستوديو القيادي يجلس في غرفة معيشة بيته إلى جوار زوجته وابنه الوحيد وهو يحتضنهما بحب غامر بدا لهما غريب الأطوار قليلاً، كان الجميع يتفرجون على خطاب الجنرال الذي وقف أمام الملايين مرتديا بدلته الرسمية المرصعة بالنياشين ليعلن في خطابه بلغة عربية سليمة وصوت واثق وقامة منتصبة وملامح مطمئنة عن ضبط شبكة تخريب كبرى شارك فيها عدد من القادة الثوريين الشباب الذين تلقّوا مبالغ مالية ضخمة من جهات أجنبية لإثارة حالة من البلبلة في البلاد مستخدمين في ذلك أحدث التقنيات التي تتوفر في الدول المتقدمة، واعدا بأن تشهد الأيام القادمة إعلاناً كاملاً للتفاصيل، قبل أن يختم خطابه بصرف مكافأة؛ شهر إضافي، لجميع العاملين في أجهزة الدولة تقديراً لهم على حرصهم على العمل والإنتاج في ظل الظروف العصيبة التي تمر بها البلاد.
وفيما كان الجنرال يختم خطابه بأبيات شعرية مؤثرة في حب الوطن اختارها له عميد كلية اللغة العربية بنفسه، كان المسئول عن الاستوديو القيادي قد انهزم أمام رغبته في البوح ليقول لزوجته وابنه: «يخرب عقلك يا أحمد يا قاسم.. أنقذت حياتي يا بن الذين.. إنتو عارفين بقى.. أهوه اللي إنتو شفتوه ده كله فوتوشوب».
.....
(من مجموعتي القصصية الثالثة (الشيخ العيِّل) التي تصدر طبعتها الجديدة قريباً بإذن الله).
يقول كبير الياوران لنفسه عندما يتذكر ما حدث: «فلنحمد الله على جهل فخامته، فلو كان طليق اللسان فصيح الإلقاء لكانت فضيحة تهون إلى جوارها الفضائح ذوات الجلاجل، ولفقدت على إثرها حياتي».
«يلّا هنبتدي التيست.. إبتدي سيادتك يا فندم».
وسيادته بدأ طقسه في «تكسير الخطاب على لسانه» طبقا لتعبيره المفضل الذي يخفي به حرجه مما يقوم به من تكسير لعظام كل القواعد اللغوية التي وضعها علماء النحو والصرف، متوقفاً كل لحظة لكي يستمع إلى ملاحظة يلقيها عليه عميد كبرى كليات اللغة العربية في البلاد الذي تم انتدابه خصيصاً لملازمة الجنرال طيلة يوم إلقاء الخطاب، والذي فكر فور بدئه لعمله أن يكسب في لغة البلاد الرسمية ثواباً فيشرح للجنرال بعضاً من قواعد النحو والصرف، لكن محاولته انتحرت على أعتاب دعابة قالها له الجنرال: «قواعد إيه يا دكترة.. هي كانت قواعد عسكرية يعني.. يا أخي كبر مخك».
فيما كان الجنرال يُكَسِّر خطابه المقبل، كان العمل في الاستوديو التلفزيوني الكائن بقصر القيادة يسير على قدم وساق، فنيو الصوت ينتهزون الفرصة لإجراء الاستعدادات الملازمة لتضبط صوت سيادته لكي يصل إلى آذان الناس على خير ما يرام، بينما بدأ فنيو الإضاءة يضبطون لمبات الإضاءة المسلطة على منصة الإلقاء التي وقف الجنرال خلفها لكي يدخل في «المود» الملائم لإلقاء الخطاب الذي تنتظر البلاد إذاعته في تمام التاسعة مساء.
وفجأة حدث ما حدث.
في البداية، لم يستوعب كبير ياوران الجنرال الأمر عندما جاء إليه المسئول عن التصوير وهو يرتعش هلعا ويقول له بوجه يكسوه الشحوب: «يا فندم .. أرى الجنرال عارياً».
«نعم يا روح أمك»؛ كان أول ما قاله كبير الياوران لمدير التصوير الذي كان أستاذا رفيع المقام في معهد السينما، لكنه لم يتوقف طويلا عند تلك الإهانة فقد كان حسه الوطني يتطلب منه في تلك اللحظة أن يضع كرامته تحت حذاء كبير الياوران لكي ينقذ ما يمكن إنقاذه. بمنتهى الهدوء طلب من كبير الياوران أن يصحبه إلى حيث تتموضع الكاميرات لكي يلقي نظرة على ما يريد أن يوصله له «لأني مش هاعرف أعبر لسيادتك عن اللي أنا شايفه أبدا».
صوت اللطمة التي لطمها كبير الياوران على خديه كان قوياً بحيث استلفت انتباه الجنرال، وهو أمر لم يكن كبير الياوران يتمناه، لكنه اتضح أنه كان لازماً لكي يضع الجنرال سريعاً في حقيقة ما يحدث، فالوقت لا يحتمل أي تأخير في إذاعة الخطاب الذي تمت كتابته على عجل لإنقاذ البلاد من أزمة سياسية حادة تتهددها بعد أن خرج آلاف الشباب المعارضين إلى الشوارع مطالبين بإسقاط حكم الجنرال وتقديمه للمحاكمة بعد أن قام جنوده بإطلاق النار على عدد من الشباب والفتيات المعتصمين في أكبر ميادين البلاد قبل أن يقوموا بسحل الذين لم يهربوا من سيل الطلقات المنهمر، وضربهم ضربا مبرحا وتجريد بعض المعتصمات من ملابسهن أثناء سحلهن على الأسفلت؛ وهي مشاهد التقطتها عدسات المصورين لتُنشر في صدر الصفحات الأولى للصحف العالمية وتذاع في كافة نشرات الأخبار حول العالم، وتثير انتقادات دولية حادة قابلها الجنرال ببرود أعصاب لدرجة أنه قال لعدد من القادة العالميين الذين اتصلوا به محتجين إن كل ما رأوه عار تماما عن الصحة، وإن كل الفيديوهات التي تناقلتها وكالات الأنباء ومواقع الإنترنت مفبركة ومصنوعة من قِبل معارضيه بتقنية الفوتوشوب. كبرى الصحف الأمريكية أخذت على صدر صفحتها الأولى عنوانا رئيسيا يقول بالإنجليزية: «الجنرال: كله فوتوشوب»؛ ناسبة ذلك التصريح إلى الجنرال على عهدة مسئول دولي كبير التقى به محاولا الحصول على تفسير لما حدث.
كل الأفكار التي كانت تتدافع في عقل كبير الياوران طارت إثر سقوط كوب زجاجي إلى جواره، قذفه به الجنرال قبل أن يقول له غاضبا:
- «بتلطم ليه يا زفت أنت؟ في راجل شحط كده يلطم على خدوده؟».
- «مافيش سيادتك.. هو موضوع محرج شوية».
- «إحنا هنهزر.. ماتتكلم.. مافيش ستات واقفين.. إيه عملتها على روحك وأنت قاعد؟».
- «يا فندم أنا آسف بس الظاهر إن في مشكلة هتخلينا نأخر إذاعة الخطاب شوية».
- «إيه يعني عشان الكام غلطة اللي في العربي دول؟ في داهية العربي يعني.. لا مؤاخذة يا دكتور».
- «طبعا يا فندم.. عربي إيه بس.. المهم ننقذ البلد».
- «وهي هتروح فين البلد يعني.. أنت كمان هتكبر المواضيع يا دكتور.. ما هي قاعدة البلد أهيه.. في إيه يا زفت؟ هو أنت كل ما هتبص في الكاميرا هتلطم!».
لم يجرؤ كبير الياوران على أن يشرح للجنرال ما رآه أمام الحضور حتى وإن كانوا جميعا من أهل الثقة والخبرة معا؛ لذلك اختلى بفخامته جانبا، وهو يعلم أن مهمته ستكون صعبة للغاية، لأن الجنرال عود رجاله دائما على ألا يقتنع إلا بما يراه بأم عينيه.
علا صوت الجنرال مجددا في فضاء الاستوديو:
«يعني إيه عريان يا حمار؟ مانا لابس أهوه البدلة ومش سايب ولا نيشان في البيت.. جايبهم كلهم أهوه قدامك».
اضطر المسئول عن التصوير لكي يتدخل لإنقاذ كبير الياوران من غضب الجنرال، بعد أن رأى الجنرال خلال انفعاله يمد يده أكثر من مرة لكي يتحسس مسدسه الذي لم يكن لحسن الحظ معلقا في جرابه. أخذ خطوات إلى الأمام ملتصقا بأذن كبير الياوران: «أنا باقول نفرَّج فخامته على المونيتور عشان يشوف بنفسه ويتأكد».
لو كان الوقت يحتمل لمد كبير الياوران يده إلى جرابه وأخرج مسدسه وأطلق النار على المسئول عن التصوير لكي يقتله لأنه جرؤ على التدخل في عمله بهذا الشكل المهين، لكنه تراجع عندما تذكر أن رقبته نفسها مهددة بالطيران إذا لم يقتنع الجنرال بما يحاول أن يشرح له، وعلى الفور أمر بإخلاء الاستوديو من كل من فيه، حتى إنه طلب من المسئول عن التصوير ومصوريه الذين سبق لهم أن شاهدوا الأمر بأعينهم أن يضبطوا وضع المونيتور بحيث لا يراه سوى الجنرال وهو يقف خلف منصة الخطابة، بل وطلب منهم زيادة في الاحتياط أن يخرجوا فور تشغيل الكاميرات وهم يطأطئون رءوسهم في الأرض لكي لا يروا أي انفعالات تظهر على وجه الجنرال؛ فانفعالات الجنرال ملك له وحده لا يصح أن يشاركه فيها أحد.
عاد صوت الجنرال ليدوِّي من جديد:
- «يا نهار إسود، دي مؤامرة، اعتقل كل الكلاب اللي بره دول واضربهم بالنار».
- «هيحصل يا فندم بس مش لما نفهم إزاي ده حصل أصلا».
- «يعني هيكون حصل إزاي يا غبي، إيه الجهل ده!! أكيد الكلاب دول حاطين حاجة في عدسات الكاميرات، اعدموهم فورا وبعدين الكاميرات دي تتكسر وتتغير عدساتها وهتشتغل عادي».
- «بس هو يعني سعادتك هما لو كلهم متآمرين ما كانوش قالوا لنا على اللي شافوه، كانوا استنوا لغاية ما نطلع على الهوا.. إحنا هنحقق معاهم ونشوف مين فيهم اللي ورا المؤامرة دي.. لغاية ما يدلنا على مكان الحاجة اللي زرعها في العدسات».
«في دي عندك حق يا حيوان.. بس برضه بعد ما تخلصوهم اعدموهم عشان مايحكوش اللي حصل لحد».
- «في دي عندك حق يا فندم.. إحنا بس عشان الوقت هنتعِب سيادتك معانا في مشوار دلوقتي حالا لحد استوديوهات الإذاعة والتلفزيون عشان هنضطر نذيع الخطاب من هناك.. مافيش وقت طويل قدامنا».
في داخله كان كبير الياوران يؤمن طيلة حياته بضرورة أن يصدق حدسه دائما وأبدا، وحدسه كان ينبئه أن ما حدث في استوديو القيادة يمكن أن يتكرر في استوديوهات التلفزيون؛ ولذلك أصر على أن يذهب الجنرال إلى هناك مبكراً.
على الفور تم إخلاء الطرق المؤدية إلى مبنى التلفزيون ليصل إليه الجنرال سريعا، وفور وصوله تم إدخاله من نفق أرضي يستخدم في حالة الطوارئ لتأمين المبنى من الانقلابات العسكرية والهبَّات الشعبية، فيما كانت قوات مدربة قد سبقت قدوم الجنرال وأخلت الاستوديو الرئيسي في المبنى من كل الموظفين والعمال والفنيين، ليتم اختيار عدد محدود منهم من واقع ملفاتهم التي تم مراجعتها سريعا من قِبل المختصين في الأجهزة الأمنية الرفيعة.
في ذلك الوقت كانت تحقيقات مكثقة تُجرى مع كل العاملين في استوديو قصر القيادة، خاصة بعد أن كشفت تقارير أمنية عن مفاجأة مدوية تم التوصل إليها خلال تفريغ لتسجيل كاميرا دورة المياه التي كشفت أن المسئول عن التصوير بذاته صدرت منه قبل يوم، خلال وقوفه أمام المبولة إلى جوار أحد زملائه تعليقات ساخرة من حديث الجنرال حول فبركة شرائط الانتهاكات.
جاء في التفريغ الحرفي الذي تم إملاؤه على كبير الياوران أن المسئول عن الإضاءة قال بالحرف الواحد: «يا أخي تصدق الفوتوشوب اتبهدل في البلد دي.. ده أنا ليا واحد صاحبي اسمه أحمد قاسم شغال في السيما.. واد خبرة في الجرافيك يمكن من أشطر الناس في مصر كلها ويمكن في العالم قال لي بعد ما سمع الكلام ده إنت عارف لو اللي اخترعوا برنامج الفوتوشوب سمعوا الكلام اللي بيتقال عنه كانوا ولعوا فيه وهما بيعملوه.. ده عشان الواحد يعمل كل ده جرافيك محتاج يقعد تلات شهور بالميت على مكن ابن لذين وبإمكانيات بنت كلب.. حكاية الفوتوشوب دي ممكن تتعمل في وقت قصير بس لحاجات سهلة.. إنما مستحيل تعمل كل الناس دي فوتوشوب.. الناس دي بتستعبط علينا جامد»، هكذا قال مسئول التصوير لزميله الذي كان أكثر منه حصافة ووعيا، حيث قام بمغادرة المبولة على عجل وهو يقول: «والله كلها فتنة ربنا ينجينا منها.. أستغفر الله العظيم خليتني أقول اسم ربنا في مكان زي ده ربنا يسامحك يا أخي».
المحققون بعد أن سمعوا ما سمعوه توصلوا إلى استنتاج نهائي أن ما قام به المسئول عن التصوير من إبلاغ عن واقعة عري الجنرال لم يكن سوى محاولة متأخرة لإخلاء مسئوليته عما كان مخططا له أن يحدث، وبدءوا في التركيز على إقناعه بأن إخفاء أسماء شركائه لن يفيده، وعندما فشلت كل محاولاتهم في إقناعه بالحسنى وقبل أن يلجئوا أخيرا إلى التعذيب البدني الذي كان كفيلا بجعله يفارق الحياة بوصفه مريضا بعدد من الأمراض المزمنة، نزلت عدالة السماء لتنقذه بعد أن تلقوا مكالمة عاجلة من كبير الياوران تطلب أن يتم إحضاره على الفور إلى ماسبيرو، نفذ المحققون الأمر مستغربين، بعد أن لبّوا طلبا حاسما للمسئول عن الإضاءة الذي قال إنه لن يتحرك من مكانه إلا بعد إحضار «غيار نضيف وبنطلون جديد».
لم يكن مسئول التصوير وهو يرتدي الغيار والبنطلون الذي تبرع بهما له أحد المحققين يعلم أن العبارات الساخرة التي قالها غافلاً في المبولة ستنقذ حياته، ولم يكن يعلم أيضاً أن ما حدث للجنرال من عري على شاشة الكاميرات في استوديو القيادة تكرر بحذافيره في كاميرات استوديو الإذاعة والتلفزيون الرئيسي، بل وفي كاميرات ثلاثة استوديوهات متفاوتة الحجم في المبنى، قبل أن يتوقف نقل الجنرال من استوديو لآخر بعد أن هدد بإطلاق النار على من يطلب منه أن يتحرك شبراً واحداً إلى استوديو جديد.
كانت الأزمة قد استحكمت وضاقت حلقاتها، ذكَّر كبار رجال الجنرال بعضهم البعض بأنه لو كان ثمة وقت للجئوا ربما إلى خبرات أجنبية صديقة من دول تمتلك باعاً طويلاً في مجال تقنيات التصوير، حتى لو اضطروا للإعلان عن تأجيل موعد إلقاء الخطاب بكل ما يستتبعه ذلك من تعقيدات سياسية، لكن ذلك الاقتراح تم نسفه كلية بعد أن اعترضت جهات رفيعة عليه مذكِّرة بالتعقيدات السياسية التي يمكن أن يسببها تسرب الخبر إلى الدول الأجنبية التي لا يمكن حتى لو كانت صديقة أن تؤتمن على تفاصيل حرجة مثل هذه.
كان الكل في حالة يرثى لها من التوتر والارتباك بحيث لم يعد أي من كبار المسئولين قادرا على أن ينظم تفكيره بحيث يحصره في مسار وحيد هو البحث عن حل للأزمة؛ ففي كل لحظة كانت تتبدى تفصيلة جديدة حول التداعيات التي يمكن أن يحدثها إلغاء الخطاب أو تأجيله، وكيف يمكن أن يُفهم ذلك كتراجع خطير أمام القوى الشابة المتمردة التي كانت كل دقيقة تأخير تمنحها فرصة إضافية لتنظيم صفوفها وحشد مؤيدين جدد تستفزهم صور الانتهاكات الصادمة التي يتناقلونها عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
كبير الياوران كان يصدق أيضا أنه برغم كل ما ارتكبه من مخازٍ سيظل دائما محميا ببركة دعاء والدته التي كان بارا بها، ولم يكن يتأخر عنها لحظة واحدة، وجعلها ترى خلال سنوات عِزِّه القيادي عزاً لم تره أمٌّ على وجه الأرض؛ ولذلك نذر على نفسه أن يجعلها تقضي شهراً كاملاً في أفخم فنادق المدينة المنورة إذا عبرت تلك المحنة؛ لأن دعواتها كانت بالتأكيد سببا في ذلك الحل الذي تفتق عنه ذهنه، وجعله يستدعي فوراً المسئول عن التصوير على ملا وجهه إلى مبنى التلفزيون في سرية تامة، ليختلي به في غرفة اختارها عشوائياً ليتأكد من خلوها من أجهزة المراقبة ويدور بينهما حديث طويل لم يعرف أحد ما دار فيه، لكن ما يعرفه الجميع أن كبير الياوران خرج من الغرفة يتملكه إحساس بالظفر، ليجري مسرعاً إلى حيث كان الجنرال يجلس في مكتب رئيس المبنى منهالًا باللعنات والشتائم على الجميع، وليقتحم على رئيسه خلوته الغاضبة قائلاً بفرحة عارمة أثارت دهشة الجنرال:
«خلاص يا فندم، فُرِجت والحمد لله، هنسجل الخطاب حالا يا فندم بس هنضطر نذيعه بعد تلات ساعات من دلوقتي بعد ما نعمل شوية عمليات فنية هاشرحها لحضرتك.. هننزل خبر عاجل دلوقتي يقول المعاد الجديد للناس عشان نقطع ألسنة الشائعات وهنسرّب كلام إن في مفاجأة سياسية كبيرة حضرتك هتعلنها يا افندم.. ما تقلقش خالص سيادتك.. وراك رجالة يا افندم».
بعد ثلاث ساعات كان المسئول عن التصوير في الاستوديو القيادي يجلس في غرفة معيشة بيته إلى جوار زوجته وابنه الوحيد وهو يحتضنهما بحب غامر بدا لهما غريب الأطوار قليلاً، كان الجميع يتفرجون على خطاب الجنرال الذي وقف أمام الملايين مرتديا بدلته الرسمية المرصعة بالنياشين ليعلن في خطابه بلغة عربية سليمة وصوت واثق وقامة منتصبة وملامح مطمئنة عن ضبط شبكة تخريب كبرى شارك فيها عدد من القادة الثوريين الشباب الذين تلقّوا مبالغ مالية ضخمة من جهات أجنبية لإثارة حالة من البلبلة في البلاد مستخدمين في ذلك أحدث التقنيات التي تتوفر في الدول المتقدمة، واعدا بأن تشهد الأيام القادمة إعلاناً كاملاً للتفاصيل، قبل أن يختم خطابه بصرف مكافأة؛ شهر إضافي، لجميع العاملين في أجهزة الدولة تقديراً لهم على حرصهم على العمل والإنتاج في ظل الظروف العصيبة التي تمر بها البلاد.
وفيما كان الجنرال يختم خطابه بأبيات شعرية مؤثرة في حب الوطن اختارها له عميد كلية اللغة العربية بنفسه، كان المسئول عن الاستوديو القيادي قد انهزم أمام رغبته في البوح ليقول لزوجته وابنه: «يخرب عقلك يا أحمد يا قاسم.. أنقذت حياتي يا بن الذين.. إنتو عارفين بقى.. أهوه اللي إنتو شفتوه ده كله فوتوشوب».
.....
(من مجموعتي القصصية الثالثة (الشيخ العيِّل) التي تصدر طبعتها الجديدة قريباً بإذن الله).