التونسيون يهجرون الريف

05 مايو 2015
يعاني الريف من شحّ الموارد (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
+ الخط -
تشير الأرقام الأخيرة إلى ازدياد الاختلال السكاني في تونس ما بين الريف والمدن، وما بين المدن الصغيرة والمدن الأكبر.

وبحسب الإحصائيات الرسمية لـ "المعهد الوطني للإحصاء"، فقد تم تسجيل انخفاض في عدد سكان جهات الشمال الغربي خصوصاً، خلال عام 2012 مقارنة بعام 2011.

ويُعزى هذا الأمر إلى نزوح سكّان هذه المناطق الى مناطق أخرى ذات طابع ساحلي، على غرار بنزرت ونابل وسوسة والمنستير. كما تحتل العاصمة تونس أكبر نسبة في استقبال النازحين من أبناء الشمال الغربي الباحثين عن موارد الرزق.

يقول الباحث في علم الاجتماع طارق بلحاج محمّد لـ"العربي الجديد": "ظاهرة الهجرة الداخلية في تونس قديمة بعض الشيء. وصحيح أنّ التونسيين قبل الاستقلال لم يكونوا يهاجرون بسهولة، باستثناء الهجرات الموسمية لسكان الوسط والجنوب. لكن منذ الستينات تغيرت هذه الصورة، وتعددت أشكال الهجرة الداخلية لتأخذ شكل الانتقال من الريف إلى المدينة، أو الانتقال من مدينة إلى مدينة أخرى أكثر جاذبية".

وتعتبر الظاهرة مشكلة متعددة الجوانب. فما يدفع للهجرة الداخلية عموماً ينجم في الكثير من الأحيان عن ظروف اقتصادية قاهرة. فبعض المناطق تعتبر "طاردة للسكان" لا يتوافر فيها الحد الأدنى من فرص العمل والعيش الكريم، ولا تستجيب لتطلعات قاطنيها. وهو ما يدفع سكانها إلى طلب الهجرة باتجاه مدن أخرى من أجل تحسين أوضاعهم. وهنالك شريحة واسعة من الموظفين والكوادر وأبناء الطبقة الوسطى تختار الهجرة الداخلية من أجل تأمين نمط حياة أفضل لها ولأبنائها.

يحتل البحث عن عمل صدارة أسباب الهجرة الداخلية في تونس، بنسبة 64 في المائة بحسب دراسة حول التفاوت بين المناطق، من إعداد الباحث في علم الاجتماع المتخصص في الديموغرافيا حسان القصار، من جامعة تونس، بالتعاون مع البنك الدولي.

كما تذكر الدراسة أنّ الهجرة بدافع الوصول بشكل أسهل إلى الخدمات الطبية ملحوظة أيضاً. فقد أشار 52 بالمائة من أفراد العينة التي شملتها الدراسة إلى أنّ أول نقطة للخدمات الصحية تبعد أكثر من 5 كيلومترات عن أماكن إقامتهم. كما تقدر المسافة بين أماكن الإقامة وأول نقطة لخدمات الصحة الإنجابية بما بين 5 و10 كيلومترات. وتخلص الدراسة إلى أنّ الهجرة من أجل الدراسة والالتحاق بالجامعات باتت من أضعف أسباب التنقل بين المناطق بعد إنشاء مؤسسات جامعية في مختلف المحافظات.

تداعيات
من جهة أخرى، يؤكد الخبراء أنّ ارتفاع نسق الهجرية الداخلية، لا سيما هجرة سكان الريف باتجاه المدن، له تداعيات جدّ سلبية تسبب اختلالاً ديموغرافياً واقتصادياً واجتماعياً، وتعمق التفاوت بين المناطق الموجود أساساً.

ويقول بلحاج محمد إنّ الهجرة الداخلية تساهم في حرمان المناطق المهمشة من مخزونها البشري الحيوي (خصوصاً فئة الشباب من الجنسين)، وحرمانها من خبرة وكفاءة أبنائها من أصحاب المستويات الدراسية والمهنية المتوسطة والعالية. ومن ناحية أخرى، تؤدي الهجرة إلى اكتظاظ سكاني في المدن الكبرى، واختلال التوازن ما بين الموارد الاقتصادية المتوافرة والمتاحة من جهة، وحاجات السكان من جهة أخرى، مما يؤدي إلى أنشطة اقتصادية موازية تضرّ بالاقتصاد وبمن يمارسها.

على صعيد آخر، يشير بلحاج محمد إلى بروز نوع من التمييز بين السكان الأصليين للمدن والوافدين الجدد إليها، خصوصاً في الضواحي والأحياء الشعبية. وهو ما يعمق الشرخ الاجتماعي، ويساهم في انعدام التجانس في المجتمع.

بدوره، يقول القصار في دراسته إنّ من التداعيات السلبية للهجرة الداخلية خسارة الروابط الأسرية والتضامن العائلي، وخسارة المعتقدات، في المناطق المهاجر إليها، وكذلك ارتفاع نسبة الجريمة. وهي أثمان اجتماعية وثقافية يدفعها المجتمع التونسي.
دلالات