ظهر الآن أن البلد مكشوف الظهر، ونظامه الصحي منهار، كجزء من نظام سياسي متداعٍ أنتج خريطة كبيرة ومتسعة لكل أنواع الخراب. وفي الحقيقة النظام الحاكم كان يعتد بالترسانة الأمنية أكثر من اعتداده بالمستشفيات، والنفخ في أعداد القوة الشرطية وتجهيزها أكثر من تكوين الأطباء، بل ودفعهم للهجرة (ستة آلاف طبيب جزائري في فرنسا وحدها). كما أن الانخراط في سباق تسلح لم يكن متوازياً مع سباق البحث العلمي والابتكار.
إذا تجاوزنا قصة المستشفيات، يبدو أن البلد متأخر جداً حتى في إنجاز نظام الرقمنة والحكومة الإلكترونية التي يفترض أن تكون الأنسب للعمل ولإدارة الشأن العام وتسهيل الحياة والدراسة وغيرها في مثل هذه الظروف أو في حال تعقدت الأوضاع أكثر. تأخر يحدث مقارنة بدول كانت حتى وقت قريب أقل مستوى وبنية تحتية من الجزائر. إذا كان من حسنة واحدة لأزمة وباء كورونا، فهي إعادة وضع الرقمنة والصحة العامة، ليس على سلم الأولويات الحكومية وسياسات تدبير الشأن العام، ولكن في ترتيب دعامات الأمن القومي. هذا زمن بات فيه مصل بحجم قطرة أغلى من دبابة. صحيح أنه قد يكون من اللاموضوعية المقارنة بين مصل ودبابة، وبين ثكنة ومركز بحث، إذ لكل منهما مجالهما الحيوي ودورهما في منظومة الأمن القومي لأي بلد، لكن الواقع يثبت أن قواعد السلامة والسلم تغيرت، مثلما تغيرت قواعد الحروب التي باتت تُخاض بزرّ وطائرة لا يتجاوز حجمها حجم كلاشينكوف.
لعل كورونا الذي يزاحم أزمة أسعار النفط، سيعيد الكثير من الأمور إلى نصابها، لعله يعيد الاعتبار للاهتمام بالنظام الصحي كما تعديل السلوك المجتمعي وأخلقة الفضاء العام، وتوجيه الأهمية القصوى للبحث العلمي والابتكار، مثلما يفترض أن تعيد أزمة النفط الجزائريين إلى الحقل والمزرعة والفكاك من اقتصاد الريع النفطي الذي تتبخر وارداته بشكل سريع.
المجد اليوم للعلم، والإنسان الذي في المختبر هو من سيدخل التاريخ، أكثر من القوة ورجال الاستعراض، والسباق الحقيقي الذي يتوجب أن تخوضه الجزائر بعد التعافي من الأزمة هذه، هو دخول المضمار الصحيح وسباق رفع موازنة البحث العلمي لتقليص الهوة. الفجوة قد يملأها مصل بحجم قطرة ولا تملأها دبابة بحجم بيت.