ومع تجديد الحراك مطالبه برحيل رموز النظام السابق قبل إجراء أي انتخابات رئاسية، تبدو دعوة بن صالح إلى الحوار، إلى جانب الدعوة التي أطلقها الجيش لفتح حوار بين المعارضة ومؤسسات الدولة، تسيران بالبلاد إلى حالة انسداد سياسي من دون أي أفق في حلّ الأزمة.
ويستعدّ الناشطون في الحراك لتنفيذ سلسلة مسيرات ليلية، وإقامة إفطار جماعي ضخم في شوارع العاصمة والمدن الجزائرية، عشية الجمعة الـ12 في مسار الحراك الشعبي، بهدف إبقاء الضغط مستمراً على السلطة. وتقوم مجموعات شبابية بالتنسيق لتنظيم خطوات ومبادرات تتوافق مع طبيعة شهر رمضان، لكنها تكون أيضاً ذات طابع احتجاجي وتصبّ في صالح الحراك، كالإفطارات الجماعية في الساحات والميادين، والتجمعات التي تعقب صلاة التراويح.
وفي السياق، قال الناشط حسين بزينة لـ"العربي الجديد"، إنّ "مبادرات كهذه تهدف إلى إبقاء جذوة الحراك مشتعلة وتجديد مطالبه، والتأكيد أنه إذا كانت السلطة تعتقد أنّ الحراك سيخفت في رمضان أو يتراجع بفعل الوقت عن مطالبه، فهي واهمة بالكامل".
ويعتقد ناشطون أنّ مسيرات الأيام الأولى في شهر رمضان، كانت رسالة واضحة إلى السلطة بأن الشعب لن يقدّم أي تنازلات عن المطالب التي يرفعها منذ أكثر من شهرين. وفي هذا الإطار، قال الناشط في الحراك عبد الوكيل بلام، لـ"العربي الجديد"، إنّ "مسيرات الثلاثاء الماضي التي نظّمها الطلبة في اليوم الأول من شهر رمضان، بحجمها وشعاراتها تؤكّد أنّ الحراك الشعبي ماضٍ نحو تحقيق مطالبه المركزية، وليس هناك أي استعداد للتنازل عنها"، مشيراً إلى أنّ "اعتقال رموز النظام السابق وملاحقتهم قضائياً، جزء من أهداف الحراك منذ 22 فبراير/شباط الماضي، لكن المطلب الأهم هو رحيل ما تبقّى من رموزه في السلطة الآن، وتسليم الأخيرة إلى الشعب عبر انتخابات يتم التحضير لها من قبل هيئة عليا مستقلة وبشكل توافقي". وأوضح بلام أنّ "الحراك يرفض أيّ حوار مع بن صالح، لأنه يمثّل عمقاً سياسياً للنظام السابق، وقضى 20 سنة في رئاسة البرلمان يبرر خيارات بوتفليقة ويساند سياساته ويهاجم كل معارض لها".
وليس الحراك الشعبي فقط من يتمسّك بالشارع والمطالب ويصرّ على رفض الحوار مع بن صالح، إذ رفضت أغلب القوى السياسية والمدنية والشخصيات المستقلة كذلك، إقامة أي حوار مع رئيس الدولة وحكومة نور الدين بدوي بشأن تنظيم الانتخابات الرئاسية في موعدها المحدد في الرابع من يوليو/تموز المقبل.
وفي مقطع فيديو بثه أوّل من أمس الأربعاء، جدّد المحامي مصطفى بوشاشي، أحد أبرز الشخصيات المستقلة في الجزائر، مطلب رحيل بن صالح وبدوي. وقال "عليهم أن يرحلوا، هذا مطلب الشعب الرئيسي"، مشيراً إلى أنه يرفض أن يكون توقيف السعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس المستقيل، ومديري جهاز الاستخبارات السابقين، الجنرال محمد مدين (المعروف بتوفيق) والجنرال بشير طرطاق، مدخلاً لإقناع المعارضة والشارع بأن الطريق بات مهيأ للذهاب إلى الانتخابات الرئاسية. وأوضح بوشاشي أنّ "الموقوفين الثلاثة ارتكبوا جرائم ويجب ملاحقتهم، وكان الشعب يطالب بتوقيفهم ومتابعتهم قضائياً، لكن لا ينبغي أن تكون هذه المتابعات من أجل الذهاب إلى الانتخابات". وطرح فكرة توكيل هيئة رئاسية وشخصيات كوزير الخارجية الأسبق أحمد طالب الابراهيمي، لتسيير فترة انتقالية قصيرة وبحكومة مستقلة، للذهاب إلى انتخابات شفافة ونزيهة.
من جهته، التحق حزب "العمال" اليساري في الجزائر بموكب القوى الرافضة لدعوات الحوار التي وجّهها الأحد الماضي بن صالح من أجل التشاور حول آليات تنظيم الانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة من قِبله في الرابع من يوليو. واعتبر الحزب في بيان أنّ "دعوة رئيس الدولة بالنيابة للحوار، بمثابة رفض لتطلعات أغلبية الشعب التي تريد التحرّر من قبضة النظام المتعفّن، ومن نظام الحكم الرئاسي المستبد والمناهض للديمقراطية ودستوره الذي يريد مناصرو الوضع الراهن تقييد الشعب فيه". ووصف الحزب إعلان بن صالح التمسّك بالانتخابات الرئاسية في موعدها، بـ"مصادرة حق الشعب في الفصل في طبيعة النظام والمؤسسات الواجب إقامتها"، مؤكداً أنّ "أغلبية الشعب تشترط رحيل النظام والمؤسسات غير الشرعية التي ترتكز على دستور النظام نفسه والمرفوض شعبياً".
لكن "الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان" ذهبت إلى أبعد من ذلك، ووصفت محاولة السلطة الدفع إلى تنظيم الانتخابات في موعدها، وفي ظلّ ظروف سياسية غير سليمة، بالانقلاب على الإرادة الشعبية. وقالت الرابطة في بيان نشرته على موقعها الإلكتروني، إنّ "معالم الانقلاب تتضح بعد خطاب بن صالح". وحذّرت الرابطة من أي "محاولة لإجهاض انتفاضة 22 فبراير السلمية التي قامت من أجل تحقيق التغيير الجذري للنظام"، واعتبرت أنّ "أي استعمال للقوة ضدّ الشعب السلمي، لن يزيد الوضع إلا تعقيداً، وسيجرّ البلاد إلى وضع أكثر خطورة".
ويعزّز تمسّك الحراك الشعبي بمطالبه، من مواقف قوى معارضة أخرى كحركة "مجتمع السلم" (إخوان الجزائر)، كبرى الأحزاب الإسلامية في البلاد، و"جبهة العدالة والتنمية"، و"جبهة القوى الاشتراكية" أقدم أحزاب المعارضة في الجزائر، و"طلائع الحريات" الذي يقوده رئيس الحكومة الأسبق علي بن فليس، وحزب "جيل جديد"، وهي أطراف رفضت إجراء أي حوار مع بن صالح، وتمسّكت بالمطالبة برحيله وحكومة بدوي، قبل أي حوار مع السلطة وتنظيم أي انتخابات.
وبالتالي، فإنّ المشهد السياسي بات متجهاً نحو حالة انسداد حقيقية، في ظلّ غياب الأفق لحل سياسي ينهي الوضع الراهن، الذي تتعزّز المخاوف من استمراره لفترة طويلة، تنعكس على الوضعين الاقتصادي والاجتماعي للبلاد. وما يزيد هذه المخاوف أن الجيش، الفاعل الرئيس وصانع القرار حالياً، لا يبدو مستعداً في الوقت الراهن لتقديم تنازلات تحيد عن تبنيه للخيار نفسه الذي يتبناه بن صالح، وهو يدفع باتجاه فتح حوار بين المعارضة ومؤسسات الدولة والبقاء في إطار الحلّ الدستوري المؤدي إلى الانتخابات الرئاسية في يوليو المقبل.
ويعتقد مراقبون أنّ الجيش يحاول إقناع قوى المعارضة بأنه لن يسمح بتسليم السلطة إلا لرئيس منتخب شعبياً، وأن بقاء بن صالح الذي يحاول فكّ عزلته السياسية باستقبال الوزراء تارة وتسلّم أوراق سفراء دول أجنبية تارة أخرى، ليس له أي تأثير على مستقبل وسلامة العملية السياسية والانتخابية. وكذلك فإنّ إقدام القضاء العسكري على توقيف رموز الدولة العميقة ونظام بوتفليقة ورجالات المال المؤثرين في المشهد، يعني استبعاد أي تأثيرات سلبية محتملة من قبل بقايا النظام السابق على المسار السياسي والانتخابي، وتعبيد الطريق لاستحقاق نزيه وشفاف، وتجنّب حالة فراغ دستوري، خصوصاً أنه في حال عدم إجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة في موعدها في الرابع من يوليو، فإنّ الجزائر ستدخل في هذه الدوامة، بسبب انتهاء الولاية الرئاسية لبن صالح في التاسع من يوليو، إذ يحدد الدستور ولايته المؤقتة بـ90 يوماً، بدأت في التاسع من إبريل/نيسان الماضي.