التلفزيون طوق نجاة أخير للسينمائيين المصريين؟

20 يونيو 2018
من "الجماعة 2" لشريف البنداري (فيسبوك)
+ الخط -
في ثمانينيات القرن الـ20 وتسعينياته، كما في الأعوام الأولى من الألفية الجديدة، كانت جماليات الأفلام السينمائية مختلفة عن تلك الخاصة بالدراما التلفزيونية في مصر. كان "بطلُ" المسلسلات الكاتبَ، باعتمادٍ شبه كامل على الحوار والشخصيات، ومن دون طموحات بصرية كبيرة. لذلك، كان هناك فصل شبه تام بين مخرجي السينما الذين لا يحبّون المسلسلات، وأشهرهم روّاد موجة الواقعية الجديدة، كمحمد خان وعاطف الطيب وداوود عبد السيد وخيري بشارة، ومخرجي التلفزيون، كإسماعيل عبد الحافظ وجمال عبد الحميد ومجدي أبو عميرة وغيرهم، ممن تندر أعمالهم السينمائية.

في الأعوام الأخيرة، تغيَّر هذا الوضع تمامًا لأسباب عديدة، أولها أن صناعة المسلسلات في العالم كلّه تغيّرت مؤخّرًا على الأقلّ، وتحديدًا مع أعمالٍ مشهورة كـBreaking Bad، الذي بدأ عرضه عام 2008، وصُوِّر أساسًا بـ"خام 35 مم" وليس بـ"ديجتال"، ليؤكّد على تضاؤل المسافة بين السينما والتلفزيون، قبل أن ينال شهرة وتقديرًا فنيًا استثنائيًا، إلى درجة أن البعض اعتبره "فيلمًا سينمائيًا عظيمًا يمتد على 50 ساعة"؛ أو Game Of Thrones، الذي بدأ عرض موسمه الأول عام 2010، بتكلفة إنتاجية بلغت، أحيانًا، 10 ملايين دولار أميركي للحلقة الواحدة، وبقدر كبير من الضخامة والملحمية لم يعتده التلفزيون سابقًا.

بالإضافة إلى ذلك، فإن مخرجين محسوبين على السينما، أمثال ديفيد فينشر ومارتن سكورسيزي والأخوين واتشوفسكي، حقّقوا مسلسلات تلفزيونية ناجحة للغاية.



في الوقت نفسه تقريبًا، اندلعت "ثورة 25 يناير" المصرية (2011)، فارتأى المنتجون، في ظلّ التغييرات الاقتصادية والسياسية، عدم المخاطرة بالإنتاج السينمائي، نظرًا إلى انشغال الناس بالأوضاع العامة، والفشل التجاري لمعظم الأفلام المعروضة حينها. هذا سبب ثانٍ لتغيّر الوضع المحلي، حيث انخفض معدل صناعة الأفلام بشدّة، وبات ضروريًا البحث عن بديل، فكان التلفزيون المكانَ المناسب للاستثمار الفني المالي، إذْ أصبح أضمن اقتصاديًا، لأن المسلسل يُباع إلى قنوات مصرية وعربية عديدة، بغضّ النظر عن نسبة مشاهدته. هكذا يضمن المنتج، منذ البداية، استعادة أمواله، وكذلك القناة التلفزيونية التي تعتمد على الإعلانات. هذا كلّه يعني أن إنتاج الدراما التلفزيونية لا يتوقف.

نتيجة لذلك، شهدت الأعوام التالية للثورة هجرة جماعية للمخرجين من السينما إلى التلفزيون، ومثَّل عام 2013 أقوى ملامحها، إذْ حقّق 3 مخرجين سينمائيين مسلسلات تمّ تقديرها جدًا، فنيًا وجماهيريًا: "موجة حارة" لمحمد ياسين و"بدون ذكر أسماء" لتامر محسن و"ذات" لكاملة أبو ذكري. بعد ذلك، توالت أعمال تلفزيونية للمخرجين الـ3، ولآخرين أيضًا قادمين من السينما، إذْ تحوّلت الدراما التلفزيونية إلى مكانٍ يُعطي للمخرج "مساحة أكبر من الحرية"، كما قال محسن بعد عرض مسلسله "هذا المساء". فالمنتج يتدخّل بشكل أقل، لأنه يضمن في الأحوال كلّها استعادة ما أنفقه، و"بات العثور على إنتاجٍ لمسلسل أسهل كثيرًا من إنتاج فيلم" كما قالت أبو ذكري.

في العام الأخير، استمرّت حالة الانتقال، مع "ظهور" أسماء جديدة، كشريف البنداري مخرج مسلسل "الجماعة 2"، ومخرجات "سابع جار" القادمات من السينما: آيتن أمين مخرجة "فيلا 69" (2013) ونادين خان مخرجة "هرج ومرج" (2012) وهبة يسري، وكان آخر فيلم سينمائي لها بعنوان "ستو زاد، أول عشق" (2011).



في شهر رمضان 2018، عُرضت مسلسلات "طايع" لعمرو سلامة، أحد أبرز الوجوه السينمائية الشابة في العقد الأخير، و"بالحجم العائلي" لهالة خليل، مخرجة "أحلى الأوقات" (2004) و"قص ولصق" (2007) و"نوارة" (2015).

الظروف الفنية ـ الإنتاجية تلك يؤدّي إلى ارتفاعٍ ملحوظ في مستوى المسلسلات التلفزيونية، المتطوّرة بصريًا أكثر بكثير من قبل، لكنها ـ في الوقت نفسه ـ تزيد من الخطر على السينما المصرية، مع استمرار انخفاض معدل الإنتاج، وامتلاء صالات العرض السينمائي بأفلام مخرجي "الأكشن" ذي النكهة الأميركية، أو مخرجي الكوميديا الذين يتركون للـ"نجم" مساحة مطلقة للارتجال وإطلاق "إيفيهاته". بينما تتضاءل فرص المخرجين الذين لديهم رؤى جمالية وسينمائية أو مشاريع درامية حقيقية، ويستمر لجوءهم إلى التلفزيون "طوق النجاة الأخير".
دلالات
المساهمون