الجزائر: قائد الجيش يتشبث برؤيته والحراك يحشد للانتقال السياسي

28 يونيو 2019
تحضيرات لتظاهرات مليونية يوم الجمعة المقبل (العربي الجديد)
+ الخط -
لليوم الثاني على التوالي، خرج قائد الجيش الجزائري أحمد قايد صالح ليخاطب الجزائريين، مستحضراً حديث المؤامرة ومحدداً طبيعة المهام للرئيس الجزائري المقبل، فيما تمسك بمواقفه من الانتقال السياسي والانتخابات. 
وتزامنت المواقف الجديدة لقائد الجيش، مع كشف مصدر جزائري لـ"العربي الجديد" عن لقاء غير معلن جمع أخيراً قايد صالح، مع خبراء اقتصاديين جزائريين، لاستطلاع تقديراتهم حول التداعيات الممكنة للأزمة السياسية، التي تعيشها البلاد منذ بدء تظاهرات الحراك الشعبي في 22 فبراير/ شباط الماضي، واستقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في الثاني من إبريل/ نيسان الماضي. وقد حذّر هؤلاء الخبراء من التأثير الخطر للوضع الراهن على الاقتصاد، في وقت تعهّد قايد صالح بإنهاء الأزمة السياسية في البلاد قبل نهاية شهر ديسمبر/ كانون الأوّل المقبل، وذلك على وقع تحضير المعارضة لفاعليات كبرى من أجل تحقيق الانتقال السياسي. 

وقال قايد صالح، خلال حفل تخرج دفعات ضباط من الأكاديمية العسكرية لشرشال قرب العاصمة الجزائرية: "تعهدت بمرافقة مسار الشعب في تحقيق آماله وتطلعاته المشروعة ولن أحيد عن ذلك أبداً". كما أشار إلى أن أجهزة الجيش كانت تتابع منذ عام 2015، تفاصيل تنفيذ مؤامرة ضد المؤسسة العسكرية والبلاد، من قبل أجهزة في السلطة ومجموعات سياسية ومالية متشابكة، كانت تستفيد من مقربين من الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة ومن متنفذين في مختلف دوائر الحكم. لكن قائد الجيش لم يوضح أي تفاصيل عن طريقة كشف هذه المؤامرة، وأسباب عدم وقفها في حينه وانتظار سقوط حكم الرئيس بوتفليقة بعد تظاهرات الحراك الشعبي.
وربط قايد صالح بين هذه "المجموعة المتآمرة" وأطراف وصفها بالمغرضة، قال إنها "تحاول التشويش على العدالة والتشكيك في أهمية محاربتها للفساد، بحجة أن الوقت غير مناسب ويتعين تأجيل ذلك إلى ما بعد الانتخابات، وهنا يتضح للعيان مصدر الداء بل منبع الوباء"، وذلك في رد على قوى وشخصيات سياسية اتهمته باستخدام العدالة والملاحقات القضائية لتصفية حسابات سياسية مع مجموعات داخل السلطة.

كما اتهم قائد الجيش قوى المعارضة الداعية إلى بدء مرحلة انتقالية، بأنها تقدم خدمة سياسية لما يصفها بـ"العصابة"، في إشارة إلى محيط الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة من رؤساء حكومات ووزراء ورجال أعمال، تتم ملاحقتهم في الوقت الحالي من قبل العدالة بسبب تورطهم في قضايا فساد. وقال: "تتضح من ثم الأهداف الحقيقية للراغبين في تبني الفترات الانتقالية، أي الوقوع في فخ الفراغ الدستوري، فهم يريدون حماية الفساد من خلال تأجيل محاربته وذلك هو نهج المفسدين أعداء الشعب والوطن"، مشيراً إلى أنه "لا مهادنة ولا تأجيل لمسعى محاربة الفساد".
وتمسك قائد الجيش برفض أي حل سياسي يخرج عن الإطار الدستوري، معتبراً أن "الخروج بأي شكل من الأشكال عن السياق الدستوري، يعني الوقوع في احتمالات غير محمودة العواقب، أي الوقوع في الفوضى".

في هذه الأثناء، أكد مصدر جزائري تحدث مع "العربي الجديد"، أن الخبراء الذين التقوا قائد الجيش، وبينهم عبد الرحمن مبتول، أحد أبرز خبراء الاقتصاد في الجزائر، حذروه من تزايد المخاطر والتداعيات السلبية على الاقتصاد في حال استمر الانسداد السياسي إلى وقت أطول، ولا سيما لناحية إمكانية تعطّل الحركية الاقتصادية، وتراجع الاستثمارات الأجنبية، وتخوّف أصحاب رأس المال، وفقدان مزيد من مناصب الشغل، وارتفاع نسبة التضخم وتأثيره على ارتفاع الأسعار، وكذا تآكل احتياطي الصرف من الخزينة العمومية.

ولفت المصدر إلى أنّ "الخبراء أكدوا لقائد الجيش أنّ تقديراتهم للمآلات السلبية الممكنة، التي يتجه إليها الاقتصاد الجزائري مبنية على حقائق اقتصادية سياسية واضحة يتعيّن عدم تجاهلها"، مضيفاً أنّ قايد صالح "أبدى تفهماً لمخاوف محدثيه من الخبراء، وتعهّد بإنهاء كامل للأزمة السياسية وإجراء انتخابات رئاسية قبل نهاية السنة الحالية 2019".

وتتوافق هذه التقديرات مع تحذيرات أطلقها رئيس الحكومة الجزائرية الأسبق أحمد بن بيتور قبل أيام، وقال فيها إنّ استمرار المؤشرات السياسية والاقتصادية الراهنة، وعدم الإسراع في وضع حلول سياسية موضع التنفيذ خلال فترة وجيزة، سيعقّد الموقف الاقتصادي للجزائر. كما حذّر بن بيتور من أنّ تآكل احتياطي الصرف سيضع البلاد في أزمة خانقة بحلول عام 2021.

ويأتي الكشف عن هذه التفاصيل عشية تظاهرات الجمعة الـ19 للحراك الشعبي المستمر، الذي يبدي تمسكاً برحيل رموز نظام عبد العزيز بوتفليقة ولا سيما رئيس الدولة عبد القادر بن صالح، ورئيس الحكومة نور الدين بدوي، ورئيس البرلمان معاذ بوشارب، ويدعو لبدء مرحلة انتقالية يديرها رئيس أو هيئة رئاسية لفترة محدودة. لكن قيادة الجيش وعلى رأسها قايد صالح، تضع فيتو على هذه الخيارات، وتصرّ على عدم الخروج عن الدستور والذهاب إلى حوار يؤدي بالضرورة إلى مخرجات تتصل بالانتخابات الرئاسية. وقد جدّد قائد الجيش هذا الموقف في خطاب له أوّل من أمس الأربعاء، إذ رفض بشكل صارم مقترح المعارضة المتعلّق ببدء مرحلة انتقالية، وقال إنّ "الجيش لن يحيد عن مهامّه الدستورية الوطنية التي يستوجبها الوضع الحالي في البلاد، إلى غاية انتخاب رئيس للجمهورية في الآجال الدستورية البعيدة كل البعد عن أي شكل من أشكال المراحل الانتقالية".

وفي السياق، قال الناشط البارز في الحراك الشعبي وعضو "التنسيقية الوطنية من أجل التغيير" مصطفى بوشاشي، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "قيادة الجيش لا تريد التنازل لفتح الباب أمام حلّ سياسي، وتتمترس وراء الدستور، وهذا يؤكد بالنسبة لنا أنّ المؤسسة العسكرية لها تصور وخريطة طريق سياسية تريد تثبيتها وفرضها على المكونات السياسية والمدنية". وأضاف أنّ "الجيش يبحث ويحاول دفع المعارضة والحراك الشعبي إلى تقديم تنازلات سياسية والقبول ببقاء رئيس الدولة عبد القادر بن صالح، لأنه لا يرغب في وجود رئيس انتقالي لا يتحكّم في قراراته".

وتأتي تظاهرات اليوم الجمعة، في خضمّ استمرار الجدل بشأن قرار قيادة الجيش، وإصدارها قبل أسبوع تعليمات إلى قوات الأمن بمنع رفع رايات عدا العلم الجزائري. وقامت الشرطة خلال تظاهرات الجمعة الماضية وتظاهرات الطلبة الثلاثاء الماضي، باعتقال عدد من الناشطين الذين أصرّوا على رفع رايات أمازيغية، قبل أن يتم الإفراج عن بعضهم في وقت لاحق.

وقال ناشطون في الحراك الشعبي إنّ تظاهرات الجمعة الـ19، يراد لها أن تكون مناسبة ثانية لتفويت الفرصة على ما يعتبرونه محاولة يائسة من قيادة الجيش والسلطة لتقسيم الحراك باستدعاء أزمة الرايات. وفي هذا الإطار، قال الناشط سفيان حجاجي في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ تظاهرات اليوم ستثبت للجميع أنّ الشعب أصبح أكثر وعياً بتلاعب السلطة بالمشاعر، وسعيها لتقسيم الحراك الشعبي، مؤكداً أنّ الحراك "بصدد استعادة النفس الشعبي بعد بروز مؤشرات تعنّت واضح من الجيش، وإصراره على منع الحراك من تحقيق أهدافه المركزية في بدء انتقال ديمقراطي سلس".

ويتحدث ناشطون عن مساعٍ لتوظيف حراك اليوم الجمعة، للتعبئة بشكل أكبر لتظاهرات يراد لها أن تكون الأكبر منذ بدء الحراك الشعبي، في الجمعة الـ20 للحراك، التي تتزامن مع ذكرى عيد الاستقلال في الخامس من يوليو/تموز المقبل. ويطمح الناشطون إلى تعبئة أكثر من 20 مليون متظاهر يوم الجمعة المقبل، لتشكيل أكبر ضغط ممكن على الجيش لدفعه للتخلي عن بن صالح، الذي تنتهي عهدته الدستورية في التاسع من يوليو المقبل.

وتأتي تظاهرات الجمعة الـ20 قبل يوم، من أكبر مؤتمر لقوى المعارضة السياسية والمدنية والحراك الشعبي، الذي يعقد في السادس من يوليو المقبل، بهدف وضع صياغة موحدة لخطة حلّ سياسي ستطرحها المعارضة على الجيش والسلطة السياسية، لحل الأزمة وبدء ترتيبات نقل السلطة إلى هيئة انتقالية، وإجراء انتخابات رئاسية وتجهيز العدة القانونية واللوجستية للهيئة المستقلة لتنظيم الانتخابات. وقد كلّفت قوى المعارضة وزير الاتصال والدبلوماسي السابق عبد العزيز رحابي، بتنسيق عقد المؤتمر، الذي أعلن بدوره في بيان نشره أخيراً أنّ مساعيه تستهدف ضمان أكبر مشاركة سياسية ومدنية في هذا اللقاء، للانخراط في السعي للخروج من الأزمة.

المساهمون