التنين الرقمي

08 يونيو 2016

غوغل ليست دولة، ولا حتى شركة (Getty)

+ الخط -
توجد اليوم 60 ألف مليار صفحة مخزنة في ذاكرته، وشركته تشغل خلية نحل من 62 ألف موظف منتشرين في 40 دولة حول العالم، هو الوحيد في التاريخ الذي حول 1200من موظفيه إلى مليونيرات، بعد دخول الشركة إلى البورصة. ولهذا، كل يوم ينزل 3500 طلب شغل (cv) إلى بريده الإلكتروني، في السنة الماضية فقط خصص 10 مليارات دولار للبحث العلمي في مجالات متنوعة يستثمر فيها مثل (الأدوية الجديدة، مدن المستقبل، السيارات بدون سائق، الطاقة الجديدة، ودعم الولوج إلى النيت، الروبوت الجديد، توزيع المواد بواسطة طائرات بدون طيار ثم المشروع العملاق لإطالة عمر الإنسان بيولوجيا..). هذه الامبراطورية العالمية وصل رقم معاملاتها في 2014 إلى 75 مليار دولار، أما أرباحها الصافية فقد تجاوزت بقليل 16 مليار دولار السنة الماضية، وهي في تزايد مستمر".
هذه ليست دولة، ولا حتى شركة بالمفهوم التقليدي لشركة. هذا محرّك البحث "غوغل" الذي يملك أكبر خزان فيديوهات في العالم (يوتيوب) موضوع داخله مليار فيديو إلى الآن. أما خرائط "غوغل"، فإن مليار مستعمل يزورها كل شهر، ومثل هذا الرقم يستعمل البريد الإلكتروني (جيميل).
"غوغل" يفهم اليوم العالم، وسكانه أكثر من أي فرد أو جماعة أو حزب أو دولة أو حتى إمبراطورية، لأنه يضع يده على ثروة من المعلومات والكتب والمقالات والصحف والمواقع والفيديوهات والصور والخرائط وتجارة العالم. وأكثر من هذا، يعرف عادات مليار ونصف المليار من سكان الأرض الذين يستعملون محركه، للبحث عمّا يهمهم في كل جوانب حياتهم الثقافية والاستهلاكية والجنسية والطبية والإعلامية والسياسية والاقتصادية والتكنولوجية...
"غوغل" هو الوجه الجديد للقوة الناعمة soft power التي تغزو عقول العالم من خلال شبكة النت التي أصبحت أهم من الخبز لدى الشبان، ومن خلال الأغاني والافلام والألعاب والمعلومات والترجمة، ومواقع التواصل الاجتماعي التي أضحت عالماً يختلط فيه الواقعي مع الافتراضي، إلى درجة أن الواقع هو الذي صار افتراضياً والافتراضي هو الواقعي.
كلما كبرت امبراطورية "غوغل" كبرت معها الانتقادات الموجهة إلى هذه العلامة الأميركية الأشهر في العالم، تتهم "غوغل" بأنها تستغل الملكية الفكرية لكثيرين، من دون أن تودي ثمن ذلك، وبأنها تخرق مع "فيسبوك" و"تويتر" المعلومات الشخصية للأفراد، وتبيعها للشركات، من دون إذن من أصحابها، وبأنها تجني أرباح الإعلانات وحدها من دون إعطاء قسط معقول منها إلى منتجي المحتوى من وسائل إعلام وكتاب وباحثين ومصورين ومنتجين، وبأنها تهرب معلومات العالم إلى big datta الخاصة بها في كاليفورنيا، من دون موجب حق، وأن هذه المعلومات الحساسة والمهمة ليست بعيدة عن أيدي الإدارة الأميركية وأعينها وجيشها ومخابراتها، وأنها شركة عابرة للحدود، ولا تستثمر في الدول التي تجني منها أرباحاً هائلة، ولا تدفع إلا نسبة قليلة من الضرائب المفروضة عليها، وأنه بقدر ما تقدم خدمات للمستهلك، بقدر ما تبيع المستهلك لمن يدفع أكثر، ومن ثم تخرق قوانين المنافسة علاوة على تنميط الثقافة في نموذجٍ واحد هو الأميركي والغربي، وإنها تهدّد التنوع الثقافي على الأرض من خلال إعطاء الأولوية للغة الانجليزية، وللمادة المنتجة في الغرب، وإنها تحول المواطن إلى مستهلك، والقارئ إلى زبون، والإنسان إلى عبد للتكنولوجيا، كل هذه الانتقادات وغيرها توجه إلى شركة شعارها (لا تكن شريراً)، لكن الصورة أعقد من ثنائية الخير والشر إنها مرحلة معقدة من تطور البشر فيها فرص للنجاح، وفيها مخاطر للفشل وأنت وشطارتك....
دلالات
A0A366A1-882C-4079-9BED-8224F52CAE91
توفيق بوعشرين

كاتب وصحفي مغربي، رئيس تحرير جريدة "أخبار اليوم" المغربية.