التيارات الإسلامية وتكريس الوثنية

14 مايو 2015
+ الخط -
الوثن من الظواهر التي استشرت في الثقافة الإنسانية منذ بداياتها، حيث إنها مغروسة في وجدان الكائن البشري كونه متديناً بفطرته وشعائرياً بطبعه، تشكل الشعائر والطقوس جزءا من مكوناته النفسية.

وغالباً ما يبزغ الوثن حينما تغرب الفكرة، فيبدأ الانحراف مع مرض الفكرة وتشكلها في شخص، قد يكون هذا الشخص صاحب مميزات عظيمة، وأخلاق فاضلة، وصفات نادرة، إلا أن المشكلة قد لا تكون فيه كشخص، بل في المجتمع المحيط به. حينما نقرأ سورة نوح تطالعنا التفاسير أن ودّاً وسواعاً ويغوث ويعوق ونسراً كانوا رجالاً صالحين، لكن قومهم تمادوا في تقديسهم، وفي رفع مكانتهم، حتى صاروا في ما بعد أوثاناً تُعبد من دون الله، حدث الانحراف حينما تمثل قومهم فكرة الإيمان في شخصوص هؤلاء الصالحين الطيبين.

ومن القصص المشهورة التي تطالعنا في سيرة الخلفاء الراشدين أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عزل سيف الله المسلول خالد بن الوليد رضي الله عنه في أوج انتصاراته، والسبب كما يذكر بعض المؤرخين من أجل أن لا يفتن الناس به، أي حتى لا يكون وثناً جديداً في القلوب.

وفي محاولة للولوج إلى الواقع اليوم نجد أن تشرّب ثقافة الرجل الأسطورة والمخلص أو بالمعنى الأوضح "الوثن" باتت مغروسة في وجدان المجتمع حتى لدى من يرفعون رايات التوحيد، ومحاربة الأوثان.

فنلاحظ أنه ما إن يصعد الرمز والقائد في التيار الإسلامي ليتصدر المشهد حتى يتوقف الزمن، أو يدور في حلقة مفرغة، لا يتزحزح هذا الرمز عن مكانه حتى يلقى الله!

وهذا يمكن أن يؤدي إلى تكريس ظاهرة الوثن بإصدار إسلامي هذه المرة، فهل تعجز التيارات الإسلامية عن إنتاج قيادات جديدة تتصدر الموقف وتأخذ زمام المبادرة، مع الاستفادة من الخبرات السابقة، فلا يمكن لشخص كائناً من كان أن يختزل تياراً في شخصه، حاولت الأنظمة الشمولية الاستبدادية بكل مؤسساتها الأمنية والإعلامية القائمة على فلسفة البروباغاندا أن تفعل ذلك من قبل ولكنها فشلت في لحظة ما. وإنه من الازدواجية أن تمارس التيارات الإسلامية ما تعيبه على الأنظمة الاستبدادية من إعادة إنتاج وجوه مكررة، من حين لآخر، وبطريقة يمكن أن يطلق عليها أنها ديمقراطية. الديمقراطية ليست فقط آليات لإنتاج نفس المنتجات السياسية، بل هي في الأصل تقوم على التجديد، وعلى التغيير، وعلى بث الدماء الجديدة، فالماء الآسن حتى لو كان ماء طاهراً ونظيفاً يفسده الركود، ولا يعود إليه إكسير الحياة حتى يعاود الجريان مرة أخرى.

إن لم تكن التيارات الإسلامية  قدوة في نفسها، فعليها أن توقف مثقفيها، ومنتسبيها عن التنظير الدائم وانتقاد الأنظمة المستبدة القائمة الممثلة بالقائد الرمز والأسطورة، القائد الفذ، الملهم، الذي حاز العالم بين جناحيه. لأنها تحمل المبدأ ذاته، وإن كانت الشخوص في الحالتين على طرفي نقيض، إلا أن مشكلتنا ليست في الأشخاص بقدر ما هي مع فكرة الوثن.

(البحرين)

المساهمون