الجماعة الوطنية ومتلازمة الغباء السياسي

08 أكتوبر 2018
+ الخط -
الغباء السياسي أشد خطرا على الأمم من الاستبداد السياسي، وهو موصل له لا محالة، فإذا اجتمع الاستبداد والغباء السياسي سواء كان يمارسه النظام أو المعارضة السياسية فقل يا رحمن يا رحيم على هذا الوطن. والتاريخ مليء بأمثال هؤلاء ومآلات استمرارهم على رأس السلطة السياسية أو على رأس الجماعة الوطنية كانت كارثية، فأفقروا البلاد بعد غنى وجوعوا الناس بعد شبع وأضعفوا البلاد بعد منعة وقوة..

ما نعيشه ونمر به من أزمات طاحنة إنما هو نتيجة لأمرين أساسيين:
الأمر الأول يعود إلى الاستبداد وطبائعه المدمرة، والأمر الثاني يعود إلى النخب السياسية الموجودة في المجتمع وفشلها في كسب ثقة الجماهير والقدرة على تنظيمهم وتوجيههم وتشكيل حركة اجتماعية من أجل مواجهة الاستبداد والمستبدين..

"المجتمع الذي يفتقر لنخبة قادرة على توجيه الأفراد وتنظيمهم، وقبل ذلك ومن أجل ذلك كسب ثقتهم، يبقى جثة هامدة لا قدرة له على أداء أي عمل مفيد من أي نوع، اقتصاديا أو سياسيا أو فكريا ولا يستطيع أن يوجه أي مقاومة تذكر لأي قوة خارجية أو داخلية تسعى إلى السيطرة عليه وإخضاعه واستعباده" أنتوني غدنز.


عانينا كثيرا بعد الثورة الغباء السياسي، الذي لولاه لكنا تجنبنا سفك الكثير من الدماء ولضمنّا مستقبلا أفضل لوطننا، فلقد ابتلانا الله بكثير من النخب الذين يتسمون بالمراهقة والغباء السياسي على أقل تقدير، فلقد تحالفوا مع من كان يجب عدم التحالف معه وخاصموا من كان يجب التحالف معه فافترق إخوة الميدان وتقاتلوا على المنصب والاستئثار بالسلطة، كل منهم يسعى للسلطة ليقصي عنها الآخر وكل منهم يدعي أنه كان يريد الصالح العام. ولكن الحقيقة أنهم لا همّ لهم سوى تحقيق مآربهم الخاصة الضيقة، إن كانت شخصية أو كانت لصالح الحزب والجماعة التي ينتمون إليها على حساب الوطن والمواطنين، ونسوا أو تناسوا الجمهور الذي شكل حاضنة شعبية كانت العامل الرئيسي لنجاح ثورة 25 يناير، فكان شعار الجميع "من لم يكن معي فهو ضدي"، فقدموا التنازلات وتغيرت الولاءات والجميع يتقرب من العسكر في الخفاء لكي يضمه إلى صفه فيستقوي به على الآخر. فما هي إلا شهور معدودة حتى عادت دولة العسكر مرة أخرى ولكن أشد ضراوة وأكثر إجراما وطغيانا، ونكلوا بالجميع قتلا ومعتقلات ونفيا خارج البلاد وانهيارا اقتصاديا يقتل الناس، وعاد النظام سيرته الأولى.

وبعد الانقلاب وتداعياته، كان من الطبيعي أن يعي الجميع الدرس. ولكن للأسف يستمر مسلسل الغباء السياسي إلى الآن، في تخبط المعارضة الموجودة في الداخل والخارج التي تعاني الاستقطاب، ففي كل مبادرة تنادي بالاصطفاف يُرمى المبادرون بالخيانة ويوصفون بالتآمر والتفريط بدماء الشهداء..

وفي كل ذكرى لنكسات الثورة يخرج علينا كل فصيل معارض يهجو الآخر، بدل أن تكون هذه الذكرى انطلاقة جديدة للمعارضة لتصحيح المسار الثوري..

بعد خمس سنوات من الانقلاب العسكري، ماذا قدمت المعارضة المصرية غير أنها قدمت مصر والمصريين على طبق من فضة للسيسي يفعل بهم ما يحلو له، وما انتصر السيسي عليهم إلا بسبب فرط الغباء الذي تتسم به المعارضة، التي فشلت إلى الآن في تقديم أي مبادرات حقيقية يلتف حولها الجميع، فضلا عن تقاتلها وتشرذمها.

وفي مقولة للمستشار البشري: بعنوان الجماعة الوطنية إلى أين؟
بالإضافة إلى أنها تعاني توحش أعدائها من الداخل والخارج الذين يسعون إلى تشرذمها وتشتتها، فإنها تعاني ضعفا ذاتيا يجعله حجر العسر الأساسي في نهوض هذه الجماعة الوطنية، يدخلها في صراعات بينية تبدد بها قواها الذاتية في صراعات لا طائل منها ولا نفع إلا لصالح أعدائها المتربصين بها. انتهى كلامه.

وهذا هو الحاصل بالفعل.. لا يمكن الحديث عن الانتقال الديمقراطي في أي دولة تعاني الاستبداد السياسي مع استحالة وجود جناح إصلاحي داخل هذا النظام يقود عملية التغيير، إلا بوجود معارضة حقيقية قادرة على تشكيل حركة اجتماعية تشمل جميع الكيانات والتنظيمات والشخصيات العامة الموجودة في المجتمع..

تمتاز هذه الحركة بعدة خصائص: معارضة ناضجة وعلى وعي كبير بالتحديات والمآلات، وتملك رؤية استراتيجية عن كيفية مواجهة النظام. مدى قدرتها على استغلال مواطن ضعف النظام لصالحها. مدى مرونة وسرعة المعارضة في التعامل مع المستجدات وطريقه التعامل معها. مدى قدرة المعارضة على كسب تأييد الشعب وكسب ثقته، وقدرتها على تحريكه ضد النظام في الوقت المناسب، لتدفعه لتقديم تنازلات أو التخلي عن السلطة لصالحها.

وبكل بساطة ودون أي تنظير، لن يصلح هذا الأمر إلا بما صلح به أوله وهو التوافق والاتفاق والاصطفاف، ولا ضير بالخلاف بلا اختلاف والحوار والانفتاح مع الآخر ونشر الوعي وتقديم قيم التسامح واحترام المنافسين والمختلفين في الرأي والتوجه السياسي بلا تخوين أو حتى إقصاء، والله أعلم.
3D69939F-DB94-4018-93F8-77A3B0C38752
مصدق شعله

مدون مصري، حاصل علي دبلومة في العلاقات الدولية، ومهتم بالسياسة وعلومها.