من المنتظر أن يفتح بنك الجزائر أول فروعه خارج البلاد، في الأسابيع القادمة، ضمن خطة حكومية لإنشاء شبكة فروع لبنوك عمومية في الخارج لاستقطاب أموال المغتربين، وتشجيع رجال الأعمال الجزائريين على إنشاء مشاريع في الدولة، لمواجهة شح الموارد المالية، جراء تهاوي عائدات النفط، وارتفاع العجز في الموازنة العامة وتراجع الإنفاق العام لمستويات غير مسبوقة.
ويؤكد محمود آيت عمر، مدير العمليات والتطوير في البنك الوطني الجزائري أن البنك سيفتح أول فرع له في الخارج في سبتمبر/أيلول المقبل في العاصمة الفرنسية باريس، مشيرا إلى أن البنك قرر فتح ثلاثة فروع أخرى في ليون ومرسيليا وبوردو في فرنسا، على أن تكون العملية الثانية هي إطلاق فروع في عواصم أوروبية أخرى كمدريد ولندن وبروكسل.
ويقول آيت عمر لـ "العربي الجديد" إن المنتجات البنكية المطروحة "ستقتصر في البداية على تحويل الأموال نحو الجزائر من خلال عروض تنافسية، ورسوم مخفضة، على أن تتطور العروض فيما بعد نحو التمويل عبر القروض سواء لشراء منازل أو إطلاق مشاريع".
ويقيم في الخارج ما يقارب 7 ملايين جزائري، وتعد تحويلات الجالية الجزائرية في الخارج هي الأضعف في دول المغرب العربي، وتقدر بحسب تقرير للبنك الدولي في حدود 2.2 مليار دولار في 2018، مقارنة مع تونس والمغرب اللذين تبلغ تحويلات مهاجريهما 7.4 مليارات دولار سنوياً.
وتتصدّر فرنسا قائمة البلدان التي تصل منها تحويلات الجزائريين في الخارج، بقيمة 1.6 مليار دولار، وتستقطب الدول الأوروبية حوالى 83% من المغتربين الجزائريين، في حين تستقطب البلدان العربية قرابة 12%. ويوجد في الولايات المتحدة الأميركية وكندا 2.5%، والباقي في شرق آسيا وأستراليا.
ويربط خبراء اقتصاد والمتتبعون لشأن الجالية الجزائرية المقيمة في الخارج ضعف التدفق المالي للمهاجرين الجزائريين نحو بلادهم بعدة عوامل، منها الاقتصادية بالدرجة الأولى، ومنها السياسية المتعلقة بنظرة السلطات الحاكمة سابقا، لهذه الفئة وما حملته لها من مشاريع لاستقطاب أموالها.
يقول بشير فطومي، عضو الاتحاد العام للجزائريين في المهجر (جمعية غير حكومية تنشط في أوروبا)، إن بدائية النظام المصرفي هي سبب عزوف الجزائريين عن تحويل أموالهم عبر القنوات الرسمية، وهو ما جعل البلاد تخسر مليارات الدولارات سنوياً، فوق الأزمة الاقتصادية التي تمر بها.
ويضيف فطومي في تصريح لـ"العربي الجديد": "لكي يرسل أي جزائري مهاجر أموالا لعائلته أو لأي شخص في الجزائر عليه أن يرسل له أولا دليلاً يثبت مصدر تلك الأموال لكي يقدمها المرسَل له للمصرف الذي يحوز فيه حسابا، ثم بعد ذلك يقوم المصرف بتحويل المبلغ إلى الدينار، أي أنه يمنع أن يسحب المبلغ المُرسل بالعملة الصعبة، حسب قانون النقد الجزائري، وهذا في الحقيقة تعد على الحريات".
ويتابع أنه "في سنوات السبعينيات من القرن الماضي كان الجزائريون المقيمون في فرنسا يرسلون وحدهم ما قيمته مليار دولار (من الفرنك الفرنسي القديم) لأن النظام المصرفي كان أكثر مرونة من اليوم".
وتتبنى السلطة السياسية الجديدة في الجزائر، منذ انتخاب عبد المجيد تبون كرئيسٍ للجمهورية، تصورات اقتصادية تتضمن إيلاء أهمية بالغة للجالية في الخارج والاستفادة من تحويلاتها المالية، وإدماج الجالية في التصورات الاقتصادية المستقبلية والاستفادة من التجارب الناجحة لرجال الأعمال الجزائريين المقيمين في الجزائر.
ومع تراجع خيارات التمويل المتاحة أمام الدولة، ارتفعت الأصوات المطالبة بالبحث عن طرق جديدة لدعم الاقتصاد، عبر مساهمات يتم تحصيلها من المغتربين، الذين شكلوا، على مدار العقود الماضية، واحدا من أهم موارد النقد الأجنبي للاقتصاد الموازي وليس الرسمي، بسبب قوانين المركزي الجزائري الصارمة فيما يتعلق بتحويل الأموال من وإلى الجزائر.
ويقترح عبد الرحمان مبتول، الخبير الاقتصادي ومستشار الحكومة "طرح سندات بالعملة الصعبة للجزائريين في الخارج، لمساعدة بلادهم على تخطي الوضع الاقتصادي الصعب".
ويوضح مبتول أن "الأمر يتطلب تنشيط البعثات الدبلوماسية في البلدان التي يتواجد فيها الجزائريون بكثافة، لإعلام المغتربين بهذا القرض ودعوتهم إلى المساهمة في تمويل الاقتصاد".
ويقول إن الجزائريين في المهجر لديهم رغبة كبيرة في مساعدة بلادهم على تجاوز أزمتها الاقتصادية، ما يجعل طرح قرض على شكل سندات يوجه إلى هذه الفئة، مصدرا مهما لتمويل الميزانية، خاصة أن هذه التمويلات ستكون بالعملة الصعبة.
ويرى أن تحفيز المغتربين على الاستثمار وتقديم التسهيلات اللازمة لهم سيكون أكثر نجاعة لمساعدة الاقتصاد، لافتا إلى أن الاستثمارات يمكنها أن تدر أموالا كبيرة على الجزائر، خاصة أن المقيمين في الخارج لهم من العلاقات ما يسمح لهم بجلب شراكات أجنبية لمشاريعهم ودخول الأسواق بطريقة أيسر من المستثمرين المحليين.