ينظر مزارعو الجزائر إلى السماء بكثير من الترقب، وسط قلق من تكرار أزمة الجفاف في ظل تأخر تساقط الأمطار، بالتزامن مع انطلاق موسم الحرث ونثر البذور الذي تأجل في عدة محافظات.
ولم يشهد ديسمبر/كانون الأول ونوفمبر/تشرين الثاني الماضيان تساقطاً كبيراً للأمطار، التي تراجعت منذ بداية الموسم الزراعي بنسبة 50 في المائة عن العام ما قبل الماضي 2018، ونحو 60 في المائة، مقارنة بالأعوام السابقة.
وتشير التوقعات الأخيرة لمصالح الأرصاد الجوية إلى عدم سقوط أمطار خلال الـ20 يوما المقبلة، لتصل الفترة التي لم تشهد فيها البلاد أمطاراً إلى نحو 12 أسبوعاً.
ويجد المزارعون صعوبة في إخفاء قلقهم من انحباس الأمطار، الذي تبني عليه الجزائر آمالاً كثيرة من أجل تجاوز شبح موسم أبيض، وانتظار محصول وفير يعفي البلاد من الاستيراد الذي تفاقمت فاتورته.
ويقول بلعموري زباري، وهو واحد من بين المئات من المزارعين الذين يسيطر عليهم القلق: "اضطررت إلى تأخير الحرث ونثر البذور إلى منتصف نوفمبر/تشرين الثاني المنصرم وذلك بعد تأخر تساقط الأمطار الموسمية شهري آب/أغسطس وسبتمبر/أيلول، بعدما تعودت على فعل ذلك منتصف سبتمبر/أيلول من كل عام".
وأضاف ثومي من محافظة "الجلفة" (400 كلم جنوب العاصمة الجزائر)، في مقابلة مع "العربي الجديد"، أن "أنظاره أصبحت معلقة بين النشرات الجوية والسماء، وكأن السنة الماضية تتكرر".
ولجأ عدد من المزارعين إلى حيل مختلفة لإنقاذ زراعتهم، منها استخدام ماكينات سحب المياه أو شراء صهاريج المياه كما هو حال المزارع عبد الباقي جهباري الذي كشف لـ "العربي الجديد" أنه "اضطر إلى شراء 3 صهاريج أسبوعيا سعة كل واحد 3 آلاف لتر ما يكلفه قرابة 9 آلاف دينار أسبوعيا (80 دولارا) وذلك بعدما رفضت شعبة الزراعة في محافظة أم البواقي (400 شرق العاصمة الجزائرية) منحه عتاد الري بحجة عدم امتلاكها للعتاد"، وهو ما اعتبره المزارع "غير معقول بل يتحججون بعدم وجود العتاد حتى يحصلوا على رشوة مقابل منح عتاد الري وهو المشهد الذي يتكرر كل سنة".
وإلى ذلك، قدر الأمين العام للاتحاد العام للمزارعين الجزائريين، محمد عليوي، "نسبة المساحات المتضررة من الجفاف وانتشار التشققات بنحو 50 في المائة من المساحات المزروعة، فيما تنخفض النسبة إلى نحو 30 في المائة بالمحافظات التي تقع فيها سدود كبيرة".
وأضاف عليوي في تصريح لـ "العربي الجديد"، أن "نسبة الأضرار مرشحة للوصول إلى أرقام كارثية إذا لم تشهد البلاد أمطاراً خلال الأيام القادمة"، وأكد نفس المتحدث أن "موجة الجفاف التي شهدتها البلاد في السنوات الأخيرة، قلصت من مساهمة القطاع الزراعي في الناتج الداخلي الخام".
ورمى الأمين العام لأكبر تكتل للمزارعين في الجزائر، بسهامه على الحكومة التي تقف تتفرج على المزارعين وهم "يموتون ببطء" في وقت تنفق قرابة ملياري دولار لاستيراد الحبوب من قمح وشعير وذرة، حسب محمد عليوي.
وكان ديوان الأرصاد الجوية الجزائري قد كشف عن تراجع كمية الأمطار المتساقطة خلال فصل الشتاء بين 50 و60 في المائة، مقارنة بشتاء 2019، مع استقرار درجات الحرارة بين 0 و18 درجة مئوية، ما يؤثر سلبا على المحاصيل الزراعية خاصة المنتظر جنيها في الأسابيع القادمة على غرار الفواكه.
في شمال الجزائر، وفي منطقة السهول، يترقب مزارعو الحمضيات، سقوط الأمطار على أحر من الجمر، وزوال شبح الجفاف، الذي يهددهم بخسارة محصولهم وينذر بأزمة وفرة هذا الصنف في موسمه.
حالة الخوف والترقب تنتاب المزارع زياد عمارني، الذي قال لـ "العربي الجديد" إن محصول هذه السنة سيكون كارثياً بسبب شح الأمطار التي لم تتساقط، منذ نهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول".
وحسب المزارع نفسه، فإن الشجرة التي كانت تنتج قنطارين (200 كيلوغرام) في المواسم الماضية ستنتج هذه السنة 50 كيلوغراماً على أقصى تقدير".
وأمام هذه الوضعية، اضطر مزارعو الحمضيات في منطقة "متيجة" (90 كلم جنوب العاصمة) المشهورة بزراعة الحمضيات، إلى الاستعانة بالمياه الجوفية ومياه الآبار لتعويض نقص مياه الأمطار، ما زاد في حجم المصاريف التي تعدت توقعات بعض المزارعين حتى قبل بداية موسم جني المحاصيل، في وقت لم تتحرك الحكومة ووزارة الزراعة، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.