الثورة حتمية إنسانية
إذاً التغيّر المجتمعي "ثورة" حتمية طبيعية، مهما حاولت بعض القوى الوقوف أمامها. وأكبر دليل على ذلك، حياة الإنسان الأولى، لمّا كان في الغابة ينافس الحيوانات في مأكلها ومشربها. والآن، بطبيعة حتمية التطور الإنساني، يبحث عن مكان له على الكواكب الأخرى، تاركاً الحيوانات في غابتها، ليتسع الفارق الحضاري بينه وبين رفقاء الأمس إلى آلاف السنين المعرفية. وبين البدائية الأولى والحداثة المعاصرة كانت مقاومة الإنسان حاضرة على مر العصور.
في قراءة استقصائيّة لتاريخ تطوُّر المجتمعات، سنجد أن هناك شريحة كبيرة من الناس ترْكُن إلى الدعة، وتخاف مما قد يأتي به التغير (الثورة)، على اعتبار أنه من عالم المجهول، والخوف من المجهول غريزة متأصلة في النفس البشرية. ومن هذا المنطلق، كان الخوف من التغيير حاضراً في البلدان التي هبّت عليها نسائم "الربيع العربي". ومنّ ثم شهدت الثورات مقاومة عنيفة من معسكر الخائف والكاره لفكرة التغير، فرأينا انتكاسة على الثورة.
من الثابت أنَّ المجتمع في ظل الحكم الاستبدادي "السياسي والفكري والعقائدي" يسودُ فيه فكر الاستسلام للواقع، فيصبحُ الجمود هو الحالة السائدة، وبنيانه مفككاً وغير متناغمٍ، ومن ثمّ لا يسعى للتطور. ففريق يرضى "الجمود" سبيلاً لحياته، ويتوافق معه، وفريق يسعى للخلاص مهما كلفه من تضحيات، لإيمانه بأحقيته في التحرر والتطور من الحالة الاستثنائية التي يعيشها بالمقارنة بما يراه ويلمسه في مجتمعات خيالية أو واقعية. ومن ثمَّ تنشأ حالة الفراغ والنزاع بين طرفي النقيض، عندها تتوقف حركة التغيير حتى ينتصرَ فريقٌ على الآخر.
وفي مراحل التغيير، أي "الثورة"، قد تكون الغلبة لبعض الوقت لمعسكر الرافضين المقاومين لهذه الفكرة. ولكن، في نهاية المطاف، سينتصر معكسر التغيير لأن حتمية التطور الإنساني ستكون لها الغلبة، كما جرت العادة في كل مراحل حياة الإنسان.
وبالنظرة إلى المجتمع المصري على سبيل المثال، فمنذ الانقلاب العسكري، وحالة المجتمع تكاد لا تغادر المربع الذي كانت عليه قبل أربع سنوات تقريباً، أي الجمود. بل إنه ينزلق إلى مناطق أكثر سوءاً متراجعاً عن فكرة التغير. فالشقاق والتباين السياسي والاجتماعي بين فئات المجتمع المصري، كان له الأثر السلبي الكبير على الحالة الاقتصادية والأمنية، فدفع شريحة كبيرة من المجتمع إلى كراهية مفهوم الثورة.
لذلك، ما يحدث في مراحل التحول المجتمعي في حياة أي ثورة، أن الكتلة التي تثور، في حالة نجاحها عاجلاً أو آجلاً، هي التي تعيد تشكيل المجتمع وتأسيسه، لإيمانها بالتغير نحو الأفضل متوافقاً مع سنة التطور.
وحين ينتصر فريق التغيير، أي فريق الثورة، سيتحرر المجتمع من الفكر السائد، وسيعيد المجتمع بناء تمَاسكه مرة أخرى، ولكن على أسس ومبادئ جديدة كتلك التي آمن بها فريق الثورة، وذلك استكمالاً للتطور البنائي الجديد.
صحيح قد يتأخّر التغيير، أو النصر، لبعض من الوقت، لكن تبقى فكرة الخلاص من الاستبداد والجمود قائمة. وتبقى حتمية التغير هي الخطوط العريضة التي تحرَّك الكتل الثورية، بشرط استمرار صمودها. في النهاية، سيجدُ الاستبداد نفسه مُحاصراً، فيضطرُّ إلى التسليم مهما امتلك من أدوات القمع والاستبداد. لأنّ إرادة التغير أقوى من أي أسلحة.