قبل أن تبدأ الجامعة اللبنانية عامها الجامعي 2018 - 2019، تعرضت لوابل من الأسئلة التي تطاول مصيرها في مواجهة تيار الانحطاط الجارف الذي يكتسحها، والذي يبرز في مستويات عدة
في لبنان عادة باتت راسخة لدى الأحزاب والقوى والأفراد، وكذلك السلطات، فهنا تجري "مواجهة" المشاكل بتجاهل وجودها. الجامعة اللبنانية، وهي أكبر مؤسسة للتعليم العالي في البلاد، والجامعة الوحيدة الرسمية المفتوحة الأبواب أمام كلّ اللبنانيين، تواجه مشاكل كثيرة، منها ما يحكى عن دراسة عدد من دول الاتحاد الأوروبي مسألة استمرار الاعتراف بشهاداتها، وبالتالي وقف السماح لمتخرجيها بمتابعة دراساتهم العليا في تلك الدول، مع العلم أنّ الجامعات الخاصة في لبنان تعادل شهاداتها بشهادة الجامعة اللبنانية التي تعتبر المقياس أو المعيار الذي تقاس عليه بقية الشهادات الصادرة في البلاد. ولا بدّ من مواجهة تلك المشاكل بعدم تجاهلها هذه المرة.
انهيار نوعي
يشهد وضع هذه المؤسسة تردياً غير مسبوق جرّاء التنكر للمعايير الأكاديمية، وحلول المقاييس الطائفية محلها. وهو ما ينبع ويصبّ في بحر التنازع على المواقع، أو ما يسمّى بالمحاصصة التي باتت مكرسة في أعراف كلّ القوى الطائفية من دون أن ينفي ذلك مسؤولية قوى طائفية بعينها أكثر من غيرها، نتيجة إمساكها بمقاليد القرارات. ويتجلى هذا المنحى منذ باتت مواقع الفئة الأولى وغيرها مفرزة للطوائف بحسب أوزانها السياسية وغير السياسية. وعليه، فقد بات المعيار هو الطائفية دون غيرها. ينطبق ذلك في الرئاسة، كما يصح في العمادات والمديرين، وصولاً إلى الإداريين والمدربين وغيرهم ممن هم جسم الجامعة وهيكلها. لكنّ الأكثر كارثية يبقى معيار الاختيار للأساتذة، فقد أصبح العامل المقرر والمحدِّد لاختيار الأساتذة في عمليات التعاقد أولاً، والتفرغ ثانياً، هو الولاء السياسي للمرجعيات الطائفية الكبرى.
هكذا يعود خائباً كلّ من "لا ظهر" له، تبعاً للتعبير اللبناني السائد، ويُحرم من مجرد ساعات
تعاقد ناهيك عن التفرغ، ويُحصر الامتياز بالمحظوظين من المرضي عنهم لدى المرجعيات السياسية الطائفية. وفي هذا الإطار، تشهد الجامعة حالات غرائبية تضع أساتذة في صلب عمليات التدريس باختصاصات لا علاقة لهم بها من قريب أو بعيد، وتُحرم الجامعة من أساتذة هي في أمسّ الحاجة إليهم ويملكون كفاءات تقدم إضافة نوعية على عطاء الجامعة ودورها.
كنتيجة لهذا الخلل الطائفي ونظام المحاصصة تنشأ وتتكاثر مختلف الارتكابات المشينة في عالم التعليم العالي. والملفت أنّ الجامعة اللبنانية يكثر الحديث عن مآسيها بينما الكثير من مؤسسات التعليم الخاص أشبه ما يكون بالدكاكين أو "البوتيكات"، على حدّ وصف وزير الثقافة الأسبق غسان سلامة.
دلالات أبعد
ما تعانيه الجامعة اللبنانية، هو مجرد مظهر من مظاهر الانحطاط العام الذي تفرزه حياة سياسية باتت بائسة إلى درجة يندر وجود مثيل لها، خلافاً لما كانت عليه. ومع أنّ ملف الجامعة قد فتح، لكنّه مجرد مؤشر على حياة أكاديمية غير سليمة يعاني منها لبنان، إذ من المعروف أنّ في لبنان حالياً 50 مؤسسة للتعليم العالي، منها 35 جامعة والبقية عبارة عن معاهد وكليات بعضها متخصص بالتعليم الديني. وهذه الأعداد موزعة على مختلف الطوائف من الكبيرة إلى الصغيرة، وقد صدرت مراسيم إنشائها بقرارات من مجلس الوزراء الذي يملك وحده حقاً حصرياً بالترخيص لها.
اقــرأ أيضاً
تملك الجامعة الرسمية الوحيدة أكبر عدد من الأساتذة المتفرغين في ملاكها، كما أنّها ما زالت عبر كلياتها الـ19 وفروعها الـ60 المنتشرة في مختلف المناطق اللبنانية تملك ما نسبته 36 في المائة من عدد طلاب التعليم العالي في لبنان، علماً أنّ هذه النسبة انخفضت من 60 في المائة تباعاً حتى وصلت إلى هذه النسبة المتدنية. الجامعة اللبنانية نشأت عام 1951، وقامت بعد صراعات دامية خاضها الطلاب، كاسرة احتكار هذا التعليم من قبل كلّ من "الجامعة الأميركية في بيروت" التي تأسست عام 1866 و"جامعة القديس يوسف" التي تأسست عام 1875، وتلتهما "جامعة بيروت العربية" التي تأسست أواسط الستينيات كفرع تابع لـ"جامعة الإسكندرية" في مصر. وتكاملت بُنية الجامعة اللبنانية في العقود اللاحقة وصدرت أنظمتها وقوانينها في مراحل مختلفة، كما وسعت نطاق تدريسها من الحقوق والآداب والعلوم الاجتماعية، إلى الطب والهندسة والصحة والزراعة خلال عقود السبعينيات والثمانينيات. وتملك الجامعة أكبر حرم جامعي في منطقة الحدث على مشارف بيروت.
المعركة الدائرة حول اتهام رئيس الجامعة اللبنانية، فؤاد أيوب، بتزوير شهاداته، وردّه بدعوى قضائية على ذلك، شكلت مادة سجال حامية، ودخلت على الخط قضية اعتراف دول الاتحاد الأوروبي بشهاداتها من عدمه، بعدما زعم رئيس "جمعية أصدقاء الجامعة اللبنانية" أنطوان صياح، أنّ الاتحاد الأوروبي هدد الجامعة بعدم الاعتراف بشهاداتها إذا لم تقم بإصلاح مناهجها خلال 3 سنوات. وعلى الفور ردت رئاسة الجامعة أنّها هي التي طلبت من المجلس العالي لتقييم الاعتماد، وهو سلطة إدارية فرنسية مستقلة مسؤولة عن تقييم البحث العلمي والتعليم العالي، إعداد دراسة عن معايير الجودة في الجامعة اللبنانية وتقييمها. وخلال شهر يونيو/ حزيران الماضي، أوفد المجلس فريقاً منه لثلاثة أيام لدراسة الأوضاع، وخلالها عقد سلسلة لقاءات أكاديمية من دون أن يصدر تقريره حتى الآن. العديد من الأساتذة اعتبروا وصول الفريق جرس إنذار للجامعة لا بدّ أن يدفعها إلى تطوير أدائها وإجراء ما يتوجب من إجراءات ضرورية.
طائفية ومحاصصة
السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: ما الذي يعبر عنه وصول الفريق الفرنسي هذا وما هي المشكلة؟ المؤكد أنّ الجامعة اللبنانية والمئات من الجامعات العربية في حاجة دوماً إلى تقييم أوضاعها ومعرفة مكامن الضعف والخلل في هياكلها الأكاديمية ومناهجها وإداراتها والخريجين من طلابها في سوق العمل المتطلب في زمن العولمة. لكنّ الفارق بين الجامعة اللبنانية وباقي الجامعات أنّ العلة هنا معروفة وشائعة ولا تحتاج إلى بعثة فرنسية أو غير فرنسية لتشخيصها، لكنّ هذه العلة لا أحد يقاربها من مواقع تقود إلى نهوض مواجهة فعلية لها. وتكمن العلة أو مصدر الشكوى في هيمنة القوى السياسية - الطائفية على الجامعة أساتذة وطلاباً وإداريين، أي على الفضاء العام والخاص في الجامعة. ويكاد لا ينجو فرع من الفروع من هذا الداء، مع العلم أنّ هذه الهيمنة ومضاعفاتها قد تقلّ هنا وتزيد هناك لكنّها منتشرة.
من المعروف أنّ التعبير الأجلى عن ذلك حدث عام 2008 عندما قرر مجلس الوزراء نزع صلاحيات الجامعة ومجالسها الأكاديمية بتعيين الأساتذة والإداريين وأناطها به. ومع أنّ التبرير الذي سيق في حينه هو تلافي الضغوط الأهلية - المليشياوية في الجامعة، إلا أنّ ذلك ألحقها بكارثة أدهى هي التي يشهدها مجلس الوزراء الذي باتت تجري فيه المشاريع على طريقة الصفقات "آخذ وأعطيك". وكدلالة على هذا المنحى، ترتفع عملية المحاصصة لدى تعيين أساتذة أو إداريين ويرتفع العدد تباعاً، فمثلاً، ارتفع عددهم في العام 2014، وهو موعد آخر تفرغ للأساتذة، من 652 لحقهم التفرغ، إلى 1213 أستاذاً، أي قرابة الضعفين. وهناك الآن دفعة من الأساتذة الذين يتوجب تثبيتهم تفرغاً في كليات ومعاهد الجامعة لكنهم علقوا بعدما ارتفع العدد عدة مئات لدى عرض الموضوع أمام مجلس الوزراء، ما أدى إلى تعذر تفريغهم باعتبارهم يحتاجون إلى أموال كثيرة كأجور وبدلات وتقديمات اجتماعية وتعويضات لاحقاً. وهكذا توقف البحث عند هذه النقطة.
اقــرأ أيضاً
هذا المنحى في المحاصصات الطائفية لم يسبق للجامعة أن شهدته. فقد كان رؤساء الجامعة السابقون من طوائف متعددة وكذلك العمداء والمديرين. أما الآن فقد بات الرئيس من نصيب الطائفة الشيعية، لكن ليس أيّ شيعي أكاديمي، إذ بات لزاماً أن يكون من حركة أمل أو حزب الله. ويتوزع العمداء على الطوائف وفق نسب معروفة، مثلهم مثل المديرين. ويأتي العميد والمدير بمن يشاء من المقربين أساتذة أو موظفين. ومن لا يدخل في "ترسيمة" الطائفة وقواها السياسية يجري حرمانه. وهكذا اندثرت المقاييس العلمية والأكاديمية لصالح المواصفات الحزبية.
في العقود الماضية أعدّ عدد من أساتذة الجامعة اللبنانية تقريراً شهيراً بعد نقاشات مع عدد كبير من الأساتذة. تحول التقرير المذكور إلى كتاب لاحقاً حمل عنواناً هو "قضايا الجامعة اللبنانية وإصلاحها". السؤال الآن هل تحتاج الجامعة اللبنانية إلى إصلاح فقط أم ثورة؟
انهيار نوعي
يشهد وضع هذه المؤسسة تردياً غير مسبوق جرّاء التنكر للمعايير الأكاديمية، وحلول المقاييس الطائفية محلها. وهو ما ينبع ويصبّ في بحر التنازع على المواقع، أو ما يسمّى بالمحاصصة التي باتت مكرسة في أعراف كلّ القوى الطائفية من دون أن ينفي ذلك مسؤولية قوى طائفية بعينها أكثر من غيرها، نتيجة إمساكها بمقاليد القرارات. ويتجلى هذا المنحى منذ باتت مواقع الفئة الأولى وغيرها مفرزة للطوائف بحسب أوزانها السياسية وغير السياسية. وعليه، فقد بات المعيار هو الطائفية دون غيرها. ينطبق ذلك في الرئاسة، كما يصح في العمادات والمديرين، وصولاً إلى الإداريين والمدربين وغيرهم ممن هم جسم الجامعة وهيكلها. لكنّ الأكثر كارثية يبقى معيار الاختيار للأساتذة، فقد أصبح العامل المقرر والمحدِّد لاختيار الأساتذة في عمليات التعاقد أولاً، والتفرغ ثانياً، هو الولاء السياسي للمرجعيات الطائفية الكبرى.
هكذا يعود خائباً كلّ من "لا ظهر" له، تبعاً للتعبير اللبناني السائد، ويُحرم من مجرد ساعات
تعاقد ناهيك عن التفرغ، ويُحصر الامتياز بالمحظوظين من المرضي عنهم لدى المرجعيات السياسية الطائفية. وفي هذا الإطار، تشهد الجامعة حالات غرائبية تضع أساتذة في صلب عمليات التدريس باختصاصات لا علاقة لهم بها من قريب أو بعيد، وتُحرم الجامعة من أساتذة هي في أمسّ الحاجة إليهم ويملكون كفاءات تقدم إضافة نوعية على عطاء الجامعة ودورها.
كنتيجة لهذا الخلل الطائفي ونظام المحاصصة تنشأ وتتكاثر مختلف الارتكابات المشينة في عالم التعليم العالي. والملفت أنّ الجامعة اللبنانية يكثر الحديث عن مآسيها بينما الكثير من مؤسسات التعليم الخاص أشبه ما يكون بالدكاكين أو "البوتيكات"، على حدّ وصف وزير الثقافة الأسبق غسان سلامة.
دلالات أبعد
ما تعانيه الجامعة اللبنانية، هو مجرد مظهر من مظاهر الانحطاط العام الذي تفرزه حياة سياسية باتت بائسة إلى درجة يندر وجود مثيل لها، خلافاً لما كانت عليه. ومع أنّ ملف الجامعة قد فتح، لكنّه مجرد مؤشر على حياة أكاديمية غير سليمة يعاني منها لبنان، إذ من المعروف أنّ في لبنان حالياً 50 مؤسسة للتعليم العالي، منها 35 جامعة والبقية عبارة عن معاهد وكليات بعضها متخصص بالتعليم الديني. وهذه الأعداد موزعة على مختلف الطوائف من الكبيرة إلى الصغيرة، وقد صدرت مراسيم إنشائها بقرارات من مجلس الوزراء الذي يملك وحده حقاً حصرياً بالترخيص لها.
تملك الجامعة الرسمية الوحيدة أكبر عدد من الأساتذة المتفرغين في ملاكها، كما أنّها ما زالت عبر كلياتها الـ19 وفروعها الـ60 المنتشرة في مختلف المناطق اللبنانية تملك ما نسبته 36 في المائة من عدد طلاب التعليم العالي في لبنان، علماً أنّ هذه النسبة انخفضت من 60 في المائة تباعاً حتى وصلت إلى هذه النسبة المتدنية. الجامعة اللبنانية نشأت عام 1951، وقامت بعد صراعات دامية خاضها الطلاب، كاسرة احتكار هذا التعليم من قبل كلّ من "الجامعة الأميركية في بيروت" التي تأسست عام 1866 و"جامعة القديس يوسف" التي تأسست عام 1875، وتلتهما "جامعة بيروت العربية" التي تأسست أواسط الستينيات كفرع تابع لـ"جامعة الإسكندرية" في مصر. وتكاملت بُنية الجامعة اللبنانية في العقود اللاحقة وصدرت أنظمتها وقوانينها في مراحل مختلفة، كما وسعت نطاق تدريسها من الحقوق والآداب والعلوم الاجتماعية، إلى الطب والهندسة والصحة والزراعة خلال عقود السبعينيات والثمانينيات. وتملك الجامعة أكبر حرم جامعي في منطقة الحدث على مشارف بيروت.
المعركة الدائرة حول اتهام رئيس الجامعة اللبنانية، فؤاد أيوب، بتزوير شهاداته، وردّه بدعوى قضائية على ذلك، شكلت مادة سجال حامية، ودخلت على الخط قضية اعتراف دول الاتحاد الأوروبي بشهاداتها من عدمه، بعدما زعم رئيس "جمعية أصدقاء الجامعة اللبنانية" أنطوان صياح، أنّ الاتحاد الأوروبي هدد الجامعة بعدم الاعتراف بشهاداتها إذا لم تقم بإصلاح مناهجها خلال 3 سنوات. وعلى الفور ردت رئاسة الجامعة أنّها هي التي طلبت من المجلس العالي لتقييم الاعتماد، وهو سلطة إدارية فرنسية مستقلة مسؤولة عن تقييم البحث العلمي والتعليم العالي، إعداد دراسة عن معايير الجودة في الجامعة اللبنانية وتقييمها. وخلال شهر يونيو/ حزيران الماضي، أوفد المجلس فريقاً منه لثلاثة أيام لدراسة الأوضاع، وخلالها عقد سلسلة لقاءات أكاديمية من دون أن يصدر تقريره حتى الآن. العديد من الأساتذة اعتبروا وصول الفريق جرس إنذار للجامعة لا بدّ أن يدفعها إلى تطوير أدائها وإجراء ما يتوجب من إجراءات ضرورية.
طائفية ومحاصصة
السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: ما الذي يعبر عنه وصول الفريق الفرنسي هذا وما هي المشكلة؟ المؤكد أنّ الجامعة اللبنانية والمئات من الجامعات العربية في حاجة دوماً إلى تقييم أوضاعها ومعرفة مكامن الضعف والخلل في هياكلها الأكاديمية ومناهجها وإداراتها والخريجين من طلابها في سوق العمل المتطلب في زمن العولمة. لكنّ الفارق بين الجامعة اللبنانية وباقي الجامعات أنّ العلة هنا معروفة وشائعة ولا تحتاج إلى بعثة فرنسية أو غير فرنسية لتشخيصها، لكنّ هذه العلة لا أحد يقاربها من مواقع تقود إلى نهوض مواجهة فعلية لها. وتكمن العلة أو مصدر الشكوى في هيمنة القوى السياسية - الطائفية على الجامعة أساتذة وطلاباً وإداريين، أي على الفضاء العام والخاص في الجامعة. ويكاد لا ينجو فرع من الفروع من هذا الداء، مع العلم أنّ هذه الهيمنة ومضاعفاتها قد تقلّ هنا وتزيد هناك لكنّها منتشرة.
من المعروف أنّ التعبير الأجلى عن ذلك حدث عام 2008 عندما قرر مجلس الوزراء نزع صلاحيات الجامعة ومجالسها الأكاديمية بتعيين الأساتذة والإداريين وأناطها به. ومع أنّ التبرير الذي سيق في حينه هو تلافي الضغوط الأهلية - المليشياوية في الجامعة، إلا أنّ ذلك ألحقها بكارثة أدهى هي التي يشهدها مجلس الوزراء الذي باتت تجري فيه المشاريع على طريقة الصفقات "آخذ وأعطيك". وكدلالة على هذا المنحى، ترتفع عملية المحاصصة لدى تعيين أساتذة أو إداريين ويرتفع العدد تباعاً، فمثلاً، ارتفع عددهم في العام 2014، وهو موعد آخر تفرغ للأساتذة، من 652 لحقهم التفرغ، إلى 1213 أستاذاً، أي قرابة الضعفين. وهناك الآن دفعة من الأساتذة الذين يتوجب تثبيتهم تفرغاً في كليات ومعاهد الجامعة لكنهم علقوا بعدما ارتفع العدد عدة مئات لدى عرض الموضوع أمام مجلس الوزراء، ما أدى إلى تعذر تفريغهم باعتبارهم يحتاجون إلى أموال كثيرة كأجور وبدلات وتقديمات اجتماعية وتعويضات لاحقاً. وهكذا توقف البحث عند هذه النقطة.
هذا المنحى في المحاصصات الطائفية لم يسبق للجامعة أن شهدته. فقد كان رؤساء الجامعة السابقون من طوائف متعددة وكذلك العمداء والمديرين. أما الآن فقد بات الرئيس من نصيب الطائفة الشيعية، لكن ليس أيّ شيعي أكاديمي، إذ بات لزاماً أن يكون من حركة أمل أو حزب الله. ويتوزع العمداء على الطوائف وفق نسب معروفة، مثلهم مثل المديرين. ويأتي العميد والمدير بمن يشاء من المقربين أساتذة أو موظفين. ومن لا يدخل في "ترسيمة" الطائفة وقواها السياسية يجري حرمانه. وهكذا اندثرت المقاييس العلمية والأكاديمية لصالح المواصفات الحزبية.
في العقود الماضية أعدّ عدد من أساتذة الجامعة اللبنانية تقريراً شهيراً بعد نقاشات مع عدد كبير من الأساتذة. تحول التقرير المذكور إلى كتاب لاحقاً حمل عنواناً هو "قضايا الجامعة اللبنانية وإصلاحها". السؤال الآن هل تحتاج الجامعة اللبنانية إلى إصلاح فقط أم ثورة؟