بعد أسابيع من الاتصالات الكثيفة واللقاءات التي جمعت مسؤولين جزائريين بمسؤولي دول كبرى، كروسيا وفرنسا والاتحاد الأوروبي، واتصالات مع مسؤولي الإدارة الأميركية الجديدة، يبدو أن الجزائر تسعى إلى إلقاء ثقلها السياسي في الأزمة الليبية من خلال البدء الفعلي في الاتصالات بالأطراف الليبية والدخول في وساطة بينها.
وكانت الجزائر اعتذرت، الشهر الماضي، عن استضافة قمة ثلاثية مع تونس ومصر التي كان من المقرر عقدها بالعاصمة الجزائر بسبب "عدم توفر وتهيئة كل أسباب نجاح المبادرة التونسية حول ليبيا في الوقت الحالي"، بحسب صحف جزائرية، مضيفة "أن الجزائر ترفض المشاركة في لقاءات ومبادرات غير ناجحة أو ترى أن أسباب نجاحها غير متوفرة".
ويبدو أن الجزائر التي استقبلت، في وقت سابق، قطبَي الصراع في ليبيا، رئيس البرلمان عقيلة صالح ورئيس جناحه العسكري خليفة حفتر من جهة، ورئيس حكومة الوفاق، فايز السراج، من جهة أخرى، ترى في المبادرة التونسية رأياً آخر. فعقب خطوات حثيثة لإنجاح هذه المبادرة بدا أن أطرافها لا سيما القاهرة تحديداً لا تزال متحيزة لحليفها العسكري شرق البلاد، مما يعني عدم توفر أسباب نجاحها.
وبحسب مصادر برلمانية من طبرق، فإنه من المرجح أن يلتقي وزير الشؤون المغاربية والاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية، عبد القادر مساهل، حفتر خلال زيارته المقررة لليبيا والتي تبدأ اليوم، بالإضافة لعدد من السياسيين في حكومة البرلمان والنواب الموالين لحفتر.
من جهتها، أعلنت الخارجية الجزائرية أن مساهل لن يزور طرابلس فقط، لكن زيارته ستقوده الى عدة مدن ومناطق ليبية، لم تذكرها، للقاء قيادات محلية ليبية يمكن أن تلعب دوراً بارزاً على صعيد تحقيق المصالحة والحوار الليبي الليبي.
ولفت البيان إلى أن هذه الجولة لن تكون الأخيرة، حيث "ستكون متبوعة بجولة أخرى إلى مدن ومناطق أخرى من هذا الوطن الشقيق والجار".
ووضعت الخارجية الجزائرية الزيارة "في إطار الجهود المتواصلة التي تبذلها الجزائر قصد التقريب بين مواقف الأشقاء الليبيين من أجل التوصل إلى حل سياسي ومستدام للأزمة من خلال الحوار الليبي الشامل والمصالحة الوطنية، ما من شأنه الحفاظ على السلامة الترابية لليبيا وسيادتها ووحدتها وانسجام شعبها".
وأفصحت المصادر في حديث لــ"العربي الجديد"، أن مساهل سيناقش خلال زيارته أيضاً مع السراج في طرابلس مسألة طلبه التدخل الدولي لإنهاء الفوضى في الجنوب من مبدأ رفض بلاده لأي تدخل عسكري في البلاد.
وقالت المصادر، إن الرسائل الأولية التي تلقاها حفتر وشركاؤه بدا عليها "القبول والحياد والجدية في سعي الجزائر لحلحلة الأزمة"، مضيفة أن "الظروف المحيطة بالأزمة وعلى رأسها تعسر الحل العسكري بيد حفتر وتذبذب مواقف الكثير من داعميه السابقين يبدو أنها ستدفعه بقبول مناقشة حلول جديدة".
ويبدو أن اتصالات الجزائر الكثيفة بمسؤولين روس وأوروبيين، وأخيراً أميركيين مكنتها من استلام الملف الليبي بدعم من الفاعلين الدوليين.
ويرى مراقبون للشأن الليبي، أن الجزائر بما تمتلكه من خبرة في مواجهة الجماعات الإرهابية استطاعت إقناع الأطراف الدولية بأن مواجهة الإرهاب وضرورة فرض تسوية سياسية في ليبيا هما القاسم المشترك بينها، وبأن الجزائر هي الأقدر على قيادة الملف الليبي.
وبحسب المصادر الليبية، فإن مساهل سيزور عدداً من المدن الليبية التي تمثل أطرافاً مؤثرة في الصراع الحالي، من بينها طبرق ومصراته، بالإضافة للعاصمة طرابلس. ومن المرجح أن يلتقي فاعلين عن الجنوب الليبي في مدينة أوجلة وسط الجنوب، في مسعى للاقتراب أكثر من قياديي الأطراف المسلحة والسياسية البعيدة عن المشهد السياسي الرسمي.
وسبق أن استقبلت الجزائر عدداً من مسؤولي ورؤساء الأحزاب والتيارات وممثلي المناطق المشاركة في الصراع الليبي في عديد المناسبات. وأعلنت على لسان مسؤوليها أن المقاربة في ليبيا أمنية بالدرجة الأولى.
ويبدو أن الجزائر نفضت يدها من المبادرة الثلاثية، وتختط طريقاً آخر في مساعيها لجمع الكلمة في ليبيا. فعلى عكس المبادرات الأخرى اختار مساهل الميدان والاقتراب أكثر من الفاعلين على الأرض للاستماع لهم مدفوعاً بقبول كل الأطراف الليبية بالجزائر كبلد غير منحاز لأي منهم سياسياً أو عسكرياً. كما يبدو أنه السبب الذي أقنع العواصم الغربية بجدوى أن تكون الجزائر البلد المرشح خلال الفترة المقبلة كشريك أساسي في معالجة أزمة البلاد المتصدعة بفعل الانقسامات السياسية وفوضى الإرهاب.
وفضلاً عن تبلور الرؤية الدولية بشأن ليبيا وانحصارها في ضرورة معالجة مسألة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، فإن محللين للشأن الليبي يرون أن أسباباً أخرى أكثر أهمية بالنسبة للجزائر طفت على السطح في الآونة الأخيرة جعلتها تتحرك بشكل سريع.
ويتحدث هؤلاء عن تقارير وتصريحات تشير إلى انتقال خطر تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) من سرت وسط شمال البلاد إلى الجنوب الليبي، لا سيما في المناطق القريبة من الجنوب الغربي للبلاد المحاذي للحدود الجزائرية، مستشهدين بتكثيف الوجود العسكري على الحدود مع ليبيا بشكل أكبر خلال الآونة الأخيرة كمؤشر على تزايد خطر اقتراب "داعش" من حدودها.
وسبق أن تحدثت مصادر ليبية محلية عن دعم جزائري للواء، علي كنه، المنتمي لقبيلة الطوارق، والتي تمتلك امتداداً قبلياً إلى داخل الجزائر من أجل تكوين فصيل عسكري للجم طموحات حفتر العسكرية للسيطرة على مواقع ومدن في غرب وجنوب البلاد مدعوماً من القاهرة.