اختتم الحزب الجمهوري مؤتمره الوطني العام بخطاب للرئيس دونالد ترامب أعلن فيه قبوله بترشيح الحزب رسمياً له. وألقى ترامب خطابه أمام حشد ضخم من المدعوين في حديقة البيت الأبيض، على الرغم من محاذير كورونا، وفي ذلك رسالة انتخابية تعكس إصراره على أن الوباء "صار وراءنا"، خلافاً للإجماع الطبي.
بعد احتفالات المؤتمر التي شهدت هذه المرة الكثير من المشاهد الاستعراضية التي خرجت على المألوف، "والتي وظفت البيت الأبيض للتسويق"، ينطلق الرئيس ترامب في الشوط الأخير من الحملة الانتخابية المتبقي لها أقل من عشرة أسابيع. فترة قصيرة تستدعي حشد كل ما تبقى من الأوراق والوسائل، بما فيها فتح الدفاتر القديمة ونشر غسيل الخصم ونصب الفخاخ للإيقاع به. وهذه ممارسات مألوفة إلى حد بعيد في الانتخابات الأميركية.
الخشية هذه المرة، أنه قد يجري اللجوء إلى طرق محفوفة بمخاطر ليس فقط على "الديمقراطية الأميركية"، كما قال الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، بل أيضاً على "أميركا" نفسها. ويلاحظ أن التعبير عن مثل هذه المخاوف يتزايد في ضوء ما ينطوي عليه الخطاب الانتخابي من مؤشرات، وما ترافقه من توجهات تهدد بنقل الصراع إلى الشارع، في ظل أجواء عنصرية محتقنة، وبما أدى إلى ردود مفتوحة على ما يبرر الخوف المشروع.
الخشية هذه المرة، أنه قد يجري اللجوء إلى طرق محفوفة بمخاطر ليس فقط على "الديمقراطية الأميركية"، كما قال الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، بل أيضاً على "أميركا" نفسها
الرئيس ترامب يخرج مثل غيره من مؤتمر حزبه بقدر من الزخم، بعد أربعة أيام من التلميع والأضواء والترويج. التحدي أمامه أن يقوى على تطوير وتسمين هذا الدفع، بما يمكّنه من سد الفجوة مع منافسه الديمقراطي جو بايدن وتغيير الموازين لصالحه. الطريق في هذا الاتجاه وعرة. ظروف كورونا وآثارها الاقتصادية بشكل خاص، انعكست على وضعه بصورة مؤذية. منذ بداية العام، لم يقوَ على تعزيز رصيده بأكثر من معدل ست نقاط. بقي يتراوح بين 41% و47%. في العادة يتحرك هذا المعدل لدى المرشحين بحدود عشر نقاط، حسب ما تشير إليه انتخابات على مدى العقود الثلاثة الأخيرة.
لتغيير المعادلة، يلزمه تبدّل إيجابي سريع في مسار الوباء، واستطراداً في الوضع الاقتصادي. وهذا يبدو غير متوفر. الفيروس، تقول الأرقام إن اقامته غير قصيرة، والحديث عن اللقاح أو العلاج الذي يبشر الرئيس بقرب العثور عليه، ما زال في حدود الوعد. وكذلك الحديث عن البطالة. آخر تقرير صدر الخميس كشف عن خسارة نحو مليون فرصة عمل خلال الأسبوع الفائت.
بذلك، ازدادت الخشية من البدائل. وبالذات من التصعيد في "الخطاب الانقسامي". خطاب "التخويف من الآخر"، غير الأبيض. فالرئيس ترامب "لن يتردد في استخدام وتوظيف كافة الأوراق المتاحة" للفوز، كما يقول خصومه. والساحة مشحونة عنصرياً، خصوصاً منذ مقتل الأميركي الأسود جورج فلويد خنقاً تحت ركبة شرطي أبيض. فهو لا يترك فرصة من دون تأكيد أهمية "الأمن والقانون"، في إشارة إلى ضرورة وقف التظاهرات ضد "انحياز الشرطة ". وقبل يومين تكررت حادثة فلويد. شرطي أبيض أطلق 7 رصاصات على شاب أسود أعزل في ولاية ويسكونسن وبما أدى إلى اصابته بشلل نصفي. كالعادة، كانت ردة الفعل بالنزول إلى الشارع، من باب أن الحادثة دليل آخر على التمييز ضد السود. رداً على التظاهرات، قام شاب أبيض بإطلاق النار وقتل اثنين من المتظاهرين. وزاد الطين بلّة أنه كما تبيّن، من أنصار الرئيس ترامب، الأمر الذي أدى إلى ربط جريمته بـ "خطاب التخويف" المتهم به الرئيس ترامب، مما رفع منسوب الغضب الذي جرى الردّ عليه من قبل نائب الرئيس مايك بنس في خطابه ليلة الأربعاء، بتأكيد ضرورة ضبط الشارع بالطرق اللازمة.
وتوقف بعض المراقبين عند التوقيت، كما عند وقوع مثل هذه الحوادث أخيراً في ولايات شمالية، مينيسوتا وويسكونسن، معظمها من البيض وتلعب مع 3 ولايات أخرى دور بيضة القبان في الانتخابات. قد لا يكون الأمر أكثر من صدفة، لكن كل شيء مثير للشكوك في أميركا المقسومة اليوم كما لم تكن من قبل، وفي معركة يصفها الفريقان الديمقراطي والجمهوري بأنها "فريدة ومصيرية". ومن هنا، تعبيرات القلق المتداولة حول الفترة الباقية من الحملة، وما قد يتخللها من تطورات تؤدي إلى انتخابات محاطة بإشكالات قد تتحول إلى مأزق مستعصٍ، تبدو أمامه مشكلة انتخابات 2000 (بوش – غور) نزهة.