31 أكتوبر 2024
التكتيك الروسي لحماية الأسد
تشير التحوّلات الحاصلة في مواقف القوى الدولية والإقليمية من دور بشار الأسد في المرحلة الانتقالية إلى وجود طرح روسي متماسك، ومغر في الوقت نفسه، والواضح أن ثمة قناعة، إلى حد ما، بهذا الطرح من هذه الأطراف، وثمة توجّه في إعطائه فرصة لترجمته في الواقع.
إذا اتبعنا مبدأ حسن النية في تفسير هذه الحالة، فإنه يمكن استخدام حزمة من العناصر تصلح لفهم الطرح الروسي، واكتشاف مضامينه على اعتبار أنّها عناصر واقعية، يمكن الانطلاق منها، والبناء عليها:
- تقوم أهم مرتكزات الطرح الروسي على أن الحاجة لوجود الأسد في المرحلة المقبلة تفرضها طبيعة توازنات القوة في سورية، بالإضافة إلى وقائع اجتماعية وسياسية حاكمة، إذ لا يمكن إقناع البيئة الموالية له بتنازل من هذا الحجم، في وقت ترى فيه تلك البيئة أنها تخوض معركة مصيرية وجودية، وليس مجرد صراع سياسي. وبالتالي، فإن تغيّرات بحجم إزاحة فورية للأسد لن تكون مساعدة على الدخول في العملية السياسية.
-على الجهة المقابلة، تحتاج القوى الأخرى إلى إعادة هيكلة الميدان والقوى الفاعلة فيه، فكما أنّ الأسد لن يكون وجوده مقبولاً في مستقبل سورية، فإن القوة المقابلة ليست كلها صالحة لأن تكون شريكاً في العملية السياسية، بما يستدعي إعادة تنظيم مسرح العمليات وتشذيبه، وبذلك تضرب روسيا على الوتر الحسّاس، المتمثل في مخاوف قوى إقليمية ودولية من بعض التشكيلات الميدانية.
- يشكّل العامل الإيراني عنصراً مساعداً لإقناع القوى الإقليمية والدولية بالمقاربة الروسية، ويكشف صمت أغلب الدول العربية عن التدخل الروسي أنه ناتج عن كونها تعتبره طارداً للتدخل الإيراني، وتكيّف الدول العربية قناعاتها تلك أن الوجود الروسي جيواستراتيجي، وليس استعمارياً، وتعرف دول المنطقة، من خبرتها التاريخية، أن وجود قواعد للدول الكبرى في الإقليم لم يؤثر على سياسات تلك الدول، ولا على تركيبتها الاجتماعية، بعكس الوجود الإيراني الذي يداني حالات الاستعمار في نمطها الاستيطاني الإحلالي.
من جهة ثانية، يطرح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في الموضوع الإيراني، أيضاً، قضية
عملانية معقدة، تتعلق بصعوبة تفكيك الوجود الإيراني في سورية، بما صنعه من مراكز قوى ومليشيات عسكرية، من دون وجود روسي يسند مؤسسة الرئاسة ويدعمها، وينقذ مؤسسات الدولة "الجيش والأمن"، قبل أن يتم أيرنتها واستنساخ النموذج العراقي.
- ومع دخول العامل الإسرائيلي بكثافة على خط التطورات، تمتلك روسيا ورقة إضافية لتدعيم طرحها في مواجهة الأميركيين خصوصاً، على اعتبار أنها ستكون الكفيل والضامن لأمن إسرائيل في المعادلة الجديدة التي تطرحها، فيما لم تتضمن المعادلات الأخرى التي تم العمل بها، مثل إشراف غرفة المعارك على الجبهة الجنوبية، أي ضمانة بهذا الخصوص، ولم تمنع حصول عمليات ضد إسرائيل من حلفاء إيران.
على ذلك، يمكن تلخيص ما تطرحه موسكو على مختلف الأطراف، وفق الصيغة التالية: قبول وجود بشار الأسد ضمن مرحلة انتقالية، يُصار من خلالها إلى ترتيب الجبهتين المتقابلتين سياسياً وعسكرياً، بما في ذلك إعادة هيكلة الجبهات جميعها، وتطهير القوى التي ستتولى إدارة المرحلة الانتقالية وحمايتها، عبر إعادة هيكلة أجهزة الدولة ومؤسساتها، وخصوصاً العسكرية والأمنية، على أن يتخلّل هذه المرحلة إجراء انتخابات برلمانية، ليتسنى تفعيل السلطات التشريعية، والتي سيكون منوطاً بها رسم شكل الدولة، والعلاقة بمكوّناتها وطبيعة نظام الحكم وعلاقة السلطات ببعضها بعضاً.
حسناً، من الناحية النظرية، ربما لا تملك أغلب القوى ترف رفض هذا الطرح، على اعتبار أنه سيكون عتبة الولوج إلى استقرار سورية، ونهاية أزمتها الدامية. وبالتالي، تستدعي الواقعية السياسية المرونة تجاه بعض القضايا، حتى يُصار إلى تفكيك العقد العديدة التي تلف الأزمة، سواء منها الداخلي أو التشابكات الإقليمية الدولية، والخلوص إلى عملية منظمة لإدارة الحل السياسي، وبلورة مخرجاته.
لكن، عملياً ما هي الضمانات التي تقدمها روسيا للأطراف، وهل ثمة خريطة طريق واضحة للقيام بهذه العملية؟ ولعل السؤال الذي يتبادر للذهن: من هي الأطراف والقوى التي تريد روسيا شطبها لتهيئة المسرح للعملية السياسية، هل جميع القوى التي تحارب نظام الأسد؟ وما موقفها من التشكيلات التي يديرها قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، على الأرض السورية، خصوصاً وأنّه كان على تنسيق مباشر مع الروس، عشية إعلانهم التدخل في سورية في زياراته إلى موسكو؟
بالإضافة لذلك، ما هو وضع إيران، وكيف سيمكن إخراجها من دمشق وحمص والقلمون، وتفكيك بنية سيطرتها في سورية، وما وضع العقارات التي وضعت يدها عليها، بذريعة الاستثمار أو الشراء، وكيف سيكون وضع المناطق التي جرى تهجير سكانها، وإحلال مواطنين من خارج سورية مكانهم؟
واضح أن أولويات الروس، في هذه المرحلة، تنحصر في نقطتين: تبرير تدخلهم في سورية، وضمان حماية حليفهم ووقف انهيار قواته على جبهات محدّدة، دمشق وسهل الغاب. وفي سبيل ذلك، هم معنيون بصياغة مقاربة نظرية، تغري الأطراف المختلفة، ويتوقف اهتمامهم عند هذه الحدود، وغير معنيين ببقية المسائل الأخرى التي تبدو فوق طاقتهم، وخارج نطاق أهدافهم الاستراتيجية في سورية.
إذا اتبعنا مبدأ حسن النية في تفسير هذه الحالة، فإنه يمكن استخدام حزمة من العناصر تصلح لفهم الطرح الروسي، واكتشاف مضامينه على اعتبار أنّها عناصر واقعية، يمكن الانطلاق منها، والبناء عليها:
- تقوم أهم مرتكزات الطرح الروسي على أن الحاجة لوجود الأسد في المرحلة المقبلة تفرضها طبيعة توازنات القوة في سورية، بالإضافة إلى وقائع اجتماعية وسياسية حاكمة، إذ لا يمكن إقناع البيئة الموالية له بتنازل من هذا الحجم، في وقت ترى فيه تلك البيئة أنها تخوض معركة مصيرية وجودية، وليس مجرد صراع سياسي. وبالتالي، فإن تغيّرات بحجم إزاحة فورية للأسد لن تكون مساعدة على الدخول في العملية السياسية.
-على الجهة المقابلة، تحتاج القوى الأخرى إلى إعادة هيكلة الميدان والقوى الفاعلة فيه، فكما أنّ الأسد لن يكون وجوده مقبولاً في مستقبل سورية، فإن القوة المقابلة ليست كلها صالحة لأن تكون شريكاً في العملية السياسية، بما يستدعي إعادة تنظيم مسرح العمليات وتشذيبه، وبذلك تضرب روسيا على الوتر الحسّاس، المتمثل في مخاوف قوى إقليمية ودولية من بعض التشكيلات الميدانية.
- يشكّل العامل الإيراني عنصراً مساعداً لإقناع القوى الإقليمية والدولية بالمقاربة الروسية، ويكشف صمت أغلب الدول العربية عن التدخل الروسي أنه ناتج عن كونها تعتبره طارداً للتدخل الإيراني، وتكيّف الدول العربية قناعاتها تلك أن الوجود الروسي جيواستراتيجي، وليس استعمارياً، وتعرف دول المنطقة، من خبرتها التاريخية، أن وجود قواعد للدول الكبرى في الإقليم لم يؤثر على سياسات تلك الدول، ولا على تركيبتها الاجتماعية، بعكس الوجود الإيراني الذي يداني حالات الاستعمار في نمطها الاستيطاني الإحلالي.
من جهة ثانية، يطرح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في الموضوع الإيراني، أيضاً، قضية
- ومع دخول العامل الإسرائيلي بكثافة على خط التطورات، تمتلك روسيا ورقة إضافية لتدعيم طرحها في مواجهة الأميركيين خصوصاً، على اعتبار أنها ستكون الكفيل والضامن لأمن إسرائيل في المعادلة الجديدة التي تطرحها، فيما لم تتضمن المعادلات الأخرى التي تم العمل بها، مثل إشراف غرفة المعارك على الجبهة الجنوبية، أي ضمانة بهذا الخصوص، ولم تمنع حصول عمليات ضد إسرائيل من حلفاء إيران.
على ذلك، يمكن تلخيص ما تطرحه موسكو على مختلف الأطراف، وفق الصيغة التالية: قبول وجود بشار الأسد ضمن مرحلة انتقالية، يُصار من خلالها إلى ترتيب الجبهتين المتقابلتين سياسياً وعسكرياً، بما في ذلك إعادة هيكلة الجبهات جميعها، وتطهير القوى التي ستتولى إدارة المرحلة الانتقالية وحمايتها، عبر إعادة هيكلة أجهزة الدولة ومؤسساتها، وخصوصاً العسكرية والأمنية، على أن يتخلّل هذه المرحلة إجراء انتخابات برلمانية، ليتسنى تفعيل السلطات التشريعية، والتي سيكون منوطاً بها رسم شكل الدولة، والعلاقة بمكوّناتها وطبيعة نظام الحكم وعلاقة السلطات ببعضها بعضاً.
حسناً، من الناحية النظرية، ربما لا تملك أغلب القوى ترف رفض هذا الطرح، على اعتبار أنه سيكون عتبة الولوج إلى استقرار سورية، ونهاية أزمتها الدامية. وبالتالي، تستدعي الواقعية السياسية المرونة تجاه بعض القضايا، حتى يُصار إلى تفكيك العقد العديدة التي تلف الأزمة، سواء منها الداخلي أو التشابكات الإقليمية الدولية، والخلوص إلى عملية منظمة لإدارة الحل السياسي، وبلورة مخرجاته.
لكن، عملياً ما هي الضمانات التي تقدمها روسيا للأطراف، وهل ثمة خريطة طريق واضحة للقيام بهذه العملية؟ ولعل السؤال الذي يتبادر للذهن: من هي الأطراف والقوى التي تريد روسيا شطبها لتهيئة المسرح للعملية السياسية، هل جميع القوى التي تحارب نظام الأسد؟ وما موقفها من التشكيلات التي يديرها قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، على الأرض السورية، خصوصاً وأنّه كان على تنسيق مباشر مع الروس، عشية إعلانهم التدخل في سورية في زياراته إلى موسكو؟
بالإضافة لذلك، ما هو وضع إيران، وكيف سيمكن إخراجها من دمشق وحمص والقلمون، وتفكيك بنية سيطرتها في سورية، وما وضع العقارات التي وضعت يدها عليها، بذريعة الاستثمار أو الشراء، وكيف سيكون وضع المناطق التي جرى تهجير سكانها، وإحلال مواطنين من خارج سورية مكانهم؟
واضح أن أولويات الروس، في هذه المرحلة، تنحصر في نقطتين: تبرير تدخلهم في سورية، وضمان حماية حليفهم ووقف انهيار قواته على جبهات محدّدة، دمشق وسهل الغاب. وفي سبيل ذلك، هم معنيون بصياغة مقاربة نظرية، تغري الأطراف المختلفة، ويتوقف اهتمامهم عند هذه الحدود، وغير معنيين ببقية المسائل الأخرى التي تبدو فوق طاقتهم، وخارج نطاق أهدافهم الاستراتيجية في سورية.