تنحى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ونسيه الجزائريون سريعاً، لكن مخلفاته السياسية ما زالت تُعقد المشهد الجزائري. حتى وهو يغادر السلطة كان يمكن أن يكون بوتفليقة رجلاً منقذاً للبلد من براثن أزمة وفراغ سياسي مرهق، لكنه لم يكن كذلك، وخلف بعد استقالته ما يجعل البلد مُكبلاً وفي حالة تصادم بين الخيارات الشعبية والدستور.
مكمن التعقيد أن الجزائر تبدو مُقبلة على مرحلة إرهاق سياسي وشعبي، بفعل تحول صدام الخيارات من الشعب والرئاسة، إلى تباين بين خيارات الشعب، الذي لم يعد يطيق وجوه رجالات بوتفليقة في المشهد وعلى شاشات التلفزيون، وطروحات الجيش الذي يصر على تطبيق المخرجات الدستورية. ولأن الجيش هو الفاعل الأبرز في المشهد الجزائري، يدرك الشارع أنه لم يكن ممكناً للبرلمان أن يعقد جلسته النيابية التي تولى بموجبها عبد القادر بن صالح رئاسة الدولة، لولا موافقة العسكر.
يؤسس الجيش موقفه المتباين مع المطلب الشعبي على ثلاثة مخاوف: توجسه من فكرة الهيئة الرئاسية الانتقالية، والتي يعتقد أن مصدرها يأتي ممن وصفهم الجيش بـ"المجموعات المشبوهة"، ثم عدم ثقته في المؤسسة السياسية وفي قدرة قوى المعارضة على التوافق في المرحلة الانتقالية لو تم إقرارها، خصوصاً في ظل الخلافات الواضحة في الرؤى والتصورات، وثالثاً توجُسه من مرحلة انتقالية قد تطول أكثر مما يجب، يجد فيها الجيش نفسه محملاً بأعباء هذه المرحلة، مقارنة مع ما توفره المادة 102 من الدستور من مخرج يقود إلى انتخاب رئيس جمهورية جديد في غضون 90 يوماً، يتحمل الأخير بعدها مسؤولياته.
في عمر الثورات على الأنظمة الشمولية، فإن سبعة أو 10 أسابيع حتى قد تكون فترة كافية لإسقاط النظام، لكن طريق إصلاح النظام تحتاج وقتاً أطول من ذلك بكثير وأدوات أكثر تطوراً من وسائل اللحظة الاحتجاجية. ومأزق الحراك الشعبي في الجزائر أنه لم يمسك بزمام المبادرة ولا يمتلك أدواتها، إذ لا يزال زمام المبادرة بيد الجيش ومؤسسات النظام، كالحكومة المرفوضة شعبياً والبرلمان المعطوب، بخلاف الحالة التونسية مثلاً، والتي أمكن فيها للحراك الثوري أن يطيح بحكومة محمد الغنوشي ويشكل حكومة كفاءات مستقلة، وأن يؤسس برلمان الثورة، الذي وضع الأرضية لعملية الانتقال والخطة الزمنية لها.