فاقم تأجيل الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، إعلان نواياه بشأن الترشح لولاية رئاسية خامسة من عدمه، من الصراع في محيط الرئاسة والدوائر العليا في الجزائر. وخرج هذا الصراع إلى العلن بفعل المواقف المتشنجة لرجالات بارزين في السلطة ومحيطها ضد بعضهم بعضاً، لكن التصويب هذه المرة تركز بشدة على رئيس الحكومة، أحمد أويحيى، الذي تخيف شخصيته وتشابك علاقاته مع الأمن والجيش والسلطة، المحيط المقرب من بوتفليقة.
وتعهد أويحيى بعدم الترشح للانتخابات الرئاسية المقررة في ربيع 2019 في حال ترشح بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة. وقال أويحيى، في مؤتمر صحافي على هامش اجتماع سياسي لحزبه "التجمع الوطني الديمقراطي"، "لن أنافس بوتفليقة في الانتخابات الرئاسية في حال ترشح لولاية خامسة"، لكنه لم يعلن موقفه في حال لم يترشح بوتفليقة وعين وريثاً سياسياً ومرشحاً باسمه.
دفاع أويحيى عن ولائه لبوتفليقة، ونفيه أن تكون له مطامح في منافسته في الانتخابات الرئاسية المقررة في ربيع 2019، جاءت رداً على تقارير وتصريحات لقيادات حزبية وشخصيات بارزة مقربة من الرئيس تتهم أويحيى بعدم الولاء لبوتفليقة وأنه يطمح للرئاسة. وقال أويحيى، في مؤتمر صحافي عقده أول من أمس، "كل رئيس حزب مسؤول عن كلامه، وأنا لم أخن الرئيس بوتفليقة. هناك قراءات ومناورات سياسية غير بريئة تخص مواقفنا ودعمنا لبوتفليقة. لو لم أكن أحظى بثقة الرئيس ما كان ليعينني رئيساً لديوانه ثم رئيساً للحكومة". وأضاف "هو من ينهي مهامي حين يريد ذلك"، وذلك رداً على تزايد الحديث عن إمكانية إقالته من منصبه، بسبب خلافات بين أويحيى ومحيط بوتفليقة، ووجود صراع بين رئيس الحكومة وبين شقيق الرئيس، سعيد بوتفليقة، الذي تتحدث بعض المصادر عن قيادته لما يوصف "بحكومة ظل".
وقبل أشهر شكك الرجل المقرب من بوتفليقة، عمار سعداني، بصفته أميناً عاماً لجبهة التحرير الوطني، علنياً بشأن نوايا سياسية ورئاسية لأويحيى وعدم التزامه مع بوتفليقة، زاعماً أن الرئيس لا يثق برئيس الحكومة كونه موالياً للقائد السابق لجهاز الاستخبارات، الفريق محمد مدين، الذي أقاله بوتفليقة من منصبه في سبتمبر/أيلول العام 2015، ووصفه "بالرجل غير المخلص". ليس سعداني وحده من يشكك في ولاء رئيس الحكومة لبوتفليقة، فوزير الطاقة الأسبق وأحد أبرز رجالات الرئيس، شكيب خليل، هاجم أويحيى بشدة ووصفه برجل فرنسا في الجزائر. واعتبر أنه يقود بسياساته الحكومية الجزائر إلى الإفلاس، ناهيك عن حملة سياسية وإعلامية قادها ضده الأمين العام الحالي لحزب الرئيس، جمال ولد عباس، خصوصاً بعد قرار أويحيى الخصخصة الجزئية للمؤسسات الاقتصادية العمومية، وتحذيره له من مغبة المساس بالمؤسسات العمومية، ما دفع الرئاسة إلى التدخل. وهو تدخل، تذكر تقارير أن سعيد بوتفليقة الذي يوصف بأنه يقود "حكومة ظل"، هو من يقف وراءه، لسحب ورقة توزيع المؤسسات العمومية على "الكارتل المالي" من يد أويحيى، طلباً لدعم "الكارتل المالي" له ضد خصومه في السلطة.
الحملة السياسية لرجالات بوتفليقة ضد أويحيى دفعته إلى تخصيص جزء كبير من مؤتمره الصحافي، السبت، للدفاع عن نفسه والرد على مواقف محيط الرئاسة، إذ اعتبر أن حزب جبهة التحرير الوطني هو حليفه السياسي في الدفاع عن مصالح الجزائر، وهاجم وزير الطاقة الأسبق، ووصفه بأنه رجل ناكر للخير. وقال "شكيب خليل مواطن وهو مسؤول عن كلامه، لكنه ناكر للخير، وأنا أكبر من دافع عنه". وكان أويحيى يشير إلى دفاعه عن شكيب خليل في العام 2013، عندما وجهت إليه تهمة الفساد المالي وتلقي عمولات ورشى في صفقات نفطية تخص شركة "سوناطراك" وشركات نفط أجنبية. وأعلن النائب العام في الجزائر حينها إصدار مذكرة اعتقال دولية، تم تعطيلها لاحقاً، ما دفع بشكيب خليل للهروب إلى أميركا، قبل أن يعود إلى البلاد في مارس/آذار 2016 بحماية سياسية من الرئيس بوتفليقة.
ويعتقد مراقبون، أن التأكيدات المستمرة لأويحيى بعدم الترشح لمنافسة بوتفليقة في حال ترشح لولاية خامسة، تؤكد شعوره بوجوده خارج العائلة الرئاسية التي ستقرر خط سير رئاسيات 2019، سواء بترشح بوتفليقة، رغم استمرار تداعيات وعكته الصحية، وهذا هو المحتمل بحسب بعض الإشارات السياسية، أو تقديم مرشح ما. كما أن أويحيى يريد تجنب التسرع، لعدم الوصول إلى نفس مصير مدير حملة بوتفليقة في انتخابات 1999 ورئيس حكومته لاحقاً، علي بن فليس، الذي بادر للخروج من جلباب الرئيس وترشح لمنافسته في انتخابات 2014. ويعتقد المحلل السياسي، نصر الدين بن حديد، أن "أويحيى لا يريد أن يقحم نفسه الآن في سباق رئاسي ما دام الرئيس لم يعلن موقفه، ويراهن على استكمال المهمة التي أوكلت إليه، لكنه يراهن على كسب تأييد قطاع واسع من الشخصيات العسكرية والمدنية النافذة والكارتل المالي استعداداً لأي تطور يصب في صالحه".
واللافت أن أويحيى يجتهد في تقديم تطمينات لرجال بوتفليقة ومحيطه، بالاستمرار في دعم الرئيس أياً كانت خياراته وقراراته، لكنه يقدم، في الوقت ذاته، نفسه كمرشح محتمل باسم العائلة الرئاسية في حال عدم ترشح بوتفليقة، عارضاً خدماته كأكثر الشخصيات القادرة على الحفاظ على الميراث السياسي لبوتفليقة. وفي السياق، يعتقد الناشط السياسي، نصر الدين حمدادوش، أن تصريحات أويحيى تفيد أنه "معني بالترشّح إذا لم تكن هناك ولاية خامسة لبوتفليقة، وهو بذلك يبعث برسائل مشفرة لمن يهمه أمر ترتيب الرئاسيات بأنه حاضر في استحقاق 2019"، متسائلاً عما إذا كان "محيط الرئيس سيغفر له هذا الطموح المبكر ويشفع له تملقه المتصاعد للجيش؟".
كيفما كان ترتيب الانتخابات الرئاسية المقبلة، فإنه يتعين على أويحيى انتظار التصفيات الداخلية في السلطة، قبل إقرار مرشح الإجماع الذي يتعين على دوائر الحكم مساندته والعمل لصالحه، خصوصاً وأن أويحيى لا يملك زمام المبادرة أمام الفريق المتمترس بالرئاسة. وقال بن حديد "عرفت الانتخابات الرئاسية في كل دوراتها ما يمكن تسميته بالرئيس التوافقي، أي الذي تتفق عليه الدوائر النافذة داخل البلاد، ومن الصعب جداً أن تشذّ الانتخابات الرئاسيّة المقبلة عن هذه القاعدة. مِن ثم تأتي التصفيات وفقاً لحجم الرهانات وكمّ الشحن والشحن المضاد من الانتخابات ذاتها. وأعتقد أن أحمد أويحيى، بقدرته على المناورة واكتسابه شبكة واسعة جداً من العلاقات، أثبت أنه لا يريد أن يخسر في المراحل الحاسمة، ولذلك فهو يقبل بأن يصبح رجل الدولة ورجل تنفيذ المهام، ويضع طموحه بين يدي السلطة التي تقدر وتقرر مصيره".
لم يعد خافياً الصراع الدائر بين رئيس الحكومة والفريق الرئاسي، لكنه بات يشكل قلقاً وهواجس لدى الرأي العام عن التأثيرات المحتملة لهذا الصراع على الاستقرار العام وتوفير مناخات سياسية ملائمة لرئاسيات 2019. ووجدت قوى المعارضة السياسية نفسها معنية بارتدادات هذا الصراع، إذ دعا رئيس حركة مجتمع السلم، عبد الرزاق مقري، إلى توافق سياسي بين أطراف السلطة، فيما طالب جمال ولد عباس جبهة التحرير الوطني بالتوافق مع رئيس الحكومة، كما أبدى رئيس جبهة المستقبل، عبد العزيز بلعيد قلقه من الصراع الحاصل بين أويحيى ومحيط بوتفليقة، قائلاً "هذا الصراع أظهر لنا سلطة برؤوس متعدّدة، كل رأس فيها يحاول أن يحكم". تخوفات الفريق الرئاسي من طموحات أحمد أويحيى وأهليته السياسية وإمكانية أن يدخل لاعباً فاعلاً في رئاسيات 2019، دفعه إلى تركيز "النيران الصديقة" ضده. وأياً كانت الصراعات السياسية بين "عيال" بوتفليقة، فإن حسابات وتكتيكات الانتخابات الرئاسية وحدها ما تفسر هذا الصراع وترسم مآلاته المحتملة.