في خطوة سياسية لافتة ومثيرة للنقاش، استقبل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، الأحد، قادة أبرز الأحزاب السياسية والمنظمات والنقابات المنضوية في تكتل "مبادرة القوى الوطنية للإصلاح"، التي أعلن عنها الثلاثاء الماضي، للدعوة الى تجسيد إصلاحات عميقة تعكس الإرادة الشعبية في التغيير، وتحقيق مطالب الحراك الشعبي، ووضع الخطوط الرئيسة لمسودة الدستور الجديد المقرر عرضه على الاستفتاء الشعبي قبل نهاية السنة الجارية.
وحضر اللقاء المرشحان الرئاسيان السابقان، رئيس حركة البناء الوطني عبد القادر بن قرينة، ورئيس جبهة المستقبل عبد العزيز بلعيد، إضافة إلى رئيس حزب الفجر الجديد الطاهر بن بعيبش، وعضو القيادة التاريخية لـ"الجبهة الإسلامية للإنقاذ" (محظورة ) علي جدي، ورئيس نقابة القضاة يسعد مبروك، ورئيس كونفدرالية رجال الأعمال سعيدة نغزة، ورئيس جمعية حماية المستهلك مصطفى زبدي، ونائب رئيس الهيئة الوطنية المستقلة للانتخابات عبد الحفيظ ميلاط، بصفته رئيس مجلس نقابة أساتذة الجامعة، والمحامي عمار خبابة، بعد أيام من إشادة الرئيس تبون، الأربعاء الماضي، خلال اجتماعه بحكام الولايات، بالمبادرة.
وسلّمت إلى الرئيس تبون أرضية المبادرة، التي تضم لائحة مقترحات مشتركة لوثيقة تعديل مشروع الدستور، تتضمن المحددات والعناوين التي توافقت عليها هذه القوى، إضافة إلى مقترح خطة إصلاحات اجتماعية واقتصادية تسمح بتجاوز الوضع الراهن، ومعالجة آثار التركة الثقيلة التي خلفها الفساد المعمم، بالإضافة إلى الآثار المزدوجة لأزمة الطاقة.
وقال رئيس نقابة القضاة في الجزائر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنه لاحظ خلال اللقاء وجود رغبة لدى الرئيس لإحداث تغيير، لكنه أقر بوجود صعوبات وعوائق متعددة. وقال: "بصراحة ما لاحظته أن النية موجودة للتغيير، ولكنه يشتكي من العراقيل الكثيرة حسب ما صرح به. هو منفتح على أية مبادرة من أي جهة تسهم في تكريس توافق بين الجزائريين، لكن يمكن القول إن عراقيل التغيير كثيرة، والإدارة بكل أقسامها هي المعرقل الأساسي للتغيير، بداية من الدوائر المركزية، ووصولا إلى أعوان التنفيذ". ويأمل رئيس نقابة القضاة أن تنضم قوى أخرى أكثر شعبية وتأثيرا إلى التكتل، قائلًا: "التركيبة الحالية للتكتل ليست كافية طبعا، ولكن توسيع قاعدة المبادرة إلى فواعل أخرى أكثر تمثيلا ومصداقية قد يؤسس لمنطلق جدي نحو الحل".
وفتحت هذه الخطوة الباب أمام جملة من التساؤلات حول ما إذا كانت السلطة قد حسمت اختيار شركائها من القوى السياسية والمدنية، التي ستساعدها في تأمين مرحلة تعديل الدستور في مواجهة قوى الرفض ومكونات الحراك الشعبي المصرة على مطلب التغيير وليس الإصلاح، وكذا مرافقتها في مرحلة تنفيذ خطط الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي التي يعتزم تبون تنفيذها خلال العهدة الرئاسية الأولى لحكمه.
السلطة حصلت على تحالف مع شركاء من قوى سياسية ومدنية مختلفة التوجهات والفعاليات، وضمت إليهم قياديا في الجبهة الانقاذ المحظورة
وتطرح، في سياق التفاعل الذي أبدته السلطة مع تكتل قوى الإصلاح، مقاربة تشير إلى أن السلطة حصلت على تحالف مع شركاء من قوى سياسية ومدنية مختلفة التوجهات والفعاليات، وضمت إليهم قياديا في جبهة الإنقاذ المحظورة، لاستقطاب بقايا الجبهة وكتلتها الشعبية التي عادت للبروز في مظاهرات الحراك السابقة، ضد قيادات أخرى في الجبهة، في الداخل والخارج، ما زالت تتبنى مواقف راديكالية من النظام والتغيير. لكن أبرز سؤال طرح في السياق هو ما إذا كانت هذه القوى قادرة فعلا على تأمين السند الشعبي والسياسي الكافي الذي تحتاجه السلطة، في ظل تجمد مواقف كتل معارضة أكثر قوة وتأثيرا، والرافضة لخطط إصلاح النظام من دون تغيير جذري في قواعد الحكم، وإقرار انتقال ديمقراطي حقيقي في البلاد، ووفقا للمطالبات المركزية للحراك الشعبي.
عطفا على ذلك، يعتقد المحلل السياسي محمد أيوانوغان أن السلطة حصلت على تحالف ضعيف، أو "هي اختارت ذلك لتلافي أية إملاءات". ويمضي، في حديثه لـ" "العربي الجديد"، إلى التشكيك بقدرة بن بعيبش وبن قرينة وغيرهم من قوى تكتل الإصلاح على توفير السند السياسي لتبون.
واعتبر هذا التحالف "أضعف تحالف سياسي منذ الاستقلال، مقارنة مثلا بالتحالف الذي حصل عليه الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، عام 1999؛ لأن الوجوه المشكّلة له وجوه لا تحظى بأدنى مصداقية داخل تياراتها، فما بالك بتشكيل قطب سياسي جامع قادر على تسيير شؤون البلاد لفترة، فلا بن بعيبش يمثل شيئا عند التيار الوطني، ولا بلعيد الذي يمثل الجناح الفاسد في قدماء الشبيبة الجزائرية، ولا بن قرينة له مصداقية شعبية، وحتى الوجوه المستقلة الموجودة في التكتل، مثل سعيدة نغزة (رئيسة تمثل كونفدرالية رجال أعمال)، لن تقدم شيئا لتبون. الخطأ الكبير هو وجود ناشط معروف بتحريضه المستمر والعلني على الفتنة العرقية ضد الأمازيغ، وهذا كافٍ للقضاء على المبادرة في المهد"، وأضاف "رأيي أن الرئيس تبون مرتبك، في البداية قال إنه سيعتمد على المجتمع المدني، والآن يتبنى مبادرة يقودها جناح إقصائي لشريحة واسعة من الجزائريين".
لكن ثمة سؤالا يطرح في نفس السياق عن سبب وخلفيات تفاعل السلطة السياسية مع مبادرة قوى الإصلاح دون غيرها من مبادرات سياسية سابقة، كانت تضم أيضا فواعل أخرى، أحزابا وشخصيات أكثر حضورا وتأثيرا في الشارع والمشهد، وأكثر التزاما بالمسألة الديمقراطية، على غرار مبادرة تكتل الانتقال الديمقراطي في يوليو/تموز 2019، وتكتل البديل الديمقراطي في مارس/آذار 2020، ومبادرات تكتلات شبابية ومكونات من الحراك الشعبي، رفضت السلطة الجديدة السماح لها حتى بعقد مؤتمر سياسي والترخيص لها بقاعة في فندق.
وفي السياق، يعتقد الناشط السياسي وعضو الهيئة التأسيسية لحزب التيار الوطني الجديد، زكريا بلخير، أنه "منذ انطلاقة الحراك الشعبي المبارك ونحن نشاهد كيف يتم التلاعب والمناورة من طرف السلطة مع جميع المبادرات على كثرتها، وكلها كانت أمام سناريوهين لا ثالث لهما: مبادرات جادة يتم تجاهلها أو الالتفاف عليها بأكثر من طريقة، أو مبادرات مفبركة بتنسيق مسبق يتم التساير معها بطريقة تمثيلية".
وأشار بلخير إلى أن "المبادرة الأخيرة المسماة القوى الوطنية للإصلاح، بعيدا عن خلفياتها وحيثياتها ومخرجاتها وعن الفواعل المساهمة فيها، هي متجهة لحد الساعة نحو السيناريو الثاني، إلى أن يظهر العكس، وهذا يتعلق بمدى جدية وصرامة الفاعلين، ومدى جاهزية السلطة في التغيير الحقيقي، بصفتها أمام أول مبادرة بهذا الحجم بعد انتخابات 12/12".
ويضيف: "من الواضح أن الرئاسة تعتمد سياسة مغايرة عما كانت عليه في سابق عهدها، بتوجهها الواضح نحو تجنيد أساطيل من المجتمع المدني، ومحاولة إغراق الأحزاب واستبدالها في الساحة، بعدما تم استنزاف أرصدتها لدى الشارع، لكن هذا لا يمنع من المحافظة على الحد الأدنى من التحالفات الحزبية، خاصة مع تلك التي تبدو غريمة للأحزاب المرفوضة شعبيا، والتي أبدت بدورها استعدادها لأن تكون بديلا عن الحليف التقليدي".