أثارت تصريحات لقائد أركان الجيش الجزائري، نائب وزير الدفاع، الفريق أحمد قايد صالح، أخيراً، أسئلة كثيرة. تحدث الرجل عن تجهيز الجيش ورفع مستوى الجهوزية القتالية و"التجهيز للمعركة" في ما بعد مرحلة القضاء التام على الإرهاب. كلام يدعو إلى التساؤل عما إذا كانت الجزائر تستعد لحرب بالفعل في السنوات المقبلة، ولا سيما في ظل مستوى التجهيز العسكري وصفقات التسلح الكبيرة التي نفذتها الجزائر خلال العقد الأخير لتجديد ترسانة الجيش. وأكد الفريق صالح أن الجيش يقترب من تحقيق هدف القضاء على الإرهاب بشكل كامل في البلد. وقال خلال عملية تفتيش لوحدات الجيش في منطقتي بشار وتندوف الحدودية، أن الجيش الجزائري على وشك إنجاز عملية وضع حد نهائي للإرهاب الذي سيتم رميه "في سلة مهملات التاريخ"، بحسب تعبيره. وأضاف أنه "تزامناً مع الخطوات الجبارة التي تم القيام بها على طريق التطوير وعصرنة الجيش، هناك إصرار من قبل القيادة العليا للجيش على اجتثاث الإرهاب من بلادنا وإلى الأبد، على أن يتم بعد ذلك التفرغ لبناء جيش قوي وعصري".
لكن اللافت في تصريحات قائد الجيش الجزائري تلك التعليمات التي وجهها إلى القادة والضباط الميدانيين في المناطق العسكرية الحدودية، والمتعلقة بالاستعداد الدائم للمعركة والجهوزية القتالية الصارمة. وقال "كنتُ دائماً وأبداً أطالب الأفراد العسكريين بضرورة التقيد الصارم والمتواصل بما تستوجبه خصوصيات المنطقة التي يعملون على مستواها والتكيف السليم مع متطلبات أداء المهام العسكرية". وفي ديسمبر/كانون الأول 2014، نقلت القيادة العسكرية للجيش الجزائري 35 ألف عسكري إضافي، تم توزيعهم على المناطق والمراكز المتقدمة في الحدود، خصوصاً مع تونس وليبيا، لتعزيز مراقبة الحدود، بعد العملية الإرهابية الاستعراضية التي استهدفت منشأة الغاز "بتيقنتورين" في يناير/كانون الثاني 2013. وقبل أسبوعين حذر الفريق صالح مما وصفه "المخططات والدسائس المعادية التي تستهدف الجزائر، والتي تتطلب مزيداً من الحذر واليقظة، ولا سيما في المناطق الحدودية الحيوية مع تونس وليبيا والنيجر ومالي"، بحسب قوله.
وفي الأشهر الأخيرة، كثف قائد أركان الجيش الجزائري زياراته الميدانية الأسبوعية لتفقد الجهوزية القتالية لوحدات الجيش المتمركزة في المناطق الجنوبية والحدودية خاصةَ. وتحدث أخيراً عن نجاح "مسار تطوير القوات المسلحة وتوظيف كافة المعارف العلمية والتكنولوجية المكتسبة" من أجل مواجهة وإفشال كل أشكال التهديدات المحتملة. وأكد أن قيادة الجيش تبذل "جهوداً مضنية على أكثر من صعيد سواء في مجال التكوين والتجهيز أو في مجال المنشآت"، وتحرص على توفير كافة مقومات التطور وجميع موجبات التحديث وكل عوامل "ترقية الجانب العملياتي والقتالي لقوام المعركة"، بحسب تعبيره.
وبلغ حجم الإنفاق العسكري مستويات قياسية، عزاه المحللون إلى إقدام الجزائر على إعادة تطوير وتجديد عتاد الجيش وتجهيزاته، بعد فترة التسعينيات التي عاشت فيها الجزائر حظراً أوروبياً وأميركياً عل مبيعات الأسلحة. وبلغت موازنة الجيش خلال السنوات الماضية، 16 مليار دولار أميركي، وتفوقت موازنة الدفاع للمرة الأولى عام 2012 على موازنة قطاعات حيوية كالتربية والداخلية. وأبرمت الجزائر صفقات تسلح كبيرة مع روسيا وألمانيا وإيطاليا والصين وفرنسا. واقتنت منظومات صواريخ وطائرات وأسلحة تكنولوجية ومنظومات دفاعية متطورة.
وحول تصريحات قائد الجيش الجزائري، ورداً على سؤال حول طبيعة المعركة التي يتحدث عنها المسؤول العسكري، ومع أي طرف يمكن أن تكون، يعتقد المختص في الشؤون الأمنية، حسان خلاص، أن "الجيش الجزائري عاش مرحلة طويلة من حرب استنزاف غير معلنة مع الإرهاب" وأنه "لا يمكن الجزم بنهاية محددة التاريخ للإرهاب". ويلفت إلى أن "هذا الأخير ليس طرفاً تتحارب معه وتنتهي الحرب بمفاوضات وتسوية ونهاية للنزاع أو الصراع".
من جانب آخر، يرى خلاص أن طبيعة أي جيش تقليدي هي الاستعداد للمعركة التي لا يمكن أن يقدر بدقة توقيتها أو الخصم فيها. لذلك يعتقد أن "الحديث عن المعركة في نظر قائد أركان الجيش الجزائري هو من باب التعبئة". لكنه يلفت إلى أن الأمر المؤكد هو أن "الجيش الجزائري لا يخوض معارك خارج حدود الجزائر، وأن المعركة المحتملة هي دفاعية، وقد يظن البعض أن الأمر يتعلق بأميركا لكن ليس هناك ما يسوغ في الوقت الحالي مواجهة تدخل عسكري أميركي مثلاً أو حتى من قبل حلف شمال الأطلسي، إلا بذريعة مواجهة الإرهاب"، بحسب قوله.
ويرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة سعيدة، ميلود ولد الصديق، أن تصريحات الفريق صالح "تستند إلى الهاجس الأمني وطبيعة المتغيرات الإقليمية المتمثلة في تهديدات من طراز تجارة الأسلحة وتهريبها، ولا سيما في حدود الجنوب، إضافة إلى محاصرة داعش". ويضيف أن "المنطقة، في نظر الكثيرين، متجهة نحو مزيد من الاضطرابات الأمنية التي سيكون الجيش الجزائري طرفاً فيها، ليس ضد جيش آخر، ولكن ضد جماعات وتهديدات لا تماثلية" بحسب وصفه.
ولعل الأزمة الليبية هي أكثر عنصر يطرح مخاوف وتوقعات بشأن وقوع حرب محتملة في الفترة المقبلة. هذه الأزمة لم تهدأ وهي مرشحة على أكثر من صعيد للتمدد باتجاه الحدود الجزائرية. كما أن حالة السلم الهشة في شمال مالي والنيجر القريبة من الحدود الجزائرية، وحالة التوتر الدائمة بين المغرب وجبهة البوليساريو، والخلافات المزمنة بين المغرب والجزائر، إضافة إلى التهديدات الأمنية المرتبطة بالنفط والغاز في جنوبي البلاد، تدفع المؤسسة السياسية والعسكرية في الجزائر إلى إعطاء بعد آخر لتقديرات الموقف والتغيرات المتسارعة سواء إقليمياً أو دولياً.