الجزائر... تعويم الدينار يهدد خطط إلغاء الدعم ويزيد الغلاء

07 يناير 2019
تهاوي الدينار تسبب بارتفاع أسعار السلع وتراجع القدرات الشرائية(Getty)
+ الخط -

 

عادت المخاوف في الجزائر من ارتفاع الأسعار لتتقدم المشهد الاقتصادي، بعد إعلان بنك الجزائر المركزي تعويم الدينار بشكل موجه، ما ينذر بمزيد من الغلاء، ويهدد الخطط الحكومية الرامية إلى إلغاء الدعم تدريجياً بداية من العام المقبل 2020.

وكان محافظ بنك الجزائر، محمد لوكال، قد أعلن قبل أيام، عن أن الدينار فقد 34% من قيمته خلال العام الماضي 2018، بينما اعتمد البنك "سياسة التعويم الموجه" لمواجهة تبعات تراجع عائدات النفط وكبح فاتورة الواردات.

وأثارت هذه الخطوة التي لم يكشف عنها البنك المركزي إلا بعد تنفيذها، مخاوف المتابعين للشأن الاقتصادي، الذين يتوقعون أن يسرع تعويم الدينار من وتيرة تراجع القدرة الشرائية للجزائريين، خاصة وأن الحكومة لا تبدو مستعدة لإيقاف آلة طباعة النقود التي اعتمدت عليها طيلة السنة الماضية لتمويل الخزينة العمومية، والتي أثرت بدورها سلبا في ارتفاع معدلات التضخم في الدولة النفطية.

ويقول جمال نور الدين الخبير الاقتصادي "انزلاق الدينار يترتب عليه العديد من الأثار السلبية، منها ارتفاع أسعار بعض المواد والمنتجات، في وقت تسعى الحكومة إلى ضبط الموجة التضخمية التي تعدت عتبة 4.5%".

ويضيف نور الدين في حديث لـ"العربي الجديد" أن "الجزائر ليست دولة مُصدرة بالأساس، وبالتالي فإن خفض سعر صرف عملتها لا يندرج في إطار السياسات التي تعتمدها بعض البلدان لضمان تنافسية منتجاتها في الخارج وضمان تمركزها في السوق الخارجية، حيث يساهم انخفاض سعر صرف العملة في تراجع سعر المنتج والمواد المصدرة، ما يطرح التساؤلات حول الأسباب والدوافع وراء الخفض المتدرج لقيمة الدينار".

وتساءل: "هل خفض الدينار مرتبط بوضع التجارة الخارجية وتفاقم الواردات، حيث إن خفض قيمة الدينار يجعل عمليات الاستيراد أكثر كلفة، وبالتالي يدفع المتعاملين إلى تقليص اللجوء إليها أو إعادة حساب التكاليف؟".

وتشير البيانات الحكومية إلى أن معدل سعر صرف الدولار أمام الدينار عام 2012 بلغ 77.55 ديناراً، بينما بلغ المتوسط عام 2013 حوالي 79.38 ديناراً، ليرتفع إلى 80.56 دينارا عام 2014، ثم 100 دينار في 2015، ونحو 107 دنانير في 2016، ثم إلى 112 بنهاية 2017، قبل أن يغلق عام 2018 على 119 ديناراً.

وتسبب تهاوي الدينار بنحو 53.4% منذ نهاية 2012 في تراجع القدرة الشرائية للمواطنين، ودفع أصحاب الثروات إلى التفكير في طرق لإخراج أموالهم من البلاد بشراء العملة الصعبة.

يقول فرحات علي، الخبير الاقتصادي إن "انخفاض قيمة الدينار أثر سلبا ليس فقط على الفقراء وإنما الطبقة المتوسطة أيضا، فمثلا من كان ينفق ألف دينار أسبوعيا على السلع الغذائية عام 2013، أصبح اليوم بحاجة إلى 3 آلاف دينار"، مضيفا في حديث لـ"العربي الجديد" أن "الحكومة مدعوة اليوم للتدخل من أجل حماية القدرة الشرائية للمواطن".

وكانت الحكومة قد لجأت نهاية 2017، إلى الاعتماد على "التمويل غير التقليدي" الذي يسمح للبنك المركزي بطباعة كتل نقدية وإقراضها للخزينة العمومية، على ألا يتجاوز سقف الاقتراض 11 مليار دولار سنوياً لمدة 5 سنوات.

غير أن الحكومة تعدت الحدود التي رسمتها لنفسها، بعدما أمرت "المركزي" بطباعة 41 مليار دولار إلى غاية نهاية 2018، وهو الرقم الذي جعل المتتبعين للشأن الاقتصادي يتخوفون من انفجار نسب التضخم وانهيار قدرة المواطن الشرائية.

ويقول محفوظ كاوبي، الخبير الاقتصادي: "الحكومة وضعت نفسها في ممر ضيق، ولا تملك الكثير من الأوراق للعبها، فهي لا تستطيع رفع الأجور، وبالتالي هي مجبرة على رفع ميزانية الدعم لسنوات قادمة، عكس ما تنوي فعله وتقليص الدعم تدريجيا بداية من العام المقبل 2020، بعدما أجلت العملية التي كانت مقررة هذا العام لحسابات سياسية متعلقة بالانتخابات الرئاسية".

ورغم تخصيص الحكومة 20% من الإنفاق على مخصصات الدعم، إلا أن الإنفاق العام ينخفض وفق بيانات موازنة 2019 إلى حدود 8.5 تريليونات دينار (75 مليار دولار)، مقابل 8.65 تريليونات دينار هذه السنة (76.5 مليار دولار).

ويضيف كاوبي أن "الحكومة ملزمة برفع أجور فئات معينة من العمال أصحاب الدخل الضعيف، وذلك حماية للقدرة الشرائية للمواطن، والأهم حماية الطبقة الوسطي المتجهة بخطى متسارعة نحو الزوال، وهذا ما يهدد المجتمع الجزائري، وسيزيد من الطبقية فيه".

وتعاني الجزائر من صعوبات مالية دفعتها للجوء إلى احتياطات النقد الأجنبي، التي تهاوت خلال السنوات الخمس الماضية لتصل إلى 82.12 مليار دولار في نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، مقابل 97.33 مليار دولار مع نهاية 2017، ونحو 194 مليار دولار نهاية 2013.

وكانت مجموعة الأزمات الدولية "إنترناشونال كرايزس غروب" قد حذرت في تقرير لها في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، من أن "الجزائر قد تواجه أزمة اقتصادية مع حلول 2019، لتغذي التوتر المحيط بالانتخابات الرئاسية القادمة (مقررة في إبريل/ نيسان المقبل)".

المساهمون