03 نوفمبر 2024
الجميع ضد التوافق إلا "النهضة"
التقيت شخصيات قيادية في حزب الشعب التركي في أثناء مؤتمر عقد أخيرا في إسطنبول، وقد اهتموا بالعرض الذي قدمته عن تجربة الانتقال الديمقراطي في تونس، ومما ذكره مسؤول رفيع المستوى، في هذا الحزب الذي أسسه كمال أتاتورك، إن أهم ما لفت نظره في التجربة التونسية التوافق الذي حصل بين أطراف علمانية وحركة النهضة لإدارة شؤون الحكم. وأضاف مبتسما "لماذا لا ينصح الغنوشي صديقه أردوغان بأهمية الانفتاح على معارضيه؟".
أصبح الأمر، في تونس، مختلفا، حيث تشن حاليا حملة واسعة ضد صيغة التوافق مع الإسلاميين. إذ منذ طويت صفحة الانتخابات الجزئية التي جرت في ألمانيا، وأخفق خلالها حزب نداء تونس في الاحتفاظ بهذا المقعد، على الرغم من تحالفه مع حركة النهضة، تنظم حملة من أجل إبطال ما يصفه بعضهم "زواج المتعة" الذي تم بعد انتخابات 2014 بين الحزبين الكبيرين، "النهضة" و"نداء تونس، الحاكمين في البلاد.
اتهم مسؤولون كبار في "نداء تونس" حركة النهضة بأنها خدعتهم، وأن المرشح القريب من حزب المنصف المرزوقي لم يفز في هذه الانتخابات إلا بفضل أصوات أنصار "النهضة". وبناء على هذا الاستنتاج المشكوك في صحته، دعا هؤلاء إلى مراجعة العلاقة بالحركة، وإنهاء التحالف معها، والدخول في حوار مع بقية الأحزاب ذات التوجه العلماني، من أجل بناء "قطب حداثي ديمقراطي"، يقف ضد قطب محافظ بقيادة "النهضة". كما وجهت الدعوة إلى الأطراف التي انفصلت عن "نداء تونس" لإقناعها بالعودة إلى أحضانه، بعد أن انتفى سبب الخلاف والانقسام.
يبدو أن حركة النهضة أصبحت اليوم الحزب الوحيد المتمسّك بالتوافق والمدافع عنه باستماتة. فهذا زعيمها، راشد الغنوشي، يؤكد عند افتتاح أعمال الندوة السنوية لكوادر حزبه أن "الحركة متمسّكة بالتوافق منهجا لإدارة الخلاف، والتشاركية سبيلا لتقاسم أعباء التغيير، على الرغم من الكلفة الباهظة لهذه الخيارات، على مستوى صورتها وشعبيتها". واتهم الخصوم بقوله أن هذا التوافق "مهدّد بنوازع الإقصاء والاستئصال لدى البعض الذين لم يقبلوا التعدّد، ويواصلون التعامل مع حركة النهضة باعتبارها حالة أمنية، وعلى إلباسها ثوب الإرهاب". بل اعتبرت الحركة، في أعقاب هذا الاجتماع، أنها منفتحة على الجميع، وخصوصا الدستوريين واليسار، لكن صوت الحركة أصبح الآن ضعيفا جدا، ولا يسمعه إلا قليلون من مكونات الطبقة السياسية. وفي ضوء هذا المشهد المحتقن يلاحظ:
أولا: يتنزل هذا الجدل العاصف في ظرف اقتصادي واجتماعي شديد الصعوبة والتعقيد، فالذين يريدون الإجهاز على تجربة التوافق، على الرغم من ثغراتها العديدة، لا يدركون أن الوضع الراهن لا يسمح بمثل هذا الارتجال، ولا يتمتعون بالقدر الكافي من ثقافة الدولة التي تفرض احترام المؤسسات القائمة، وتجنب إرباكها في كل لحظة، والحذر الشديد من تداعيات تصريحاتهم ومواقفهم على المصالح العليا للبلاد.
ثانيا: تحاول القيادة السياسية لحزب نداء تونس التمييز بين الائتلاف الحكومي والتوافق السياسي، ظنا منها أن ذلك قد يخرجها من المأزق الذي وقعت فيه، بعد ردود الفعل غير المدروسة التي لجأت إليها، بسبب هزيمتها الانتخابية، فهي مع المحافظة على التعاون مع "النهضة" لحماية حكومة يوسف الشاهد، لكنها ليست معنيةً بالتنسيق معها في بقية المجالات. وعلى الرغم من غموض هذا التأويل للعلاقة، فالمؤكد أن هناك من يدفع بقوة من داخل هذا الحزب نحو القطع مع الإسلاميين في أول فرصة، وأن ذلك يقتضي البحث عن شركاء لبناء حكومةٍ بديلةٍ، لا تكون حركة النهضة جزءا منها.
ثالثا: بعيدا عن هذه الأجواء الساخنة، أصبح ضروريا أن تفكر قيادة "النهضة" في تغيير رهانها قبل أن تطرد من الحكم. انتقالها إلى المعارضة، ولو بصفة مؤقتة، قد يخفف من حجم خسائرها، وقد يجعلها أقدر على التأثير في السلطة من خارج أجهزة الحكم. على الحركة أن تفكر جيدا في هذا الاحتمال، وأن تجعل خصومها يتحملون وحدهم أمام الشعب أعباء السلطة، على الرغم من انقساماتهم التي لا تنتهي.
أصبح الأمر، في تونس، مختلفا، حيث تشن حاليا حملة واسعة ضد صيغة التوافق مع الإسلاميين. إذ منذ طويت صفحة الانتخابات الجزئية التي جرت في ألمانيا، وأخفق خلالها حزب نداء تونس في الاحتفاظ بهذا المقعد، على الرغم من تحالفه مع حركة النهضة، تنظم حملة من أجل إبطال ما يصفه بعضهم "زواج المتعة" الذي تم بعد انتخابات 2014 بين الحزبين الكبيرين، "النهضة" و"نداء تونس، الحاكمين في البلاد.
اتهم مسؤولون كبار في "نداء تونس" حركة النهضة بأنها خدعتهم، وأن المرشح القريب من حزب المنصف المرزوقي لم يفز في هذه الانتخابات إلا بفضل أصوات أنصار "النهضة". وبناء على هذا الاستنتاج المشكوك في صحته، دعا هؤلاء إلى مراجعة العلاقة بالحركة، وإنهاء التحالف معها، والدخول في حوار مع بقية الأحزاب ذات التوجه العلماني، من أجل بناء "قطب حداثي ديمقراطي"، يقف ضد قطب محافظ بقيادة "النهضة". كما وجهت الدعوة إلى الأطراف التي انفصلت عن "نداء تونس" لإقناعها بالعودة إلى أحضانه، بعد أن انتفى سبب الخلاف والانقسام.
يبدو أن حركة النهضة أصبحت اليوم الحزب الوحيد المتمسّك بالتوافق والمدافع عنه باستماتة. فهذا زعيمها، راشد الغنوشي، يؤكد عند افتتاح أعمال الندوة السنوية لكوادر حزبه أن "الحركة متمسّكة بالتوافق منهجا لإدارة الخلاف، والتشاركية سبيلا لتقاسم أعباء التغيير، على الرغم من الكلفة الباهظة لهذه الخيارات، على مستوى صورتها وشعبيتها". واتهم الخصوم بقوله أن هذا التوافق "مهدّد بنوازع الإقصاء والاستئصال لدى البعض الذين لم يقبلوا التعدّد، ويواصلون التعامل مع حركة النهضة باعتبارها حالة أمنية، وعلى إلباسها ثوب الإرهاب". بل اعتبرت الحركة، في أعقاب هذا الاجتماع، أنها منفتحة على الجميع، وخصوصا الدستوريين واليسار، لكن صوت الحركة أصبح الآن ضعيفا جدا، ولا يسمعه إلا قليلون من مكونات الطبقة السياسية. وفي ضوء هذا المشهد المحتقن يلاحظ:
أولا: يتنزل هذا الجدل العاصف في ظرف اقتصادي واجتماعي شديد الصعوبة والتعقيد، فالذين يريدون الإجهاز على تجربة التوافق، على الرغم من ثغراتها العديدة، لا يدركون أن الوضع الراهن لا يسمح بمثل هذا الارتجال، ولا يتمتعون بالقدر الكافي من ثقافة الدولة التي تفرض احترام المؤسسات القائمة، وتجنب إرباكها في كل لحظة، والحذر الشديد من تداعيات تصريحاتهم ومواقفهم على المصالح العليا للبلاد.
ثانيا: تحاول القيادة السياسية لحزب نداء تونس التمييز بين الائتلاف الحكومي والتوافق السياسي، ظنا منها أن ذلك قد يخرجها من المأزق الذي وقعت فيه، بعد ردود الفعل غير المدروسة التي لجأت إليها، بسبب هزيمتها الانتخابية، فهي مع المحافظة على التعاون مع "النهضة" لحماية حكومة يوسف الشاهد، لكنها ليست معنيةً بالتنسيق معها في بقية المجالات. وعلى الرغم من غموض هذا التأويل للعلاقة، فالمؤكد أن هناك من يدفع بقوة من داخل هذا الحزب نحو القطع مع الإسلاميين في أول فرصة، وأن ذلك يقتضي البحث عن شركاء لبناء حكومةٍ بديلةٍ، لا تكون حركة النهضة جزءا منها.
ثالثا: بعيدا عن هذه الأجواء الساخنة، أصبح ضروريا أن تفكر قيادة "النهضة" في تغيير رهانها قبل أن تطرد من الحكم. انتقالها إلى المعارضة، ولو بصفة مؤقتة، قد يخفف من حجم خسائرها، وقد يجعلها أقدر على التأثير في السلطة من خارج أجهزة الحكم. على الحركة أن تفكر جيدا في هذا الاحتمال، وأن تجعل خصومها يتحملون وحدهم أمام الشعب أعباء السلطة، على الرغم من انقساماتهم التي لا تنتهي.