الجزائر 2017: عام تقشف واحتجاجات

28 ديسمبر 2017
احتجاجات عدة شهدها العام (فاروق باطيش/ فرانس برس)
+ الخط -
تختتم الجزائر عام 2017 بجملة من الأزمات التي تنقلها إلى العام الجديد. تتنوع المشاكل ما بين الشؤون البيئية والتعليمية والمعيشية وتتمحور حول التقشف

عام 2017 لم يكن عام الحسم في القضايا الاجتماعية في الجزائر، بل عام استكمال سياسات التقشف التي تبنتها الحكومة بسبب الظروف المالية الصعبة التي تمر فيها البلاد وتداعيات أزمة اقتصادية ناتجة عن تراجع أسعار النفط، ما أفرز جملة من المشاكل كهجرة الشباب وتفاقم الاحتجاجات على رفع أسعار المواد التموينية الأساسية وندرة بعضها، بالإضافة إلى مشاكل أخرى ذات علاقة بتطورات إقليمية كان لها تأثيرها على الصعيد الاجتماعي كتدفق المهاجرين الأفارقة على الجزائر.

إذا كان هناك من توصيف يصح على عام 2017 في السياق الاجتماعي، فهو عام الحليب والحرائق والهجرة والبكالوريا. بدأت متاعب العام مبكراً، بعد دخول قانون الموزانة الجديد حيز التطبيق ما أدى إلى زيادة في أسعار الوقود والمواد الاستهلاكية، وهي زيادة تزامنت مع موجة برد قاسية واجهها الجزائريون في المدن الساحلية والداخلية على حد سواء، خصوصاً مع ضعف البنية التحتية في المناطق الداخلية، إذ أدى ذلك إلى انقطاع التموين عن بعض القرى والمناطق الجبلية، وأدى إلى أزمة غير مسبوقة في ندرة قوارير الغاز.

عام الندرة هو أيضاً، فقد عادت الطوابير أمام المتاجر وشهد بعض المواد التموينية انقطاعاً. وهي مظاهر استدعت إلى الأذهان أزمة عام 1986، فقد انقطع الحليب من المتاجر بسبب نقص الإنتاج ومشاكل استيراد بودرة الحليب من دول أوروبية. وانتقلت الأزمة من الحليب إلى الخبز، بعد قرار الخبازين زيادة السعر 50 في المائة، تزامناً مع زيادة أسعار الوقود والمواد الأولية، بالرغم من رفض السلطات لهذه القرارات.

عام 2017 أيضاً شهد تسريب أسئلة امتحانات البكالوريا (الثانوية العامة) عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والتبعات الكبيرة التي أثارتها على الصعيد الاجتماعي. وهو ما أثار مشاكل حادة في قطاع التربية وقلقاً لدى التلاميذ وعائلاتهم، واستدعى من الحكومة تنظيم دورة ثانية للبكالوريا، شملت الراسبين والمبعدين.

كذلك، سجل العام الجاري أكبر عدد من الحرائق في عدة مناطق بشكل بدا كما لو كانت مفتعلة. وأثبتت التحقيقات أنّ عدداً منها كان مفتعلاً بحق. أحصت السلطات 33 حريقاً أتت على آلاف الهكتارات من الغابات، وزادت من حرارة أجواء ولايات الوسط والشمال.
أكثر ما استرعى الانتباه مشكلة الهجرة، إذ تدفق عدد كبير من الأفارقة ممن بلغ تعدادهم بحسب أرقام غير رسمية 600 ألف مهاجر وذلك عبر الصحراء من شمال مالي والنيجر إلى المدن الحدودية كتمنراست وعين قزام. ثم انتشر هؤلاء في معظم المدن الجزائرية. تطور النقاش حول هذا الملف إلى أبعاد اجتماعية. فقد ظهرت حالة من القلق من المخيمات العشوائية التي نصبها المهاجرون تحت الجسور وفي الشوارع والحدائق في العاصمة ومختلف المدن، ما أدى في بعض الحالات إلى اشتباكات ومواجهات بين المهاجرين والسكان في مناطق درارية ودالي إبراهيم في ضواحي العاصمة، وفي مدن بشار وورقلة جنوب البلاد. وفي جانب أمني، برز تخوف من استغلال الجماعات الإرهابية وشبكات الجريمة لهؤلاء المهاجرين.



كان هناك أيضاً خط هجرة مختلف، إذ غامر الشباب الجزائريون في ركوب قوارب الموت في البحر الأبيض المتوسط في اتجاه الحلم الأوروبي. تشير أرقام غير رسمية إلى أنّ نحو 3 آلاف شاب جرى ضبطهم في عرض البحر عبر قوات حرس السواحل الجزائرية، فيما نجح عدد آخر من المهاجرين في الوصول إلى السواحل الإيطالية والإسبانية، وهو ما كشفت عنه عدة تسجيلات فيديو بثها هؤلاء المهاجرون لتوثيق لحظة وصولهم. وقبل نهاية 2017، برزت صور أخرى من الهجرة، تشمل الطلاب الجزائريين بحثاً عن فرص للدراسة في فرنسا. وهو ما ظهر واضحاً من خلال الطوابير الطويلة للطلاب أمام المركز الثقافي الفرنسي في العاصمة الجزائرية، ما شكل صدمة إضافية للمواطنين.

أيضاً سجل عام 2017 أكبر حصيلة من الاحتجاجات بسبب تردي الأوضاع الاجتماعية في البلاد، خصوصاً بالنسبة لقطاعات التعليم والصحة، إذ نظمت النقابات سلسلة إضرابات وحركات احتجاجية متتالية، للمطالبة بزيادة الرواتب والمنح، فيما شهدت مدن وولايات الجنوب خصوصاً حراكاً احتجاجياً لشباب عاطلين من العمل، للمطالبة بالعمل في الشركات النفطية المنتشرة في حقول الصحراء.

بلعبة "الحوت الأزرق" أنهى الجزائريون عام 2017، وهي اللعبة التي أودت بحياة عدد من الأطفال. سعت الحكومة إلى الحدّ من تأثيرات اللعبة وانتشارها، لكنّها اعترفت بإخفاقها في ذلك على الصعيد التقني. قبل "الحوت الأزرق" انشغل الجزائريون بحالات عديدة لخطف أطفال من تنفيذ شبكات الجريمة، فيما نجحت أجهزة الأمن في فك لغز بعض الحالات فإنّ عدداً من الأطفال، وكان آخرهم الطفل ياسين ببلدة الدواودة بولاية تيبازة قرب العاصمة الجزائرية، ما زالوا مفقودين.

عام 2018 هو العام الثالث في تطبيق سياسة التقشف. يتوقع مراقبون أنّ القدرة الشرائية للجزائريين ستتأثر أكثر خصوصاً مع الارتفاع المستمر في أسعار المواد التموينية.