عندما سأل الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، جمال ولد عباس، عن تمنياته للجزائريين في العام الجديد 2018، ذرف دمعتين وقال جملتين، وقفز سريعاً إلى العام الذي يليه 2019، وقال للجزائريين "نلتقي في 2019". ففي 2019 سوق كبيرة سيكشف فيها سرّ لطالما حير الجزائريين طويلاً "الرئاسة من القصر إلى القبر"، أم "تسليم بمعروف".
ليس مهماً بالنسبة لولد عباس، كما قطاع غالب من السياسيين الذين يسكنون في مخادع السلطة، كيف سيقضي الجزائريون شهور السنة الجديدة 2018، وقد أبانت السنة مبكراً عن تباشير الغبن والغلاء والضيق في العيش، بحيث افتتحت يناير بزيادات في الوقود والضرائب والنقل والماء وغيرها، وإضراب في المستشفيات وخروج أربعة قوارب هجرة سرية للشباب باتجاه الحلم الأوروبي، وتلك تباشير سنة أخرى من سنوات البؤس التي يعيشها الجزائريون في بلد أهدرت فيه الحكومات المتعاقبة النفط وأموال النفط، وضيعت الشاة واللبن.
ما يهم ولد عباس وجيرانه في مخدع السلطة، هو الانتخابات الرئاسية المقررة في ربيع 2019، ففي هكذا انتخابات تزدهر تجارة الوعود وتزدحم سوق الابتزاز وتتزاحم الأحزاب عند باب الرئيس، سواء قرر أن يستكمل إلى عهدته الخامسة، أو قرر أن يشير على خليفة يستأمنه ميراثه السياسي. ففي الجزائر لا تخطط الأحزاب للمستقبل ولا تشارك في صناعة القرار طالما أن للجهة الحاكمة مؤسساتها المعلنة وغير المعلنة التي تقرر وتتفرد بتدبير الشأن العام، أما الحزب الرسمي فهو مجرد جهاز يدير حالة ميكانيكية من الترويج السياسي والدعاية المطلوبة في الانتخابات.
قد يضيع العالم في تفاصيل كثيرة بشأن التحولات المرتقبة في أكثر من منطقة، لكن العنوان الأبرز في الجزائر في العام الجديد، سيكون المخاض الرئاسي ومخرجاته التي ستنكشف في اتجاهين، إما استمرار الغموض الراهن والمستمر منذ وعكة الرئيس بوتفليقة في إبريل/نيسان 2013 واستمراره في الحكم برغم ذلك، أو نهاية واحدة من أقبح المراحل السياسية في تاريخ الجزائر، سيخرج منها قيح كثير عندما يبدأ بوح الفاعلين فيها في مذكراتهم لاحقاً.
في 2018 ستكون عين الجزائريين على كيس حليب ورغيف، وعين الساسة في الجزائر على الانتخابات الرئاسية، لكن عين الكارتل المالي على 1200 مؤسسة عمومية، رجال المال والأعمال يريدون ابتلاعها. إنها سنة مدججة بالغموض والحسابات.