لا تخلّف الاعتداءات الإسرائيلية أضراراً في الأراضي والأملاك وفي أجساد أهل الأرض المحتلة فحسب، إنّما كذلك في نفوسهم. ويأتي ذلك في ظلّ غياب العناية اللازمة.
لم يستطع الناشط والمزارع الفلسطيني جمعة ربعي من منطقة التواني في مسافر يطا الواقعة في جنوب الخليل، جنوبي الضفة الغربية، نسيان تاريخ الخامس والعشرين من مارس/ آذار 2018، حين هاجمه خمسة مستوطنين وكاد أحدهم أن يقتله. يخبر ربعي "العربي الجديد": "كانت الساعة السابعة صباحاً، وهاجمني هؤلاء من مستوطنتَي ماعون وهافات ماعون، في أرضي المزروعة بالشعير والعدس. ولأنّني كنت قد خضعت قبل فترة وجيزة لعمليتَين جراحيتَين في البطن، لم أستطع الهرب أو الدفاع عن نفسي، فحطّم المستوطنون عظام ساقي اليسرى بالحجارة ثم أوقعوني من مكان مرتفع. وبعد كلّ هذا التنكيل، جهّز أحد المستوطنين مسدّسه لإنهاء حياتي، لكنّه لم يفعل ذلك. وفي هذه الأثناء، وصل ابني البكر إلى المكان وراح يصرخ للفت انتباه الناس واستجلاب الدعم لإنقاذي. حينها فرّ المستوطنون، وأنا اليوم مُقعد بسبب الحادثة التي أثّرت على حياتي كثيراً". والاعتداء على ربعي حوّله من إنسان منتج إلى مريض يحتاج إلى دعم مالي ممّن حوله. يقول: "منذ الحادثة وأنا أشعر بنظرة الشفقة في عيون الناس بسبب وضعي، فأنا لم أعد قادراً على الإنفاق كما ذي قبل على أطفالي العشرة، وليس لي إلا الصبر واللجوء إلى الله، وكثيراً ما أكتم همومي عن الناس".
تُعَدّ مسافر يطا إحدى المناطق التي يتعرّض سكانها للتنكيل المتواصل، ما يترك آثاراً نفسية عليهم وعلى أبنائهم وعوائلهم. هم قد يلجأون إلى التعامل مع هذه الآثار بالطرق التي اعتادوها، أي الثبات أمام اعتداءات المحتل، إذ ذلك من ضروريات الصمود. لكنّ تنكيل المستوطنين بالفلسطينيين دفع مجموعات ناشطة ضدّ الاستيطان إلى البحث عن حلول عملية للتخفيف من الآثار النفسية المترتّبة على تلك الجرائم في مناطق مثل تلّ الرميدة والبلدة القديمة في الخليل.
يقول الناشط أحمد عمرو من مجموعة "شباب ضد الاستيطان" لـ"العربي الجديد": "بحكم أنّ سكان منطقة تلّ الرميدة والحارات القريبة من الحرم الإبراهيمي في البلدة القديمة من الخليل يعيشون حالة توتّر دائمة مع المستوطنين، فقد عملنا على برامج ترفيهية للأطفال، منها إنشاء رياض للأطفال في شارع الشهداء، وهدفنا أن يكون موقع الرياض في داخل منطقة الحواجز، أي ألا يضطر الطفل إلى عبور حاجز والتعرّض للتنكيل اليومي على يد جنود الاحتلال. فتلك الأماكن الترفيهية وُجدت أصلاً لعلاج الآثار النفسية الناتجة عن الحواجز أو اعتداءات المستوطنين".
وفي حارة غيث الملاصقة للحرم الإبراهيمي، أنشأ "شباب ضد الاستيطان" مركزاً يضمّ حضانة للأطفال. يوضح عمرو: "نظمنا أيضاً دورات تفريغ للأطفال بالدراما والرياضة، ومشروعاً تشغيلياً للنساء يتم العمل على إنجازه منذ العام 2018، على الرغم من المعوّقات الكبيرة التي يضعها الاحتلال في أكثر المناطق الحساسة في عمق الخليل التاريخي والديني". يضيف أنّ "أطفال هذه المناطق في الخليل محرومون من حقوقهم الأساسية، ويشاهدون يومياً كيف يُمارس العنف في حقّ أهاليهم. لذا أنشأنا مركزاً للدعم النفسي للسكان، يقدمه متطوعون من الأراضي الفلسطينية المحتلة في عام 1948، في منطقة حارة السلايمة في البلدة القديمة. لكنّنا اضطررنا إلى إغلاقه بسبب مضايقات الاحتلال المتواصلة، ونأمل من المختصين والمتطوعين أن يواصلوا جهدهم في الدعم النفسي للسكان ومساعدتنا في أداء هذا الدور في الخليل".
الدعم غير متوفر
من جهتها، لم تحظَ منطقة الأغوار الفلسطينية شرقي الضفة الغربية بأيّ نصيب، ولو ضئيلا، من الدعم النفسي، على الرغم من أنّها أكثر مناطق التماس مع الاحتلال في الضفة وسكانها من القرى والتجمعات البدوية يتعرضون لأقسى أشكال الترحيل والتنكيل يومياً. ولا تجد خديجة بشارات من قرية حمصة التحتا في الأغوار أيّ دعم نفسي، فيما المطلوب منها أن تسند طفلاتها الثلاث. تقول لـ"العربي الجديد": "نتعرض يومياً لاعتداءات على يد قوات الاحتلال والمستوطنين، وما أفعله لتخفيف آثار هذه الاعتداءات على طفلاتي هو إبعادهنّ عن موقع الاعتداء أولاً حتى لا يُشاهدنَ ممارسات العنف التي يأتي بها الاحتلال ومستوطنوه. وأعمد في أحيان كثيرة إلى إبقائهنّ في إحدى غرف المنزل ريثما يغادر جنود الاحتلال أو المستوطنون وتنتهي حادثة الاعتداء. كذلك أحاول التحدث معهنّ والتشديد على وجوب عدم الخوف من المستوطنين الذين لن يتمكنوا من إيذائنا". وتشير بشارات إلى "جهد مضاعف أضطر إليه مع إحدى بناتي كونها تعاني ضعفاً في نبضات القلب"، موضحة أنّ "لا عيادات نفسية أو صحية عادية متوفّر هنا في الأغوار. لا أحد يهتم بدعمنا نفسياً بالتزامن مع خطة الضمّ التي ينفذها الاحتلال. وهذا يُشكّل ضغطاً نفسياً إضافياً علينا. لدينا أسئلة كثيرة من دون إجابات حول مصيرنا مع تطبيق الضمّ فعلياً".
في سياق متصل، يحكي عامر عودة من قرية بيت سكاريا الواقعة إلى جنوب غرب بيت لحم، جنوبي الضفة الغربية، وهي إحدى الخرب الفلسطينية القليلة الواقعة في داخل تجمع غوش عتصيون الاستيطاني جنوبي الضفة، عن اعتداءات المستوطنين. يقول لـ"العربي الجديد" إنّ "المستوطنين لم يتركوا اعتداءً إلا ومارسوه، مضيفاً: "لديّ ثلاثة أطفال يسألون دائماً عن سبب عدم قدرتي على توسيع منزلنا وبناء المزيد من الغرف، علماً أنّ الأمر مرهون بمنع الاحتلال البناء وهو ما يشكّل ضغطاً نفسياً عليّ وعلى أطفالي". ويتابع: "أنا متعب من مضايقات الاحتلال، وسعيد لأنّني وجدت من يسمعني. فأنا لا أستطيع الشكوى لمن حولي، فلكل منهم همومه. وأحاول التخفيف عن أطفالي بدعوتهم إلى الاهتمام بالأرض، فنزرع معاً أرضنا التي تبعد أمتاراً عن المستوطنات المحيطة بنا من كلّ صوب".
اقــرأ أيضاً
الاحتضان والتعود جزء من العلاج
بالنسبة إلى بعض الناس، فإنّ التعوّد قد يكون جزءاً من علاج الآثار التي تخلّفها اعتداءات الاحتلال ومستوطنيه. ويقول الناشط عماد أبو شمسية الذي يتعرّض منزله في منطقة تل الرميدة على الدوام لاعتداءات المستوطنين لـ"العربي الجديد": "لقد اعتدنا على ذلك، وقبل سنوات كان أطفالي يعانون كوابيس في أثناء نومهم بسبب تكرر الاعتداءات. لكن مع مرور الوقت، صارت لديهم مناعة بحسب ما يبدو، وهذا الأمر ينطبق على أطفال المنطقة الذين تجاوزوا الخوف من المستوطنين. والدليل على ذلك أنّهم يلعبون في الشوارع". يضيف أبو شمسية أنّه "على الرغم من أنّ أصغر أطفالي الخمسة يبلغ من العمر 14 عاماً، فإنّني ما زلت قبل كلّ شيء أحتضنهم عند تعرّضهم لاعتداء من قبل جنود الاحتلال أو مستوطنيه، ثمّ أشجّعهم على الثبات أمام هذه الاعتداءات مشدداً على أنّ هذا هو الاحتلال وهذا منزلنا ويجب علينا الصمود". ويتابع: "يحصل أحياناً أنّني أنصح أبنائي بتجاهل استفزازات الاحتلال على الحواجز، تجنّباً لأيّ ضرر نفسي إضافي أو لاعتداء أكبر أو لاعتقال بسبب الردّ على هذه المضايقات".
الاحتواء النفسي في مناطق التماس
ترى المتخصصة النفسية اعتدال الجريري أنّ "الدعم النفسي الواجب اتباعه في مناطق التماس مع الاحتلال والمستوطنين ينطوي على ثلاث نقاط تخصّ الأطفال تحديداً، إذ إنّهم الفئة الأكثر تأثّراً بالاعتداءات على الصعيد النفسي". وتقول الجريري لـ"العربي الجديد" إنّه "على الأهالي الذي يتعرّضون لاعتداءات المستوطنين العثور على آذان صاغية لشكواهم، وقد يشكّلون هم الآذان الصاغية لأطفالهم عند تعرّضهم بدورهم لاعتداء. وهذا أمر مهم جداً، إذ يتوجّب على الأهل عدم إهمال شكوى الطفل بخصوص اعتداء ما، وإبقاء قناة الحوار مفتوحة بينهم. وفي حال ظهرت على الطفل سلوكيات غريبة لم يتمكّن الأهل من تطويقها، من المفضّل اللجوء إلى مقدّمي الخدمات الاجتماعية والنفسية". وتشير الجريري إلى "الدور النفسي الداعم الذي بدأت مدارس عدّة بالالتفات إليه، خصوصاً تلك التي يجتاز تلاميذها حواجز للاحتلال في طريقهم إليها وعودتهم منها". تضيف أنّ "المدارس بدأت بتنفيذ التدخلات العلاجية للآثار النفسية على التلاميذ نتيجة اعتداءات المستوطنين، فلجأ بعض منها إلى الفنون المختلفة كالرسم والغناء بالإضافة إلى اللعب وممارسة الرياضة لتفريغ الطاقات ومعالجة السلوكيات العنيفة الناجمة عن التعرّض للاعتداء".
تعويل على الوعي
لا يبعد منزل عائلة نسرين فنون في بلدة نحالين الواقعة إلى غرب بيت لحم، جنوبي الضفة الغربية، كثيراً عن مستوطنة بيتار عيليت المقامة على أراضي البلدة. وتؤكد فنون لـ"العربي الجديد" أنّها تعوّل على "وعي ابنتها (13 عاماً) وابنها (23 عاماً) لفهم طبيعة الصراع مع الاحتلال ومستوطنيه والمرحلة التي نمرّ بها نحن الفلسطينيين مع الاحتلال". وتشير فنون من جهة أخرى، إلى أنّ "السكان يدعمون بعضهم بعضاً من خلال تداول أخبار الاعتداءات. فعندما يعمد مستوطنون مثلاً إلى رشق مركبات السكان بالحجارة في منطقة واد البقرة القريبة من المستوطنة، يخبر من وقع الاعتداء عليه البقية كي يحتاطوا".
وصحّة الأطفال النفسية تعتمد كذلك على صحّة الأمهات اللواتي يحتجنَ بدورهنّ إلى دعم نفسي، خصوصاً اللواتي تقع منازلهنّ على بعد أمتار من المستوطنات. وتوضح الجريري أنّ "أفضل الطرق النفسية التي قد تتّبعها الأمهات الفلسطينيات في مناطق التماس مع الاحتلال والمستوطنين، هو التفتيش عن وسائل ترفيهية تحبّها الواحدة منهنّ وإشغال نفسها بها، أو محاولة خلق أجواء خاصة بها، أو ممارسة هواية ما، لا سيّما عندما يكون أولادها في المدرسة وزوجها في العمل".
تُعَدّ مسافر يطا إحدى المناطق التي يتعرّض سكانها للتنكيل المتواصل، ما يترك آثاراً نفسية عليهم وعلى أبنائهم وعوائلهم. هم قد يلجأون إلى التعامل مع هذه الآثار بالطرق التي اعتادوها، أي الثبات أمام اعتداءات المحتل، إذ ذلك من ضروريات الصمود. لكنّ تنكيل المستوطنين بالفلسطينيين دفع مجموعات ناشطة ضدّ الاستيطان إلى البحث عن حلول عملية للتخفيف من الآثار النفسية المترتّبة على تلك الجرائم في مناطق مثل تلّ الرميدة والبلدة القديمة في الخليل.
يقول الناشط أحمد عمرو من مجموعة "شباب ضد الاستيطان" لـ"العربي الجديد": "بحكم أنّ سكان منطقة تلّ الرميدة والحارات القريبة من الحرم الإبراهيمي في البلدة القديمة من الخليل يعيشون حالة توتّر دائمة مع المستوطنين، فقد عملنا على برامج ترفيهية للأطفال، منها إنشاء رياض للأطفال في شارع الشهداء، وهدفنا أن يكون موقع الرياض في داخل منطقة الحواجز، أي ألا يضطر الطفل إلى عبور حاجز والتعرّض للتنكيل اليومي على يد جنود الاحتلال. فتلك الأماكن الترفيهية وُجدت أصلاً لعلاج الآثار النفسية الناتجة عن الحواجز أو اعتداءات المستوطنين".
وفي حارة غيث الملاصقة للحرم الإبراهيمي، أنشأ "شباب ضد الاستيطان" مركزاً يضمّ حضانة للأطفال. يوضح عمرو: "نظمنا أيضاً دورات تفريغ للأطفال بالدراما والرياضة، ومشروعاً تشغيلياً للنساء يتم العمل على إنجازه منذ العام 2018، على الرغم من المعوّقات الكبيرة التي يضعها الاحتلال في أكثر المناطق الحساسة في عمق الخليل التاريخي والديني". يضيف أنّ "أطفال هذه المناطق في الخليل محرومون من حقوقهم الأساسية، ويشاهدون يومياً كيف يُمارس العنف في حقّ أهاليهم. لذا أنشأنا مركزاً للدعم النفسي للسكان، يقدمه متطوعون من الأراضي الفلسطينية المحتلة في عام 1948، في منطقة حارة السلايمة في البلدة القديمة. لكنّنا اضطررنا إلى إغلاقه بسبب مضايقات الاحتلال المتواصلة، ونأمل من المختصين والمتطوعين أن يواصلوا جهدهم في الدعم النفسي للسكان ومساعدتنا في أداء هذا الدور في الخليل".
الدعم غير متوفر
من جهتها، لم تحظَ منطقة الأغوار الفلسطينية شرقي الضفة الغربية بأيّ نصيب، ولو ضئيلا، من الدعم النفسي، على الرغم من أنّها أكثر مناطق التماس مع الاحتلال في الضفة وسكانها من القرى والتجمعات البدوية يتعرضون لأقسى أشكال الترحيل والتنكيل يومياً. ولا تجد خديجة بشارات من قرية حمصة التحتا في الأغوار أيّ دعم نفسي، فيما المطلوب منها أن تسند طفلاتها الثلاث. تقول لـ"العربي الجديد": "نتعرض يومياً لاعتداءات على يد قوات الاحتلال والمستوطنين، وما أفعله لتخفيف آثار هذه الاعتداءات على طفلاتي هو إبعادهنّ عن موقع الاعتداء أولاً حتى لا يُشاهدنَ ممارسات العنف التي يأتي بها الاحتلال ومستوطنوه. وأعمد في أحيان كثيرة إلى إبقائهنّ في إحدى غرف المنزل ريثما يغادر جنود الاحتلال أو المستوطنون وتنتهي حادثة الاعتداء. كذلك أحاول التحدث معهنّ والتشديد على وجوب عدم الخوف من المستوطنين الذين لن يتمكنوا من إيذائنا". وتشير بشارات إلى "جهد مضاعف أضطر إليه مع إحدى بناتي كونها تعاني ضعفاً في نبضات القلب"، موضحة أنّ "لا عيادات نفسية أو صحية عادية متوفّر هنا في الأغوار. لا أحد يهتم بدعمنا نفسياً بالتزامن مع خطة الضمّ التي ينفذها الاحتلال. وهذا يُشكّل ضغطاً نفسياً إضافياً علينا. لدينا أسئلة كثيرة من دون إجابات حول مصيرنا مع تطبيق الضمّ فعلياً".
في سياق متصل، يحكي عامر عودة من قرية بيت سكاريا الواقعة إلى جنوب غرب بيت لحم، جنوبي الضفة الغربية، وهي إحدى الخرب الفلسطينية القليلة الواقعة في داخل تجمع غوش عتصيون الاستيطاني جنوبي الضفة، عن اعتداءات المستوطنين. يقول لـ"العربي الجديد" إنّ "المستوطنين لم يتركوا اعتداءً إلا ومارسوه، مضيفاً: "لديّ ثلاثة أطفال يسألون دائماً عن سبب عدم قدرتي على توسيع منزلنا وبناء المزيد من الغرف، علماً أنّ الأمر مرهون بمنع الاحتلال البناء وهو ما يشكّل ضغطاً نفسياً عليّ وعلى أطفالي". ويتابع: "أنا متعب من مضايقات الاحتلال، وسعيد لأنّني وجدت من يسمعني. فأنا لا أستطيع الشكوى لمن حولي، فلكل منهم همومه. وأحاول التخفيف عن أطفالي بدعوتهم إلى الاهتمام بالأرض، فنزرع معاً أرضنا التي تبعد أمتاراً عن المستوطنات المحيطة بنا من كلّ صوب".
الاحتضان والتعود جزء من العلاج
بالنسبة إلى بعض الناس، فإنّ التعوّد قد يكون جزءاً من علاج الآثار التي تخلّفها اعتداءات الاحتلال ومستوطنيه. ويقول الناشط عماد أبو شمسية الذي يتعرّض منزله في منطقة تل الرميدة على الدوام لاعتداءات المستوطنين لـ"العربي الجديد": "لقد اعتدنا على ذلك، وقبل سنوات كان أطفالي يعانون كوابيس في أثناء نومهم بسبب تكرر الاعتداءات. لكن مع مرور الوقت، صارت لديهم مناعة بحسب ما يبدو، وهذا الأمر ينطبق على أطفال المنطقة الذين تجاوزوا الخوف من المستوطنين. والدليل على ذلك أنّهم يلعبون في الشوارع". يضيف أبو شمسية أنّه "على الرغم من أنّ أصغر أطفالي الخمسة يبلغ من العمر 14 عاماً، فإنّني ما زلت قبل كلّ شيء أحتضنهم عند تعرّضهم لاعتداء من قبل جنود الاحتلال أو مستوطنيه، ثمّ أشجّعهم على الثبات أمام هذه الاعتداءات مشدداً على أنّ هذا هو الاحتلال وهذا منزلنا ويجب علينا الصمود". ويتابع: "يحصل أحياناً أنّني أنصح أبنائي بتجاهل استفزازات الاحتلال على الحواجز، تجنّباً لأيّ ضرر نفسي إضافي أو لاعتداء أكبر أو لاعتقال بسبب الردّ على هذه المضايقات".
الاحتواء النفسي في مناطق التماس
ترى المتخصصة النفسية اعتدال الجريري أنّ "الدعم النفسي الواجب اتباعه في مناطق التماس مع الاحتلال والمستوطنين ينطوي على ثلاث نقاط تخصّ الأطفال تحديداً، إذ إنّهم الفئة الأكثر تأثّراً بالاعتداءات على الصعيد النفسي". وتقول الجريري لـ"العربي الجديد" إنّه "على الأهالي الذي يتعرّضون لاعتداءات المستوطنين العثور على آذان صاغية لشكواهم، وقد يشكّلون هم الآذان الصاغية لأطفالهم عند تعرّضهم بدورهم لاعتداء. وهذا أمر مهم جداً، إذ يتوجّب على الأهل عدم إهمال شكوى الطفل بخصوص اعتداء ما، وإبقاء قناة الحوار مفتوحة بينهم. وفي حال ظهرت على الطفل سلوكيات غريبة لم يتمكّن الأهل من تطويقها، من المفضّل اللجوء إلى مقدّمي الخدمات الاجتماعية والنفسية". وتشير الجريري إلى "الدور النفسي الداعم الذي بدأت مدارس عدّة بالالتفات إليه، خصوصاً تلك التي يجتاز تلاميذها حواجز للاحتلال في طريقهم إليها وعودتهم منها". تضيف أنّ "المدارس بدأت بتنفيذ التدخلات العلاجية للآثار النفسية على التلاميذ نتيجة اعتداءات المستوطنين، فلجأ بعض منها إلى الفنون المختلفة كالرسم والغناء بالإضافة إلى اللعب وممارسة الرياضة لتفريغ الطاقات ومعالجة السلوكيات العنيفة الناجمة عن التعرّض للاعتداء".
تعويل على الوعي
لا يبعد منزل عائلة نسرين فنون في بلدة نحالين الواقعة إلى غرب بيت لحم، جنوبي الضفة الغربية، كثيراً عن مستوطنة بيتار عيليت المقامة على أراضي البلدة. وتؤكد فنون لـ"العربي الجديد" أنّها تعوّل على "وعي ابنتها (13 عاماً) وابنها (23 عاماً) لفهم طبيعة الصراع مع الاحتلال ومستوطنيه والمرحلة التي نمرّ بها نحن الفلسطينيين مع الاحتلال". وتشير فنون من جهة أخرى، إلى أنّ "السكان يدعمون بعضهم بعضاً من خلال تداول أخبار الاعتداءات. فعندما يعمد مستوطنون مثلاً إلى رشق مركبات السكان بالحجارة في منطقة واد البقرة القريبة من المستوطنة، يخبر من وقع الاعتداء عليه البقية كي يحتاطوا".
وصحّة الأطفال النفسية تعتمد كذلك على صحّة الأمهات اللواتي يحتجنَ بدورهنّ إلى دعم نفسي، خصوصاً اللواتي تقع منازلهنّ على بعد أمتار من المستوطنات. وتوضح الجريري أنّ "أفضل الطرق النفسية التي قد تتّبعها الأمهات الفلسطينيات في مناطق التماس مع الاحتلال والمستوطنين، هو التفتيش عن وسائل ترفيهية تحبّها الواحدة منهنّ وإشغال نفسها بها، أو محاولة خلق أجواء خاصة بها، أو ممارسة هواية ما، لا سيّما عندما يكون أولادها في المدرسة وزوجها في العمل".