الثورة المصرية وساعة الحسم
مر عام ونصف على سرقة الثورة المصرية، ولو قلنا أكثر من خمسمائة يوم كان أوقع نظراً للمرارة التي تجعل الوقت لا يمر، ولتنوع الأحداث الصعبة وتتابعها التي تجعلك تشعر بكل دقيقة أو ثانية، فلو كنت مصرياً لعرفت أن في هذا العام هرم الشباب، وظهر جيل يرى بلاده تضيع، وحلمه في الحياة يتبخر، وزادت أعمار الأطفال الفكرية، فلم يصبح اللعب همهم مثل باقي أطفال العالم، بل متابعة أحوال المعتقلين والمعذبين، وأصبحت صدقاتهم البريئة تحكمها متغيرات سياسية وأغان تقسم الشعب إلى شعبين، وترقص على أشلاء القتلى.
وعلى الرغم من المرارة الشديدة في الواقع المصري، إلا أن تلك الشهور لا تعد شيئاً في أعمار الأمم، والتاريخ طالما حدثنا عن طغاةٍ، ظلموا وتجبروا، وكانت نهايتهم درامية مأساوية، أمثال شاوشيسكو ومعمر القذافي. ويذكر التاريخ ما حدث في عدة أسطر لا تستطيع التعبير الصادق عن نفسيات المقاومين وعزائمهم، وهكذا سيسطر التاريخ حكاية الثورة المصرية التي بدأت في يناير/كانون الثاني 2011 ونتمنى أن يكتب لها النجاح في 2015.
والكل يترقب ويتساءل متى يوم الحسم؟ وما هي طبيعة الحسم المتوقعة؟ وهل الوقت في صالح الثورة والثوار، أم العكس؟ وهل يكون الحسم داخلياً أم بعوامل خارجية؟ ولمحاولة الاقتراب من موعد الحسم، يجب الإجابة، أولاً، على سؤال عن طبيعته. ومن وجهة نظر الثوار المقاومين، لا تعني طبيعة الحسم سوى إصدار شهادة وفاة لدولة العسكر عن عمر يناهز ستين عاماً، ورجوع العسكر إلى ثكناتهم واعترافهم بحق الشعب في تقرير مصيره، وأن له إرادة ولا يقبل الوصاية أو الاستهانة بشرعيته، وأما من حصل على صك ثائر فاحتفظ به، وركن إلى الطاغية، أو صمت على طغيانه، أو طالب بتقنين فساده، ولم ينس أن يلوح بصك الثورية كلما سنحت الفرصة، فطبيعة الحسم عنده قد تعني استسلام المقاوم، واعتذاره عن مقاومته التي أقلقت مضاجع المستبد.
من الطبيعي أن العقلية العسكرية لا تفكر إلا بموازين القوة المسلحة، فلا تنسحب أو تستسلم، طالما ما زالت تملك تلك القوة، ولم يكن تنحي حسني مبارك في فبراير/شباط 2011 إلا نوعاً من التمويه والمناورة العسكرية، ولم يكن استسلاماً، وقد انخدعت كل القوى السياسية، بلا استثناء، بوهم النصر، بعضهم فهم الخدعة، وخاف عواقب المواجهة، فقرر المناورة السياسية، وفرح البعض الآخر بذلك، وظل الفريقان يتعاركان، حتى استيقظ الجميع على فجيعة الانقلاب.
وبعض القوة التي يمتلكها العسكر، ولن يستسلم، طالما بقيت في يده، داخلي، وأكثرها خارجي، وكلاهما يضعف بمرور الوقت، فقوة الداخل الكامنة في البطش، عبر الجيش والشرطة، تزداد ضعفاً، يوماً بعد آخر، خصوصاً باكتشاف الضباط والجنود أن قادة الانقلاب يقدمونهم كبش فداء، سواءً من خلال صورتهم التي تغيرت خلال العام والنصف إلى درجة صعوبة أن يرتدي أحد زيه العسكري، ويمشي به وسط المجتمع، من دون أن يرى نظرات الاستهجان، ولربما تم استهدافه من أهالي ضحايا التعذيب والاغتصاب، كما حدث من استهداف أمناء شرطة وقتلهم، نتيجة إجرامهم وتبرئة القضاء لهم، وانخفضت الروح المعنوية للجنود، وكانت بوادرها حالات انتحار تم الإعلان عنها، ففي يوم 5 يناير/كانون الثاني الجاري، شهدت القاهرة انتحار أمين شرطة في محكمة، ومجند من قوة تأمين مبنى الإذاعة والتليفزيون في أسوان جنوب مصر، وحالات تمرد داخل وحداتٍ للأمن المركزي تم احتواؤها سريعاً. لكن العسكر لن يعبأ كثيراً بتلك الروح المعنوية المنهارة، ولا بحالات الانتحار ولو تضاعفت، طالما أنه يضمن التمويل الخارجي والدعم السياسي من اللاعب الدولي الأول.
وبالنظر إلى العامل الخارجي، نستطيع الجزم بأنه لن يقدم أكثر مما قدمه في العام الأول للانقلاب، والتي تجاوزت 25 مليار دولار، وإن معوناته تتراجع، يوماً بعد يوم، ومن أدلة ذلك لجوء قادة الانقلاب، في بداية عامهم الثاني، إلى رفع الدعم الجزئي عن المحروقات، وزيادة الاقتراض الداخلي والخارجي، بعد خطاب العاهل السعودي الداعي إلى مؤتمر عاجل للمانحين، حتى لا يتحمل الخليج الفاتورة منفرداً، وفشل مؤتمر المانحين متحولاً إلى مؤتمر اقتصادي مقرر انعقاده في مارس/آذار، يدعو إلى الاستثمار في بيئة طاردة وغير مستقرة.
أما عن الداعم السياسي الغربي، فما زال يحلم بمزيد من الانبطاح، استكمالاً لتهجير أهل سيناء، أو إرسال مرتزقة هنا وهناك، لمحاربة الإرهاب المحتمل، لكن ظهور الحركات التي تتبنى التغيير المسلح، وتكفر بالغرب وديمقراطيته الزائفة، قد يعجل بتقليص هذا الدعم.
ومع كل ما سبق من عوامل خارجية، لن يكون الحسم إلا بالعامل الداخلي الكامن في استمرار الثورة، وعدم الالتفات إلى محاولة وأدها بالانبطاح والاستسلام للأمر الواقع. وذلك سيؤدي إلى تسارع لحظة الحسم، مع ضرورة تطورها وخروجها عن المألوف، بزخم جديد، وبسلمية مبدعة في موجة ثورية، نتوقعها في الذكرى الرابعة للثورة، ما يزيد من حالة الإحباط داخل صفوف الانقلابيين، وتصل رسالته واضحة إلى الممول أن أمواله ستضيع بلا ثمن، في وقت يعاني فيه من مشكلات اقتصادية، نتيجة سوق البترول المنهار، كما تضع الغرب المساند في مأزق صناعة الإرهاب والاكتواء بناره، وقد يلجأ عندها العسكر إلى خطة حرب يونيو/حزيران 1967، فالثوار في الأرض هم اللاعب الرئيسي.