ما إن عاد الناس إلى حياتهم اليومية بعد انتهاء فترة الحجر المنزلي، حتى ارتفعت نسبة التلوث في سماء القاهرة مجدداً، وبشكل كبير، وهو ما قد يؤدي إلى أمراض تنفسية خطيرة، من دون أي تدخّل من وزارة البيئة
عاد تلوث الهواء ليسجل مستويات عالية بين سكان القاهرة الكبرى، بعد انخفاضه بشكل ملحوظ خلال الأشهر الماضية، نتيجة الإغلاق وحظر التجول بسبب تفشي فيروس كورونا في البلاد منذ منتصف مارس/آذار الماضي. حيث سجلت محطات الشبكة القومية لرصد ملوثات الهواء التابعة لوزارة البيئة والمنتشرة في المحافظات المصرية، ارتفاعاً بتركّز الملوثات في مناطق القاهرة الكبرى، في ظل الانبعاثات الناتجة عن عوادم السيارات ووسائل النقل العام، وحرق النفايات، ما أدى إلى شعور المواطنين بارتفاع شديد في درجات الحرارة، وارتفاع نسبة الرطوبة، وعدم الشعور بالارتياح العام داخل وخارج المنازل.
ويكشف مصدر مسؤول في هيئة الأرصاد الجوية أنّ نسبة تلوث الهواء في القاهرة بشكل خاص بدأت تظهر خلال شهر يوليو/تموز الماضي، بعد عودة الحياة إلى طبيعتها. بالتالي، عاد الازدحام إلى الشارع، والتخلص من النفايات الصلبة والضارة بطريقة غير آمنة من خلال حرقها في الشوارع، ما أدى إلى ارتفاع نسبة الملوثات إلى مستويات خطيرة. ويتّهم المصدر وزارة البيئة بعدم الاستعداد الجيد لمواجهة أزمة التلوث، علماً أن الأمر كان متوقعاً بعد عودة الحياة إلى طبيعتها، من دون أي اكتراث للتأثير الصحي والاقتصادي، مشدداً على أنّ المصريين يختنقون وقد أوشكوا على التحول إلى مخلوقات تتنفس ثاني أكسيد الكربون والحديد والرصاص. ويستنكر سوء إدارة الملف البيئي الذي جعل القاهرة تحتل المرتبة الأولى من بين 10 مدن، لناحية تلوث الهواء والضوء والضوضاء عام 2018، بحسب مجلة "فوربس".
يضيف المسؤول، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، أن أزمة كورونا أدت إلى انخفاض نسبة الملوثات من غازات الكربون والكبريت، بسبب الحد من الانبعاثات الناتجة عن عوادم السيارات والمصانع من شهر إبريل/نيسان وحتى يونيو/حزيران، مطالباً بتشكيل لجنة تقصي حقائق بشأن الوضع الكارثي الذي وصل إليه تلوث الهواء في القاهرة. ويوضح أن وزارة البيئة لم تقم بالدور المنوط بها لوضع استراتيجية لإدارة المخلفات الصلبة والاستفادة منها، حفاظاً على البيئة وصحة المواطنين. ويوضح أنّ حصيلة المخلفات خلال أيام العيد على مستوى محافظات القاهرة الكبرى (القاهرة - الجيزة - القليوبية) وصلت إلى أكثر من 120 طناً، وقد احتلت القاهرة المرتبة الأولى. وكان التعامل معها إما بالحرق بواسطة الأهالي، أو تركها تتراكم في الشوارع، لتؤدي إلى الإصابة بالأمراض التنفسية والصدرية والسرطان وغيرها.
إلى ذلك، يرى أستاذ الأمراض الصدرية في جامعة عين شمس، ياسر مصطفى، أن زيادة التلوث في الهواء له آثار ضارة على الرئتين، ويؤدي إلى زيادة التهاب الشعب الهوائية، ونوبات الربو، وتهيج الأغشية المخاطية، والإصابة بأمراض القلب. كما أن كل أعضاء الجسم تكون مهددة بالأمراض نتيجة استنشاق الأدخنة والمواد الكيميائية، مشيراً إلى أن الإحصائيات أثبتت إصابة 17 في المائة من الأطفال بحساسية صدرية في محافظات عدة، بسبب تلوث الهواء، نصف هؤلاء من سكان القاهرة الكبرى. وبالتالي، تؤثر الملوثات على الجهاز التنفسي للأطفال مباشرة، ما يسبب ضيقاً في الشعب الهوائية، مع انخفاض في مستوى الأوكسجين في الدم. وكلما كان سن الطفل أصغر، يكون تأثير الملوثات أقوى، ويؤدي إلى تغيرات دائمة أو مستديمة في الشعب الهوائية والإصابة بأمراض الرئة.
من جهته، يشير الخبير في شؤون البيئة ياسر حسن، إلى أن تحسّن جودة الهواء خلال أيام حظر التجول كان مؤقتاً، كذلك ارتفاع نسبة التلوث بعد الحجر، نتيجة الكميات الكبيرة من عوادم الوقود سواء من المركبات والمصانع، إضافة إلى الطائرات، ما أدى إلى أضرار بيئية.
ويوضح أن التلوث بأنواعه المختلفة يهدد حياة المصريين، ويستدعي تدخلاً عاجلاً. ويشير إلى أن هناك الآلاف من السيارات التي تجوب شوارع القاهرة يومياً ولا تصلح للسير، بسبب سوء صيانة محركاتها، وبالتالي زيادة كمية الانبعاثات الناتجة عن العوادم. ويؤدي الازدحام المروري إلى آثار بيئية مباشرة، وبالتالي تداعيات بيئية وصحية واقتصادية واجتماعية خطيرة.
كما أدى التلوث البيئي الذي تشهده القاهرة إلى غضب العديد من المواطنين، ويؤكد البعض في حديثهم لـ "العربي الجديد" أنهم يعانون بشدة من التلوث البيئي، وهو ما أشار إليه المهندس علي مصطفى. يقول إنه يعاني بسبب ارتفاع مستويات التلوث في القاهرة حيث يعيش ويعمل، موضحاً أن نسبة التلوث أدت إلى شعور المواطنين بدرجة الحرارة المرتفعة نهاراً والرطوبة ليلاً. ويرى أسامة أحمد، وهو موظف، أن الحفاظ على البيئة يأتي في ذيل أولويات الحكومة المصرية، لافتاً إلى أن عدم الاهتمام بالبيئة أدى إلى زيادة الأمراض وحدّتها نتيجة تلوث الهواء الذي يحيط بنا طوال الوقت. ويقول ناصر محمود، وهو موظف في القطاع الخاص، إن تلوث الهواء وصل في القاهرة إلى معدلات غير محتملة. يتابع: "نعاني من آثاره المدمرة علينا وعلى أولادنا".