13 نوفمبر 2024
الجزائر وانتخابات ما بعد الأحكام القضائية
انتهت في الجزائر محاكمة رموز من النّظام متورّطين في تهم التّآمر ضدّ سلطة الدّولة، ونال كلّ منهم حصّته من العقاب المناسب لتهمته. وفصل غير مسبوق في تاريخ الجزائر أن يُحاسب، يُتّهم ويُسجن من كان، بالأمس القريب، ماسكا بزمام السّلطة ومتصرّفا، على الإطلاق، في شؤون البلاد. ويُترجم هذا الفصل تجسيدا لواحدٍ من مطالب الحراك، ولم يكن ليتحقّق لولا أنّ الشّعب تشجّع وخرج إلى الشارع ليمنع عهدة خامسة للرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، ويستمرّ، في ذلك، مانعا تمديد الولاية الرّابعة، في انتخاباتٍ قررت السلطة انتظامها في 4 يوليو/ تموز الماضي، وضاغطا في اتّجاه أن تجري الانتخابات القادمة نظيفة، نزيهة وشفّافة، باعتبارها ضرورة حتمية لمستقبل البلاد.
ولكن المهمّ، الآن، الاستثمار في هذا الفصل، لتحويله إلى نقطة عبور نحو التّفاهم الغائب بين الحراك والسّلطة بشأن الانتخابات ومستقبل النّظام السياسي الجزائري، لأنّ الرّهان الحيوي، حاليا، هو إجراء تلك الانتخابات بالشّروط التي تضمن نزاهتها، من جهة، واستراتيجية التّجسيد الفعلي لتعهّد تغيير النّظام، من جهة أخرى. ويشكّل الهدفان محور ما سيجري في الجزائر في الأشهر المقبلة. والمطلوب أن ينخرط الجميع في هذا العمل الدّؤوب، كلّ في مساره الذي يراه لائقا برؤيته لحلّ الانسداد القائم، من دون تخوين لأيّ من الطّرفين من بعضهما بعضا، ومن دون تهوين لأهمّية هذه الرّؤية أو تلك، ذلك أن القادم بالنسبة للجزائر، على أقلّ تقدير، هو اللّجوء، مرّة أخرى، إلى الاستدانة الخارجية، مع ما يمثّله ذلك، في الذّاكرة الجزائرية، من تدهور هيكلي للاقتصاد، على الرّغم من كلّ الأموال التي توفّرت، بفعل الطّفرة النفطية، والتّي
نهبتها العصابة، أو ضاعت على خلفية التسيير السيئ للسياسة العامة الاقتصادية.
يشير هذا الرّبط بين السّياسة والاقتصاد، هنا، إلى أهمّية التوافق، لأنّ الرئاسيات، إذا تمّت إدارتها بمقاربة جيّدة، ستؤدّي إلى خروج رئيس شرعي سيتكفّل بتسيير شأن حيوي، لا يتضمّن ملء الفراغ في قصر المرادية (مقرّ الرّئاسة الجزائرية في العاصمة) وحسب، بل سيكون عليه، حتما وعاجلا، العمل لإخراج الجزائر من هذا المأزق، بمشروع متكامل يتضمّن رؤى سياسية، اقتصادية، اجتماعية وأمنية/ عسكرية، تحتاج إلى إجماعٍ لصلتها بما أسماها الوزير الأول السّابق، أحمد بن بيتور، التضحيات الجسام التي يستوجب أن يشارك فيها الجميع لإنجاح ذلك المشروع الوجودي للجزائر (في معرض شرحه أعراض الأزمة الاقتصادية القادمة في حدود 2021، من حيث تأثيراتها وتداعياتها).
بالعودة إلى تلك التّداعيات الاقتصادية على فئات واسعة من المجتمع الجزائري، سيحتاج الرّئيس القادم إلى ذلك التّوافق لإقناع المتضرّرين من سلبيّات الوضع الاقتصادي المتردّي الذي قد يكون أول إجراءاته رفع الدّعم عن المواد الأساسية وتقليص التّحويلات الاجتماعية المرادفة لمشاريع الإسكان والصّحة والتعليم، الموجّهة، أساسا، إلى تلك الفئات الموصوفة بالهشّة، ذات الدخل الضعيف، وهي عملية لا يمكن أن تتمّ إلاّ في ظلّ توافق مجتمعي واسع وكامل.
كيف يمكن تحقيق ذلك، إذا لم يتفطّن النظام إلى وجوب إجراء الانتخابات الرئاسية في جوّ توافقي يتضمن تحقيق الحد الأدنى من الالتقاء في الرؤى، بما يضمن قبول الجزائريين، كلهم، بالإجراءات التي سيتمّ اتّخاذها، من ناحية، والمشاريع الإصلاحية المصاحبة، لذلك، على الأصعدة كافة، من ناحية أخرى؟ هذا هو السّؤال الذي على الجميع التفكير في إيجاد جواب له، سواء كان من المشاركين في الانتخابات أو من رافضيها، بالشّكل الذي هندسته السّلطة.
بالنتيجة، يجب أن تتوفّر أجواء التّوافق الحتمي في الأشهر المقبلة لضمان عبور المرحلة الصّعبة (2021 - 2025)، خصوصا على المستوى الاقتصادي. ولذلك تمّت الإشارة إلى
المشاريع المصاحبة لتلك الإجراءات، سواء ما تعلّق منها بالإصلاحات السياسية الداخلية (تعديل الدستور، وضع تصوّر مستقبلي لميكانيزمات عمل النّظام السياسي، الخروج من الرّيع النفطي)، الجوارية (إعادة بعث مؤسسة اتحاد المغرب العربي) أو الإقليمية (تصور مشروع للقيادة الإقليمية) (أو الدور المحوري) في إطار مغاربي نحو بعدين حيويين، غرب المتوسط والمنطقة الساحلية- الصحراوية.
يظنّ بعضهم أنّ رفض المشاركة في الانتخابات الرّئاسية القادمة هو مجرّد موقف سياسي يمكن التّعبير عنه في حراك الجمعة، أو على منصّات التواصل الاجتماعي. ولكن، في واقع الأمر، يحتاج هذا الموقف، وكذلك الموقف الدّاعي إلى المشاركة، وسائل إعلامية وتحليلات تلقي الضّوء، حقيقة لا مجازا، وبواقعية، على حيوية التّوافق بين الفصيلين في إطار "تسوية تاريخية" (مقال سابق للكاتب في "العربي الجديد") تضمن إقناع الجزائريين بأنّ القادم أفضل، وإن بتضحيات، ولكن في إطار توافقي، ذلك أنّ الوضع يحتاج إلى اقتناع الجميع وترفّعهم عن الخلافات التي لا تخدم حيوية المرحلة. ولهذا رافعنا، دائما، ونرافع، الآن، لفتح المجال الإعلامي، واتّخاذ إجراءات التّهدئة اللائقة بحيوية المرحلة وحجم تلك التّحديات التي على الجميع العمل، سويّا، لرفعها، ودونها النّفق الذي لا نريد حتّى مجرّد التّفكير بما في داخله، أو كيف سيكون حال الجزائريين إذا خرجوا منه، بعد حين، وفي ذاكرتهم عشرية سوداء، لا أحد يريدها أن تتكرّر، أبدا.
الانتخابات ليست الديمقراطية بعينها، بل إجراء، إذا تمّ في ظروف موضوعية تضمن النزاهة والشفافية، يمكن أن يكون ضمن سلسلة إجراءات، منها ضمان حرية التعبير بمعناها الواسع، والتّي من امتداداتها الطبيعية فسح المجال للأفكار أن تتجادل، تتقابل وتتناقش، مهما كانت درجة الاختلاف بينها، عبر المُتاح من قنوات التّعبير، وهي كثيرة، وسيؤدّي تفعيل الإجراء إلى أجواء
التّوافق المطلوبة لرفع تحديات المرحلة المقبلة، بل هو أدعى، بالنسبة للسلطة، أن توجّه كل جهودها في سبيل توفير أجواء الانتخابات النزيهة والشفافة، باعتبار أن ذلك مفتاح لتغيير النظام وفتح المجال أمام ترسيخ الممارسة الديمقراطية في البلاد. وعلى أقل تقدير، لن تكفل تداعيات تعنّت السّلطة في قرارها تنظيم تلك الانتخابات، من دون توفير الضّمانات بنزاهتها، إيجاد عامل الثقة المفقودة بين السّلطة والشّعب، ولن تتمكّن من النّجاح في العملية الإقناعية بشأن تسيير الأزمة الاقتصادية القادمة بسلبياتها، خصوصا على المستوى الاجتماعي والشّعبي. ومن تداعيات الذّهاب إلى تلك الانتخابات، مهما كانت الظّروف، سعي محفوف بمخاطر كثيرة، ويحتاج، بالضّرورة القصوى، بذلك، إلى سعي توافقي، يوفّر لذلك الاقتراع شروط النجاح ومنح الرّئيس القادم الشرعية الكفيلة بتحمّل مسؤولية رفع التّحديات القادمة، كما أن من تداعيات ذلك إهدار الفرصة التّاريخية التي وفّرها الحراك لإحداث القطيعة النّهائية مع الفشـل، والسّعي الحثيث نحو مشروع القوّة الذي سيستفيد منها، حتما، كلّ الجزائريين، سلطة وشعبا.
حتّى وإن قلنا إنّ المسلّمة الوحيدة المتوفّرة، الآن، هي انتخابات ديسمبر/ كانون الأول الرئاسية، فالمفصلي في القضية هو الثّقة والتوافق اللذين من شأنهما، إذا حضرا كلاهما، ولم يتمّ تغييبهما، توفير أجواء النّزاهة والشّفافية للاقتراع القادم والمشاركة الواسعة للشعب فيه. ومع تلك المسلمة جملة من المجهولات (بلغة الرياضيات)، وهي التي ستؤثّر، حتما، على المسار نفسه، بأن تجعل منه موعدا بدون أهمية، وتمنع الرّئيس القادم من اكتساب الشّرعية التامّة، بل ستعزله عن القاعدة، كما عُزل الرئيس السّابق، وانتهت به إلى مآله الذّي عرفناه.
لعلّ في هذا الحديث تأشيرا إلى الرّابط بين التّوافق السياسي وتحدّيات المنعرج القادم لجزائر المستقبل، على المستويين، الاقتصادي والاستراتيجي. والتأكيد، هنا، على أنّ من شأن غياب التوافق أو تغييبه رهن المستقبل، بكلّ صوره ومشاهده، وهو ما لا نريده، ونسعى إلى مناقضته بمنحى "التسوية التاريخية" التي يجب الذهاب إليها، بصفة حثيثة وحتمية، وقبل فوات الأوان. النداء هنا للوعي والعقول.. فهل نُسمع إن نادينا حيا؟ نتمنّى ذلك.
يشير هذا الرّبط بين السّياسة والاقتصاد، هنا، إلى أهمّية التوافق، لأنّ الرئاسيات، إذا تمّت إدارتها بمقاربة جيّدة، ستؤدّي إلى خروج رئيس شرعي سيتكفّل بتسيير شأن حيوي، لا يتضمّن ملء الفراغ في قصر المرادية (مقرّ الرّئاسة الجزائرية في العاصمة) وحسب، بل سيكون عليه، حتما وعاجلا، العمل لإخراج الجزائر من هذا المأزق، بمشروع متكامل يتضمّن رؤى سياسية، اقتصادية، اجتماعية وأمنية/ عسكرية، تحتاج إلى إجماعٍ لصلتها بما أسماها الوزير الأول السّابق، أحمد بن بيتور، التضحيات الجسام التي يستوجب أن يشارك فيها الجميع لإنجاح ذلك المشروع الوجودي للجزائر (في معرض شرحه أعراض الأزمة الاقتصادية القادمة في حدود 2021، من حيث تأثيراتها وتداعياتها).
بالعودة إلى تلك التّداعيات الاقتصادية على فئات واسعة من المجتمع الجزائري، سيحتاج الرّئيس القادم إلى ذلك التّوافق لإقناع المتضرّرين من سلبيّات الوضع الاقتصادي المتردّي الذي قد يكون أول إجراءاته رفع الدّعم عن المواد الأساسية وتقليص التّحويلات الاجتماعية المرادفة لمشاريع الإسكان والصّحة والتعليم، الموجّهة، أساسا، إلى تلك الفئات الموصوفة بالهشّة، ذات الدخل الضعيف، وهي عملية لا يمكن أن تتمّ إلاّ في ظلّ توافق مجتمعي واسع وكامل.
كيف يمكن تحقيق ذلك، إذا لم يتفطّن النظام إلى وجوب إجراء الانتخابات الرئاسية في جوّ توافقي يتضمن تحقيق الحد الأدنى من الالتقاء في الرؤى، بما يضمن قبول الجزائريين، كلهم، بالإجراءات التي سيتمّ اتّخاذها، من ناحية، والمشاريع الإصلاحية المصاحبة، لذلك، على الأصعدة كافة، من ناحية أخرى؟ هذا هو السّؤال الذي على الجميع التفكير في إيجاد جواب له، سواء كان من المشاركين في الانتخابات أو من رافضيها، بالشّكل الذي هندسته السّلطة.
بالنتيجة، يجب أن تتوفّر أجواء التّوافق الحتمي في الأشهر المقبلة لضمان عبور المرحلة الصّعبة (2021 - 2025)، خصوصا على المستوى الاقتصادي. ولذلك تمّت الإشارة إلى
يظنّ بعضهم أنّ رفض المشاركة في الانتخابات الرّئاسية القادمة هو مجرّد موقف سياسي يمكن التّعبير عنه في حراك الجمعة، أو على منصّات التواصل الاجتماعي. ولكن، في واقع الأمر، يحتاج هذا الموقف، وكذلك الموقف الدّاعي إلى المشاركة، وسائل إعلامية وتحليلات تلقي الضّوء، حقيقة لا مجازا، وبواقعية، على حيوية التّوافق بين الفصيلين في إطار "تسوية تاريخية" (مقال سابق للكاتب في "العربي الجديد") تضمن إقناع الجزائريين بأنّ القادم أفضل، وإن بتضحيات، ولكن في إطار توافقي، ذلك أنّ الوضع يحتاج إلى اقتناع الجميع وترفّعهم عن الخلافات التي لا تخدم حيوية المرحلة. ولهذا رافعنا، دائما، ونرافع، الآن، لفتح المجال الإعلامي، واتّخاذ إجراءات التّهدئة اللائقة بحيوية المرحلة وحجم تلك التّحديات التي على الجميع العمل، سويّا، لرفعها، ودونها النّفق الذي لا نريد حتّى مجرّد التّفكير بما في داخله، أو كيف سيكون حال الجزائريين إذا خرجوا منه، بعد حين، وفي ذاكرتهم عشرية سوداء، لا أحد يريدها أن تتكرّر، أبدا.
الانتخابات ليست الديمقراطية بعينها، بل إجراء، إذا تمّ في ظروف موضوعية تضمن النزاهة والشفافية، يمكن أن يكون ضمن سلسلة إجراءات، منها ضمان حرية التعبير بمعناها الواسع، والتّي من امتداداتها الطبيعية فسح المجال للأفكار أن تتجادل، تتقابل وتتناقش، مهما كانت درجة الاختلاف بينها، عبر المُتاح من قنوات التّعبير، وهي كثيرة، وسيؤدّي تفعيل الإجراء إلى أجواء
حتّى وإن قلنا إنّ المسلّمة الوحيدة المتوفّرة، الآن، هي انتخابات ديسمبر/ كانون الأول الرئاسية، فالمفصلي في القضية هو الثّقة والتوافق اللذين من شأنهما، إذا حضرا كلاهما، ولم يتمّ تغييبهما، توفير أجواء النّزاهة والشّفافية للاقتراع القادم والمشاركة الواسعة للشعب فيه. ومع تلك المسلمة جملة من المجهولات (بلغة الرياضيات)، وهي التي ستؤثّر، حتما، على المسار نفسه، بأن تجعل منه موعدا بدون أهمية، وتمنع الرّئيس القادم من اكتساب الشّرعية التامّة، بل ستعزله عن القاعدة، كما عُزل الرئيس السّابق، وانتهت به إلى مآله الذّي عرفناه.
لعلّ في هذا الحديث تأشيرا إلى الرّابط بين التّوافق السياسي وتحدّيات المنعرج القادم لجزائر المستقبل، على المستويين، الاقتصادي والاستراتيجي. والتأكيد، هنا، على أنّ من شأن غياب التوافق أو تغييبه رهن المستقبل، بكلّ صوره ومشاهده، وهو ما لا نريده، ونسعى إلى مناقضته بمنحى "التسوية التاريخية" التي يجب الذهاب إليها، بصفة حثيثة وحتمية، وقبل فوات الأوان. النداء هنا للوعي والعقول.. فهل نُسمع إن نادينا حيا؟ نتمنّى ذلك.