مبكراً أطلقت السلطة في الجزائر حملة انتخابية ودعائية لصالح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ومنجزاته خلال ولاياته الرئاسية الأربع، وذلك قبل نحو سنة من موعد الانتخابات الرئاسية المقررة في ربيع العام 2019، في ظل مؤشرات عن حسم دوائر الحكم والقرار في الجزائر قرارها بترشيح بوتفليقة لولاية خامسة برغم وضعه الصحي.
وسخّرت الحكومة الجزائرية القنوات الخمس للتلفزيون الحكومي وصحفا وقنوات مستقلة موالية، هذه الأيام، لإطلاق حملة دعائية، تبرز المنجزات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وفي ميادين الثقافة والرياضة، التي حققتها الجزائر منذ اعتلاء بوتفليقة سدة الحكم في العام 1999. وركزت الحملة على ما يتصل بتحقيق السلم والمصالحة الوطنية وإطفاء نار الفتنة الدامية واستعادة الأمن والاستقرار، وإعادة الجزائر إلى المنابر الدولية بعد سنوات من العزلة السياسية، وسلسلة زيارات لكبار الزعماء والرؤساء والشخصيات الدولية إلى البلد، ومشاركة بوتفليقة في كبرى المنتديات والمحافل الدولية، وبعث الاقتصاد والصناعة والزراعة، وتنشيط الحياة الثقافية والرياضية. وتم إدراج تأهل المنتخب الجزائري لكرة القدم مرتين متتاليتين، في 2010 و2014، إلى كأس العالم ضمن إنجازات بوتفليقة، بالإضافة إلى ما تصفه السلطة "بالنجاح في تجنيب الجزائر منزلقات الربيع العربي".
وفي السياق نفسه، قررت الحكومة، وفقا لتصريح رئيسها أحمد أويحيي، في ندوة السبت الماضي، إعداد تقريرين شاملين، سيتم عرضهما أمام الرأي العام، يتعلق الأول بحصيلة منجزات بوتفليقة في ولايته الرئاسية الرابعة بين 2014 و2018، فيما يتعلق الثاني بحصيلة منجزاته منذ اعتلائه سدة الحكم في 1999. وبرر رئيس الحكومة إعداد هذه التقارير بالكشف عن كيفية صرف ألف مليار دولار في عهد بوتفليقة لإعادة بناء البنية التحتية وتمويل المشاريع والبرامج الاقتصادية والاجتماعية، وذلك بعد مطالبات من قبل قوى المعارضة وتشكيك سياسي بحقيقة فاتورة المنجزات، والحديث المتزايد عن الفساد المالي والاختلاسات. واللافت أن الإخراج السياسي والإعلامي للحملة الدعائية لصالح الرئيس الجزائري ومنجزاته، سبقها تحول في موقف قيادة حزب بوتفليقة نفسه، جبهة التحرير الوطني، الذي كان قد أصدر توبيخاً لبعض قياداته بسبب تسرعهم في المبادرة بالإعلان عن إنشاء تنسيقيات مدنية لدعم ترشح بوتفليقة لولاية رئاسية مبكرة، قبل أن يعلن الأمين العام للحزب، جمال ولد عباس، قبل أسبوعين، عن دعوة رسمية يوجهها الحزب إلى بوتفليقة لإعلان ترشحه رسمياً للانتخابات قبل نحو سنة من موعد الانتخابات، وإطلاق الحزب للجنة تضم عدداً من المسؤولين والوزراء في الحكومة، بينهم وزير الخارجية، عبد القادر مساهل، لصياغة وثيقة مرجعية تتضمن مجمل حصيلة إنجازات بوتفليقة خلال ولاياته الرئاسية الأربع.
ويعتبر متابعون للتحولات السياسية الجارية في الجزائر أن الدعاية المبكرة لمنجزات الرئيس مؤشر واضح على إمكانية أن تكون مقدمة لولاية رئاسية خامسة. ويقول الناشط المدني والقيادي في حركة "بركات" (وتعني "كفاية")، سمير بلعربي، لـ"العربي الجديد"، إنه "من الواضح أن هناك توافقاً على أن يبقى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة مرشح النظام في انتخابات 2019، طالما يبقى على قيد الحياة، بغض النظر عن تداعيات وضعه الصحي. وكل المؤشرات تؤكد أن ترشيحه يخدم كل الأطراف الفاعلة والمؤثرة في صناعة القرار، سواء في محيط الرئيس أو كتلة رجال الأعمال والمال، أو الجيش". ويؤكد بلعربي، الذي قاد سلسلة وقفات احتجاجية في 2014 للاعتراض على ترشح بوتفليقة لولاية رئاسية رابعة، أن "استباق الإعلان عن عهدة خامسة هو رسالة للمعارضة أن السلطة قد حسمت أمرها، وأن كل محاولة لاعتراض خيارات السلطة بشأن انتخابات ربيع العام 2019 ستبوء بالفشل"، مضيفا أن "النظام يدرك أن المعارضة لن تجتمع من جديد، وفقدت الكثير من فرص الالتقاء والتقارب وتوحيد المواقف"، منذ إخفاقها في الاستمرار بتفعيل وثيقة ومخرجات مؤتمر المعارضة الذي عقد في يونيو/حزيران 2014، والذي يمثل أكبر تجمع لقوى المعارضة في التاريخ السياسي الحديث للجزائر.
لكن ثمة قراءة أخرى لا تلغي إمكانية أن تكون الحملة الدعائية السياسية ضمن سياق ترتيبات الولاية الرئاسية الخامسة، لكنها تشير، في الوقت ذاتها، إلى أنها يمكن أن تكون أيضاً مقدمة للبحث عن خروج مشرف لبوتفليقة من الحكم في حال لم يتح له وضعه الصحي البقاء في الحكم. ويعتقد المحلل السياسي وأستاذ الإعلام في كلية الصحافة في جامعة الجزائر، بوجمعة رضوان، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "حملة الدعاية السياسية لصالح بوتفليقة، تستهدف تلميع ما هو سابق بالأساس وتحضير ما هو قادم، وما هو قادم ليس حتماً العهدة الخامسة، رغم أن كل ما يتم، سياسياً وإعلامياً، يوحي بأن كل شبكات المنظومة متفقة على عهدة خامسة". ويلفت إلى أن "هذه الدعاية السياسية دفعت قنوات التلفزيون الحكومي الخمس إلى استخدام جثث الضحايا وأشلائهم ودمائهم لتبرير منجز سياسي يتعلق بما تسميه السلطة تحقيق الأمن".
ويشبه المشهد السياسي في الجزائر حالياً الصورة التي كانت قبل انتخابات 2014. فقبل تلك الانتخابات بسنة أيضاً أطلقت الحكومة حملة دعائية واسعة لتبرير ترشح بوتفليقة، خصوصاً أنه كان في وضع صحي متردٍ بعد تعرضه لوعكة صحية في إبريل/نيسان 2013، وأصر رغم ذلك على الترشح. وهي التفاصيل نفسها التي تؤثث المشهد السياسي حالياً، إذ يثير الوضع الصحي للرئيس والصورة التي يظهر بها أمام الرأي العام أخيراً، تساؤلات جدية عن قدرته الفعلية على إدارة شؤون الدولة بكل تشعباتها، ويجدد الشكوك حول وجود تدخلات من محيطه المقرب في الحكم. ويبدو أن السلطة قد تجاوزت بالكامل هذه العقدة، إذ لم تعد تحرجها التساؤلات حول صحة بوتفليقة، فيما تذهب المعارضة إلى إطلاق تحذيرات مما يصفها القيادي في حركة مجتمع السلم المعارضة، نصر الدين حمدادوش، "بصعوبة إدارة المرحلة المقبلة، وتسيير البلاد في تلك الظروف الصعبة، في حال فرضت السلطة منطق الأمر الواقع بالولاية الخامسة بعيداً عن أي توافق وطني حقيقي، وفي ظل عدم توفير شروط المنافسة النزيهة والمتكافئة، ما يعني أننا نتجه إلى مهزلة انتخابية لا تشرف الجزائر، ولا تؤشر على تحمّل المسؤولية الوطنية في إنقاذ البلاد، وتجنيبها أزمة خطيرة ومعقدة في المستقبل". وتطلق السلطة حملتها الدعائية لصالح بوتفليقة، فيما تطلق المعارضة تحذيراتها من ترتيبات مسبقة للانتخابات، وبين الطرفين أمر واقع بات يفرض نفسه على المشهد السياسي، مع غموض في الأفق الذي تتجه إليه الجزائر، قد تكشف الأيام بعضاً من تفاصيله.