الجندرمة بعهدة "الداخلية": رسالة تركية لـ "العمال الكردستاني"؟

27 أكتوبر 2014
الأكراد يتهمون الجندرمة بارتكاب مجازر (فرانس برس)
+ الخط -

يثير إعلان رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو، لناحية إنهاء حكومته مشروع قانون، يهدف لإعادة تشكيل القوات العسكرية التابعة لوزارة الداخلية، الكثير من التساؤلات حول المغزى والأهداف من ورائه.

ويتضمن المشروع تشكيل هيئة برلمانيّة، مكوّنة من جميع الأحزاب المتواجدة في البرلمان، مهمّتها مراقبة جميع القوى المسلّحة (الشرطة والجندرمة وحرس الحدود) التابعة للدولة، ومحاسبتها في حال أساءت استخدام سلطاتها، إذ سيتمّ نقل ارتباط قوات الجندرمة وخفر السواحل من الجيش التركي إلى وزارة الداخليّة، التي ستمتلك كافة الصلاحيات، بما يخصّ الأفراد والتسجيلات، باستثناء تلك المتعلّقة بالجيش.

ويعود تأسيس الجندرمة إلى العهد العثماني في ما يطلق عليه "عصر التنظيمات"، بعد حلّ الجيش "الانكشاري"، وصدور قانون بتشكيل هذه القوات عام 1839، لتتولّى مهمّة حماية الأمن في الأماكن التي لا تصل لها قوات الشرطة، وهي في الغالب الأماكن الريفية، وأيضاً حراسة الحدود والسواحل. وكان لهذه القوّات، في عهد الجمهورية، دور هام في ملاحقة الفارين من الخدمة العسكريّة الإلزاميّة، وأيضاً قتال حزب العمال الكردستاني، علاوة عن مشاركتها في بعض العمليّات العسكريّة كغزو جزيرة قبرص عام 1974.

وتسوّق الحكومة التركية للقرار، على أنّه خطوة أخرى لتعزيز الديمقراطيّة في تركيا، وتعزيز سلطة المدنيين على الدولة، وعلى الرغم من عدم وجود أي اعتراضات قانونية على هذا التغيير، لكنّ المحامي والأستاذ الجامعي في جامعة إسطنبول عرسان شان، يشير إلى "الكثير من الشبهات في التوقيت والغاية".

ويقول شان في حديث لـ "العربي الجديد"، إنّه "لا يوجد شيء خاطئ، من حيث المبدأ، في وضع قوات الجندرمة تحت السيطرة الكاملة لوزارة الداخليّة، لكن على الرغم من عدم وجود عقبة دستوريّة، فإنه لا يمكن القيام بذلك من دون تغيير القانون الحالي"، متسائلاً: "هل علينا أن نضع قانوناً جديداً في كل مرّة ترى الحكومة أمراً لا يتناسب مع مصالحها في السلطة؟".

ويلفت إلى أنّ "جميع أفراد هذه القوة، هم من خرّيجي الكليات العسكريّة، وإذا تمّ وضعهم تحت سلطة مدنيّة، كيف سيتعاونون مع الجيش؟ وكيف ستتعاون الوزارة مع موظفيها الجدد؟ هل ستستمر الميزانية العسكريّة بدفع مرتّبات الجندرمة؟ وإذا لا، لماذا علينا أن نستمرّ في إطلاق اسم الجندرمة عليها، لأنّها ستصبح بموجب الاقتراح الجديد، قوات شرطة؟".

كما تدور الكثير من الشبهات حول علاقة مشروع القانون الحالي بالمفاوضات التي ستبدأ مع حزب "العمال الكردستاني"، في إطار عملية التسوية، وأيضاً علاقته بعمليات الفساد. ويشير العديد من النواب المعارضين إلى أن خطوة الحكومة تأتي في سياق منع الجندرمة من القيام بأي دور في مكافحة الفساد الحكومي وذلك بربطها بوزارة الداخلية، على الرغم من أنّ العمليات التي جرت في العام الماضي، والتي طالت الدائرة المقرّبة من الحكومة التركيّة، تمّت بقيادة ضبّاط شرطة تابعين لوزارة الداخليّة.

ويبدو ربط خطوة الحكومة بعملية التسوية مع "العمال الكردستاني" أكثر واقعيّة، لأن قوات الجندرمة قامت بالجزء الأكبر في إطار القتال مع هذا الحزب منذ الثمانينيات، وخصوصاً أنّ المناطق الشرقية والجنوبية ذات الغالبية الكردية في تلك الفترة، كانت بغالبها ريفية، وبالتالي كان دور الجندرمة الحفاظ على الأمن فيها، ويكره معظم ساكني تلك المناطق قوات الجندرمة، بل ويتهمونها بالقيام بمجازر وانتهاكات لحقوق الإنسان.

لم يفصح داود أوغلو عن أي من التفاصيل المتعلقة بمشروع القانون الجديد، لكن المشروع، ووفق معلومات خاصة بـ "العربي الجديد"، سيحتوي بنوداً تنصّ على تغيير الزيّ الرسمي لقوات الجندرمة التركية، في محاولة لتغيير صورتها في نظر الأكراد، والأتراك عموماً، وخصوصاً أنّ قوات الجندرمة قامت بدور هام في فترات الانقلابات العسكرية من ناحية اعتقال الناشطين المعارضين.

وفي حال صدقت التكهّنات حول ارتباط مشروع هذا القانون بعملية التسوية الجارية، مع "العمال الكردستاني"، فإن تصريحات داود أوغلو ستكون أقرب إلى رسائل يحاول أن يوجّهها للحزب عن جهوزية الحكومة التركيّة الكاملة للقيام بخطوات إضافية في حال استجاب، ولكن هذا يعني أيضاً أن المشروع سيبقى حبيس الأدراج إلى حين بدء هذه المفاوضات ومجيء الوقت المناسب للعب هذه الورقة.

المساهمون