الجزائر تكثف الاستثمار في الأسمدة لتعويض عائدات النفط

08 أكتوبر 2018
الأسمدة تتحول إلى ثاني مصدر للنقد الأجنبي (Getty)
+ الخط -
 

تسعى الجزائر إلى جذب رؤوس أموال ضخمة من أجل بعث صناعة الأسمدة، الثروة الباطنية "المنسية"، وذلك للانضمام إلى قائمة الدول الأكثر تصديرا عالميا لهذه المادة، التي تحتكرها منذ سنوات عدة دول أبرزها أميركا والصين وحتى المغرب.

ولبلوغ هذا الهدف تسابق الحكومة عقارب الزمن لإطلاق مشاريع كبيرة بالتعاون مع دول رائدة في مجال استخراج الأسمدة كالصين، للحدّ من تراجع الإيرادات، بسبب هبوط أسعار النفط منذ منتصف عام 2014.

وفي منتصف سبتمبر/ أيلول الماضي، قال وزير الصناعة، يوسف يوسفي، إن بلاده تخطط لتصبح من أكبر الدول المصدرة للأسمدة، من خلال إنجاز مصنع ضخم للفوسفات، بالتعاون مع الصين، بتكلفة أكثر من 6 مليارات دولار.

وسيتم إنجاز هذا المشروع بالشراكة بين شركتين جزائريتين، سوناطراك النفطية وأسميدال - منال للأسمدة وشركتين صينيتين هما سيتيك ووانغفو، وتقدر حصة الجانب الصيني بـ49% من المشروع مقابل 51 % للجزائر.

وحسب مدير الإنتاج بشركة أسميدال لإنتاج الأسمدة (حكومية)، سعيد ملباني، لـ"العربي الجديد"، فإن "النظرة المستقبلية لقطاع الأسمدة مشرقة وواعدة، إذ تتمتع البلاد بأفضلية في هذا المجال مقارنة مع منافسيها من الدول الأخرى، من حيث رخص المنتجات واليد العاملة، بالإضافة إلى مجاورتها الدول الأوروبية، فضلاً عن ذلك ستساهم الإصلاحات المستمرة للتشريعات التجارية في تعزيز قدرة البلاد على استقطاب الاستثمارات الأجنبية إلى الصناعات التكميلية".

وكشف ملباني أن "الشركة ستطلق مناقصات في الأشهر المقبلة لاستغلال مناجم للفوسفات غرب البلاد تم اكتشافها السنة الماضية، بحجم استثمارات تفوق 3 مليارات دولار، ستسمح برفع صادرات البلاد من الأسمدة".

وقال إن "ارتفاع الطلب العالمي على الأسمدة دفعنا إلى وضع مخطط مبني على مرحلتين، الأولى تتعلّق بتحويل الفوسفات والثانية تتعلّق بتحويل الحديد إلى إسفنج الحديد من خلال شراكة مع بريطانيا والصين، وقد تم الانتهاء من المرحلة الأولى الخاصة بتحويل الفوسفات"·

وأعلنت الحكومة في السنوات العشر الأخيرة عزمها تطبيق برنامج يهدف إلى تكثيف استغلال كامل الطاقة والموارد الطبيعية التي تتمتع بها الدولة، وذلك من خلال تحسين الصناعات التحويلية للطاقة، ويعتبر قطاع الأسمدة واحداً من أهم القطاعات التي يستهدفها هذا البرنامج.

ففي بداية عام 1980 بلغ إنتاج الأسمدة 54.6 ألف طن ثم ارتفع إلى 1.2 مليون طن سنة 2015، بمعدل نمو سنوي متسارع، حسب بيانات وزارة الصناعة التي ترجع هذه الزيادة في إنتاج الأسمدة في البلاد إلى وفرة المادة الخام. ويذكر أن معظم الإنتاج يصدر إلى الخارج، إذ تمتاز الأسمدة الجزائرية بانخفاض كلفة الإنتاج، ما يعطيها ميزة سعرية.

ومن الأسباب الرئيسية التي تساعد الجزائر على التحول إلى أكبر مصدر للأسمدة هو انخفاض الاستهلاك المحلي من 235.7 ألف طن في عام 1980 إلى 150 ألفاً في عام 2015. ويعزى هذا التدهور في الاستهلاك إلى المساحات الزراعية غير المطورة إطلاقاً في الجزائر بالمقارنة مع دول المنطقة الأخرى، حسب مراقبين.

وتعتبر الشركة الجزائرية لصناعة الأسمدة (أسميدال) الهيئة الأساسية المسؤولة عن إنتاج الأسمدة في الجزائر وهي منبثقة عن شركة سوناطراك النفطية. وتعمل أسميدال كشريك لمعظم الشركات الخاصة والدولية المهتمة باستغلال ثروات الجزائر في سوق الأسمدة.

ولتجسيد هذا المخطط، أطلقت الجزائر مشاريع عدة بأغلفة مالية ضخمة، كان أهمها "سورفت"، وهو مشروع مشترك بين الشركة المصرية "أوراسكوم للإنشاء" وأسميدال الذي انطلق في إنتاج الأمونيا غرب البلاد، بطاقة إنتاج تفوق مليون طن من أسمدة اليوريا، بالإضافة إلى 700 ألف طن سنوياً من الأمونيا، كذلك انضمت مجموعة "سهيل بهوان القابضة" العمانية إلى شركة أسميدال وأقامتا مشروعاً مشتركاً يبلغ إجمالي تكلفته نحو 2.4 مليار دولار وينتج سنوياً نحو 7 آلاف طن من اليوريا و4 آلاف طن من الأمونيا.

يعد أكبر المشاريع المُعلن عنها في منتصف هذا الشهر هو إقامة مصنع شرق البلاد، بطاقة إنتاج تعادل 6 ملايين طن سنوياً من الفوسفات وإنتاج 3 ملايين طن من حمض الفوسفوريك و1.2 مليون طن سنوياً من مادة الأمونياك، من حقل "بلاد الحدبة" شرق الجزائر.

وتشير تقديرات إلى وجود احتياطي بنحو 500 مليون طن من الفوسفات، وسيتم ضخ استثمارات ضخمة في هذا المشروع الذي سيرى النور سنة 2022 بالشراكة مع مجمع "سيتيك" و"وانغفو" الصينيين حسب ما علمت "العربي الجديد" من مصدر داخل وزارة الصناعة. ومن المنتظر أن يتم التوقيع على العقود في الشهر المقبل في الجزائر.

وحسب تقديرات الحكومة فإن هذا المشروع سيسمح بتصدير ما قيمته ملياري دولار سنوياً من الفوسفات ومشتقاته من الأسمدة.

من جانبه، يعتقد الأستاذ الجامعي والباحث في الطاقات الباطنية، جمال بلعيد، أن توجه الحكومة الجزائرية نحو استغلال "الفوسفات" جاء بعد تيقنها من استحالة استغلال الغاز الصخري في المدى القريب لسببين، الأول عدم امتلاك تكنولوجيا تساعدها على استخراجه، والثاني التكلفة العالية لإنتاج مثل هذه طاقات.

وتابع بلعيد في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "الجزائر تريد الاستفادة من الخبرة الصينية لاستدراك الوقت الذي ضيعته بعدما وضعت كل طاقتها في استخراج النفط ولم تفكر في تطوير قطاعات أخرى كالأسمدة."

تحوّل قطاع صناعة الأسمدة في الجزائر إلى ثاني مصدر للدخل من العملة الصعبة بعد تلك المحصلة عن طريق تصدير المحروقات، إذ تمكنت من تصدير نحو ما قيمته مليار دولار، حسب أرقام الجمارك الجزائرية حول الصادرات للسنة الماضية.

إلا أن طموح الجزائر نحو الارتقاء في سلم الدول الأكثر إنتاجاً وتصديراً للأسمدة في العالم يواجهه كثير من العقبات، إذ يؤكد أستاذ العلوم الجيولوجية في جامعة "ورقلة"، سقني لعجال، لـ"العربي الجديد"، أن "تجاهل الحكومة لهذه الطاقة جعل البلاد عاجزة حتى عن تلبية الطلبات المتوفرة لديها، لأنها لم تضخ استثمارات بشكل جيد في مجال إنتاج الفوسفات كما فعلت مع النفط والغاز".

ويرى لعجال أن "الجزائر لا تتوفر على شبكة نقل تسمح لها برفع طاقة الإنتاج، فالنقل بالسكك الحديدية إلى ميناء "عنابة" في شرق البلاد يواجه مشاكل في نقل الفوسفات الخام الآتي من مناجم "تبسة" و"سوق أهراس".

وتعد مشاكل النقل من أهم أسباب ضعف حجم التصدير، بل في أحيان كثيرة تخسر الجزائر الملايين من الدولارات من جراء عجزها عن توصيل الطلبات في وقتها، إذ تنقل القطارات ما معدّله 800 ألف طن من خام الفوسفات سنوياً، في حين تتجاوز الطلبات هذا الرقم بشكل كبير، حسب لعجال.