التمور العُمانية..هوية في مهب الإنتاج والتسويق

05 نوفمبر 2015
تجارة التمور العمانية في حطر (Getty)
+ الخط -
ظلّت التمور العُمانية لسنوات طويلة من أكثر الثمار شهرة وحضوراً في بلدان الخليج العربي، إلا أن ثمة تحديات باتت تواجه هذه التجارة، التي تعبّر عن هوية هذا البلد، لمشاكل تتعلق بالتسويق والتخزين أخيرا، إضافة إلى عدم وجود مشاريع صناعية كبيرة للتمور وارتفاع كلفة الإنتاج.
شجرة النخيل، الأكثر حضوراً في البيئة العُمانية، والمرتبطة بالهوية الثقافية والحضرية لمجتمع زراعي منذ آلاف السنين، حيث يشكل النخيل ما يقارب 60% من مساحة الأراضي المزروعة بالمحاصيل الزراعية المتنوعة كالخضار والفواكه، وفق الإحصاءات الصادرة عن وزارة الزراعة والثروة السمكية العمانية.
وتنتج عُمان نحو 316 ألف طن سنوياً من التمور من خلال 8 ملايين نخلة تنتج 200 صنف، وضمن هذه المعطيات فإن السلطنة تُعد ثاني أكبر دولة خليجية منتجة ومصدّرة للتمور بعد المملكة العربية السعودية.
هذا القطاع الذي يسهم في الدخل القومي بنسب لا بأس بها، ويوفر دخلاً لعشرات الآلاف من الأسر العمانية، التي تملك أراضٍ زراعية ترواح بين الكبيرة والمتوسطة والصغيرة، بات يعاني العديد من المشاكل.
ونظمت السلطنة مهرجان التمور العُمانية الثالث بولاية نزوى، نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، فيما استطلعت "العربي الجديد" أراء العاملين في هذا القطاع الزراعي الأهم في عُمان.
يقول أحمد العدوي، صاحب مزرعة نخيل، لـ"العربي الجديد": "النخلة، هُنا، ليست كأي شجرة أخرى، هي سلّة الغذاء، ومع ذلك لدينا الكثير من المشاكل التي نواجهها في قطاع زراعة النخيل في السلطنة".
ويوضح "لقد تغيّرت الحياة عن السابق. كان أجدادنا ينتجون التمر ويبيعونه في الأسواق بطريقة المزاد العلني على الكميات المتوفرة في السوق، وكانت الأمور تتم ببساطة دون تعقيد. أما الآن فنحن نواجه تحديات ارتفاع كلفة الزراعة، ونقص الأيدي العاملة الوطنية، بعد أن انصرف الشباب عن الزراعة وفضّلوا العمل الوظيفي".

ويتساءل العدوي كما غيره من المزارعين عن إمكانية توفير مراكز أو أسواق لبيع التمور بالجملة، ما يسهّل على المزارع والتاجر عملية البيع والشراء بأسعار معقولة.
وفي ظل المخاوف من تراجع أقدم صناعة عرفها العُمانيون، تتزايد المطالب بتحسين البيئة الاستثمارية لهذا القطاع في البلاد.
يقول خالد لِحسني، صاحب مصنع تمور، إن " صناعة التمور لم تفشل كصناعة، لكنها تمر بفترات حرجة تحتاج إلى تكاتف الجميع، وأقصد هُنا التجار والمزراعون ووزارة الزراعة وصندوق تنمية الاستثمار".
ويضيف لِحسني، في تصريح خاص: "نحتاج إلى مشاريع استثمارية كبيرة في مجال صناعة وتعليب وتغليف وتخزين التمور، وتحسين جودة الأصناف من خلال الإقلال من إنتاج الأنواع الرديئة، واستبدالها بفسائل نخيل ذات جودة عالية ومطلوبة خارجياً للتصدير".
ويتابع: "لا يمكن تحميل كامل المسؤولية على كاهل وزارة الزراعة والثروة السمكية، التي تجتهد في دعم المزارعين وبخاصة أصحاب المزارع الصغيرة، وتقدم لهم الفسائل ومبيدات مقاومة أمراض النخيل وأدوات الرّش".
ويشير إلى ضرورة إشراك القطاع الخاص في تأسيس صناعة متطورة بحسب المواصفات العالمية، تمكّن العُمانيين من تسويق منتجاتهم إلى أكبر أسواق العالم.

اقرأ أيضا: التمور الإيرانية تغزو أسواق العراق

ويؤكد أن "الكثير من التجار يشترون المحصول من المزارعين، ثم يقومون بتصديره لدول الجوار، لتتم تعبئته وتغليفه بسبب قلّة الكلفة هناك، حيث تقوم مصانع التغليف في تلك الدول بكتابة اسم الدولة المنتجة على العبوات لا دولة المنشأ، وبذلك نفقد نحن قيمة ترويجية كبيرة للتمور العمانية التي تصدّر إلى دول العالم بغير منشئها الأصلي".
وتقدّر صادرات التمور السنوية في السلطنة بحوالي 5 آلاف طن، أما الجزء الأكبر فيستهلك محليا، حيث يقدّر استهلاك الفرد العُماني من التمور بحوالي 60 كيلوغراماً في العام.
وينظر إلى أشجار النخيل كرافد اقتصادي متجدد يرفد السوق المحلية بفرص العمل، إضافة إلى أن ثمارها تساهم في تقليص الفجوة الغذائية، وتمثل عاملاً كبيراً في استدامة التنمية في المناطق البعيدة لتوطين السكان واستدامة حياتهم.

نورة الهاشمي، تتحدث عن تجربتها المنزلية في تأسيس مشروع ثمار النخلة، موضحة "في السابق، كنت عاطلة من العمل، إلى أن فكّرت بعمل مشروع منزلي صغير يعتمد على تعبئة وتغليف التمور. واجهتني مشكلة التسويق، إلى أن استطعت إيجاد منافذ تسويقية كبيع التمور المغلّفة إلى الفنادق والسوق الحرة في مطار مسقط، وبعض المولات والمجمعات التجارية الكبيرة".
وتضيف نورة، لـ"العربي الجديد"، أنها الآن تفكر في تطوير مشروعها، بفتح محل متخصص في بيع التمور العُمانية بنكهات مختلفة تلبي أذواق الجميع.
المهندس الزراعي محمد البلوشي، يقول: "لدينا مشكلة حقيقية في قطاع تسويق منتجات التمور، ولدينا بالمقابل أسواق كبيرة مستهلكة كالسوق الأميركية، حيث تعتبر من أكبر الأسواق استهلاكاً للتمور في العالم".
ويضيف: "ننتج في السلطنة كميات جيدة من التمور عالية الجودة، وفي مقابلها ننتج كميات أكبر من التمور المتوسطة والرديئة النوع، والتي يتم استخدامها كعلف للماشية، أو تصنيعها كدبس يكفي الاستهلاك المحلي، بينما الكثير من التمور يتم التخلص منها بلا فائدة".
ويرى البلوشي أنه لا بد من الالتفات إلى قطاع الصناعات التحويلية، وذلك بتحويل الكميات غير التجارية من التمور إلى منتجات أخرى يمكن تسويقها، كصناعة دبس التمر بتقنيات ومصانع حديثة. كما يمكن استخلاص أنواع من الخل والسكريات والكحول المطلوبة عالمياً، كسكر الغلوكوز والفركتوز والكحول الصناعية والطبية.
ويضيف أن مثل هذه المشاريع سيكون لها مردود إيجابي على سوق العمل المحلي، من خلال توفير فرص العمل وتوظيف الشباب العُماني.
ويرى أن مثل هذه المشاريع يجب أن يبادر إلى تأسيسها القطاع الاستثماري الخاص، الذي يتوجب عليه أن ينظر إلى النخلة وما تنتجه من التمور كقيمة ثقافية وهوية مجتمعية ووطنية، وليس من منظور اقتصادي فحسب.
تاجر التمور خلف المحرزي، يشير إلى أن البحرينيين والقطريين والكويتيين يفضّلون البلح العماني على موائدهم لا سيما في شهر رمضان، إلا أنه يشكو من ارتفاع الأسعار في الفترة الأخيرة، فيما يعزو الكثير من المزارعين ذلك إلى تزايد كلفة الإنتاج الزراعي.

اقرأ أيضا: المغرب يحقق إنتاجاً قياسياً من التمور
دلالات
المساهمون