الاعتقالات ليست طريقة جيدة لتنظيم الانتخابات مطلقاً، إنها تتنافى كلياً مع سياق حركة شعبية وسلمية طالبت بالتغيير، وتحيل أكثر ما تحيل إلى أجواء توتر، وتخلق القلق ولا تزرع الاطمئنان. في خريف عام 1995، انتخب الجزائريون تحت سطوة الرصاص والتهديد، وفي ما أعقب ذلك أيضاً، ويراد لهم الآن الانتخاب تحت سطوة الإجبار والتخويف باعتقال كل معترض على آلية فرض المسار الانتخابي. بهذه الطريقة تصبح الانتخابات أكثر من مأزق وأقل من حل.
ليس خافياً على أحد أنه ثمّة توجه واضح من قبل السلطة الفعلية، منذ أسابيع، نحو "أمنجة" الشارع وإعادة احتلال كل الفضاءات التي حررها الحراك الشعبي، والعودة بالجزائريين إلى ما قبل 22 فبراير. وحين تصبح الاعتقالات مجرد فقرة في "كرّاس البوليس السياسي"، بين فقرات أخرى عديدة تتضمّن أيضاً الهيمنة على الإعلام وخنق القنوات المستقلة، وإعادة تدوير "النفايات السياسية" التي خدمت النظام طويلاً، واستدعاء "أعيان المدن ومشايخ القبائل" لتأدية خدمة تزكية كل ما تقوم به السلطة الفعلية، وبالطقوس ذاتها التي كانت في عهد عبد العزيز بوتفليقة، يصبح دفتر السلطة لتنظيم الانتخابات مكتملاً وواضحاً، لخّصه قائد الجيش أحمد قايد صالح في قوله "حب من حب كره من كره".
يذكر الجزائريون أن السلطة وعدت هيئة الحوار الوطني بإنفاذ تدابير التهدئة ووقف التضييق على الناشطين والإفراج عن الموقوفين منهم، ورفع الإكراهات على الصحافة حال اكتمال مخرجات الحوار، لكنها لم تفعل ولم يكن متوقعاً منها ذلك، السلطة كانت دائماً بلا أخلاق ولا تعرف شكل الأخلاق أصلاً، لكن ثمّة أزمة أخلاقية أيضاً لدى جزء من قوى المعارضة التي استعذبت المسار الجديد كونه يخدم طموحات ذاتية لقياداتها، وتخلت عن النشطاء ورفاق التغيير في المنتصف، مع أنها تدرك أن أي محاولة لإطلاق مسار ديمقراطي بدون الحريات الأساسية وكفّ يد البوليس السياسي عن الحريات العامة، هو مسار عبثي لا يلبث أن يعيد البلد إلى الوضع السابق نفسه.
الانتخابات النزيهة لا تستقيم مع اعتقال كل صاحب رأي أو موقف مخالف، والديمقراطية تتربّى في البيئة التي يملك فيها الإنسان القدرة على التعبير بدون خوف، تبنى في الفضاءات الحرة وليس في السجون، بالفكرة وليس بالبوليس.