تُطالعنا الدوريات العلمية وكبريات الصحف العالمية، كل يوم، بنتائج دراسات جديدة في جوانب عدة متعلقة بالصحة. ويشهد هذا الحقل المعرفي والحيوي طفرة عددية ونوعية في عدد الأبحاث والدوريات الناشرة لها؛ إذ تشير التقديرات إلى أنّ زهاء 30 ألف دراسة علمية تنشر سنوياً في ما يناهز ذات الرقم من هذه الدوريات.
وفي الغالب الأعم، تضطلع جامعات ومراكز ومعاهد بحثية متخصصة بإجراء هذه الدراسات، ويقوم كبار الأساتذة الجامعيين ذوي الاختصاص بالإشراف عليها، ومن المعروف أنّ إنتاج المعرفة العلمية يسير وفق معايير للتحكم بالجودة، والتي صمّمت لتصفية الأخطاء والتحيُّزات، مثل ما يدعى بتقييم النظراء الذي يقوم فيه مختصون في ذات الموضوع المدروس بمراجعة البيانات قبل نشرها، كما تظل الدراسة خاضعة للنقد والتصحيح حتى بعد النشر.
ويُسحَب، سنوياً، قرابة 2% من الأبحاث المنشورة بعد اكتشاف أخطاء جسيمة فيها تستدعي إعادة مراجعتها؛ مما يشير إلى احتمالية عدم توفير كامل البيانات المتعلقة بالدراسة إلى العلماء المراجعين، والتي تخفي مخالفات غير مسموحة، من قبيل تزييف النتائج والتلاعب بها لتضليل الشارع العلمي، أو ربما لا يتوفر المراجعون على مؤهلات كافية لتدقيق التحليلات الإحصائية المركبة، والنتائج الواقعة في اختصاص مغاير لخبراتهم.
مما لا شك فيه، أنّ مثل هذه الدراسات تتطلب مقومات مادية لتوفير سائر التكاليف المتعلقة بالبحث العملي، وتستغل الشركات الكبرى هذه الثغرة للدخول إلى الميدان، ومحاولة التأثير في توجهات الأبحاث الطبية ونشرها وطريقة تقديم نتائجها؛ لأغراض تجارية بحتة، تتسق مع مصالح الشركات في التسويق لمنتجاتها الدوائية والغذائية، أو إشاحة النظر عن أضرارها ومخاطرها. وتحظى الدراسات الطبية بموثوقية عالية عند كثير من مقدمي الرعاية والناس العاديين. وقد يعتمدون على النتائج في اتخاذ قرارات حياتية مهمة، تتعلق بأسلوب العيش والأدوية والإجراءات الطبية.
ظهر مصطلح "تأثير التمويل" في ثمانينيات القرن المنصرم بعد جملة من التقارير، أظهرت اختلافاً جوهرياً بين نتائج الدراسات الدوائية المموَّلة من القطاع الخاص، وتلك المموَّلة عمومياً، كما وُجِد تأثير التمويل في أبحاث التدخين والتسمم الكيميائي. وتحاول الجهات المانحة التأثير في مسار ومقررات البحث؛ بغرض الحصول على خُلاصات تحرف الحقيقة حول الفرضيات الخاضعة للاختبار، أو تنقص من شأن مصداقية المعارف الموجودة حولها، بشكل يُظهر منتجات معينة كأنّها خيار صحي لا ينطوي استخدامه على مخاطر صحية.
ويتجلّى التحيز هنا في عدة جوانب خلال مراحل البحث العلمي؛ بدءاً من طريقة البحث، ومروراً بجمع العينات، ووصولاً إلى تحليل البيانات أو تفسير النتائج من وجهة نظر المشرفين على البحث، الذين يتأثرون بالجهات المموِّلة، ويبقونها على اطلاع على النتائج أولاً بأول؛ لتقرير إمكانية نشر الدراسة أو عدمها، تبعاً لتساوق النتائج مع مصالحها الخاصة.
وتبقى العديد من الجوانب في الظل عندما يتعلق الأمر بالقصة الكاملة حول الأدوية والمنتجات والمعدات الطبية المستخدمة؛ فغالباً لا تنشر الشركات الدوائية والغذائية إلا النتائج الإيجابية، تاركةً المكتشفات السلبية، والتي قد ترجح على المنافع المتأتية من المنتج نفسه؛ مما قد يعرض مستخدميها للخطر
على سبيل المثال، صُعق الوسط الطبي عام 2008 عندما ذكرت مجلة "نيو إنغلاند" الطبية أنّ الدراسات، غير المنشورة عن مضادات الاكتئاب، ساهمت في إظهار هذه الأدوية على أنها تعمل أفضل بكثير مما هي عليه في واقع الحال. فمن أصل 74 دراسة مسجلة لدى إدارة الغذاء والدواء الأميركية، أظهرت 37 منها فقط نتائج إيجابية، وانتهى المطاف بنشرها؛ بينما لم يحظَ معظم الدراسات التي توفرت على نتائج سلبية بفرصة النشر، أو خضعت بياناتها للتحريف لتبدو ذات أثر إيجابي؛ وبذلك خلقت المعلومات الناقصة أو المضللة انطباعاً بأنّ 94% من محاولات استقصاء تأثير مضادات الاكتئاب جاءت بالإيجاب، لكن في الحقيقة، تبيَّن من إجمالي الدراسات المتعلقة بهذه الأدوية أنّ نسبة الدراسات، التي حققت هذه النتائج، لم تتجاوز 51%.
اقــرأ أيضاً
وفي الغالب الأعم، تضطلع جامعات ومراكز ومعاهد بحثية متخصصة بإجراء هذه الدراسات، ويقوم كبار الأساتذة الجامعيين ذوي الاختصاص بالإشراف عليها، ومن المعروف أنّ إنتاج المعرفة العلمية يسير وفق معايير للتحكم بالجودة، والتي صمّمت لتصفية الأخطاء والتحيُّزات، مثل ما يدعى بتقييم النظراء الذي يقوم فيه مختصون في ذات الموضوع المدروس بمراجعة البيانات قبل نشرها، كما تظل الدراسة خاضعة للنقد والتصحيح حتى بعد النشر.
ويُسحَب، سنوياً، قرابة 2% من الأبحاث المنشورة بعد اكتشاف أخطاء جسيمة فيها تستدعي إعادة مراجعتها؛ مما يشير إلى احتمالية عدم توفير كامل البيانات المتعلقة بالدراسة إلى العلماء المراجعين، والتي تخفي مخالفات غير مسموحة، من قبيل تزييف النتائج والتلاعب بها لتضليل الشارع العلمي، أو ربما لا يتوفر المراجعون على مؤهلات كافية لتدقيق التحليلات الإحصائية المركبة، والنتائج الواقعة في اختصاص مغاير لخبراتهم.
مما لا شك فيه، أنّ مثل هذه الدراسات تتطلب مقومات مادية لتوفير سائر التكاليف المتعلقة بالبحث العملي، وتستغل الشركات الكبرى هذه الثغرة للدخول إلى الميدان، ومحاولة التأثير في توجهات الأبحاث الطبية ونشرها وطريقة تقديم نتائجها؛ لأغراض تجارية بحتة، تتسق مع مصالح الشركات في التسويق لمنتجاتها الدوائية والغذائية، أو إشاحة النظر عن أضرارها ومخاطرها. وتحظى الدراسات الطبية بموثوقية عالية عند كثير من مقدمي الرعاية والناس العاديين. وقد يعتمدون على النتائج في اتخاذ قرارات حياتية مهمة، تتعلق بأسلوب العيش والأدوية والإجراءات الطبية.
ظهر مصطلح "تأثير التمويل" في ثمانينيات القرن المنصرم بعد جملة من التقارير، أظهرت اختلافاً جوهرياً بين نتائج الدراسات الدوائية المموَّلة من القطاع الخاص، وتلك المموَّلة عمومياً، كما وُجِد تأثير التمويل في أبحاث التدخين والتسمم الكيميائي. وتحاول الجهات المانحة التأثير في مسار ومقررات البحث؛ بغرض الحصول على خُلاصات تحرف الحقيقة حول الفرضيات الخاضعة للاختبار، أو تنقص من شأن مصداقية المعارف الموجودة حولها، بشكل يُظهر منتجات معينة كأنّها خيار صحي لا ينطوي استخدامه على مخاطر صحية.
ويتجلّى التحيز هنا في عدة جوانب خلال مراحل البحث العلمي؛ بدءاً من طريقة البحث، ومروراً بجمع العينات، ووصولاً إلى تحليل البيانات أو تفسير النتائج من وجهة نظر المشرفين على البحث، الذين يتأثرون بالجهات المموِّلة، ويبقونها على اطلاع على النتائج أولاً بأول؛ لتقرير إمكانية نشر الدراسة أو عدمها، تبعاً لتساوق النتائج مع مصالحها الخاصة.
وتبقى العديد من الجوانب في الظل عندما يتعلق الأمر بالقصة الكاملة حول الأدوية والمنتجات والمعدات الطبية المستخدمة؛ فغالباً لا تنشر الشركات الدوائية والغذائية إلا النتائج الإيجابية، تاركةً المكتشفات السلبية، والتي قد ترجح على المنافع المتأتية من المنتج نفسه؛ مما قد يعرض مستخدميها للخطر
على سبيل المثال، صُعق الوسط الطبي عام 2008 عندما ذكرت مجلة "نيو إنغلاند" الطبية أنّ الدراسات، غير المنشورة عن مضادات الاكتئاب، ساهمت في إظهار هذه الأدوية على أنها تعمل أفضل بكثير مما هي عليه في واقع الحال. فمن أصل 74 دراسة مسجلة لدى إدارة الغذاء والدواء الأميركية، أظهرت 37 منها فقط نتائج إيجابية، وانتهى المطاف بنشرها؛ بينما لم يحظَ معظم الدراسات التي توفرت على نتائج سلبية بفرصة النشر، أو خضعت بياناتها للتحريف لتبدو ذات أثر إيجابي؛ وبذلك خلقت المعلومات الناقصة أو المضللة انطباعاً بأنّ 94% من محاولات استقصاء تأثير مضادات الاكتئاب جاءت بالإيجاب، لكن في الحقيقة، تبيَّن من إجمالي الدراسات المتعلقة بهذه الأدوية أنّ نسبة الدراسات، التي حققت هذه النتائج، لم تتجاوز 51%.