التقسيم الإداري الجديد لمصر: إحكام السيطرة على المناطق الصحراوية

27 اغسطس 2014
ستنشأ في كل محافظة مديرية أمن (الأناضول/ Getty)
+ الخط -

تعدّ الحكومة المصرية مشروع زيادة ثلاث محافظات جديدة إلى التقسيم اﻹداري القائم حالياً، وإعادة ترسيم حدود بعض المحافظات، خصوصاً القاهرة والجيزة والسويس فضلاً عن جميع محافظات الصعيد.

هذا المشروع كان جزءاً من البرنامج الانتخابي للرئيس الحالي، عبد الفتاح السيسي، يتضمن  إيجاد منافذ على البحر اﻷحمر للقاهرة ومحافظات الصعيد، على أن تقلّص مساحة محافظة البحر اﻷحمر الحالية، التي تحتل مساحة الصحراء الشرقية بالكامل، إلى مدينة الغردقة ومساحة صغيرة أخرى.

أما المحافظات الجديدة، فستقتطع اﻷولى من مطروح الحالية، شمالي غرب البلاد، تحت اسم "العلمين"، وستضم ثلاثة مراكز في الطريق بين اﻹسكندرية ومرسى مطروح. كما ستقتطع محافظة الواحات من محافظة الجيزة الحالية، لتضم الواحات البحرية وسط الصحراء غرب النيل، في حين ستقتطع محافظة وسط سيناء، لتشمل القطاع الأوسط، من شبه الجزيرة، وستظل شمال سيناء، في عاصمتها العريش، وستقتصر جنوب سيناء على المدن والمنتجعات السياحية المطلة على البحر اﻷحمر.

وبحسب مصادر عملت في حملة السيسي الانتخابية، فإن التقسيم الجديد يهدف إلى ملء الفراغ الصحراوي، شرق وغرب النيل بمزيد من الوحدات الادارية، التي سيتبعها مزيد من التواجد اﻷمني والعسكري، باعتبار أن كل محافظة ستنشأ فيها مديرية للأمن، وسيكون فيها تواجد عسكري للقوات المسلحة، سيتنوع حجمه بحسب الطبيعة الاستراتيجية لكل محافظة.

كما يهدف المشروع الى إحكام السيطرة اﻷمنية على المناطق الصحراوية، إذ تؤكد المصادر استناداً إلى تقارير الاستخبارات الحربية ارتفاع معدﻻت المخالفات القانونية من عمليات تهريب السلاح والمخدرات في المحافظات شاسعة المساحة، وبصفة خاصة في مطروح غرباً والبحر اﻷحمر شرقاً، باﻹضافة إلى عدم وجود سيطرة كاملة على قطاع وسط سيناء بسبب التركيز على الساحل الشمالي والجنوبي لها ﻷسباب استراتيجية قديمة. وهو اﻷمر الذي ترك القطاع اﻷوسط  لفترات طويلة من دون رقابة محكمة.

أما السبب الثالث للمشروع فهو تنموي، إذ تشير المصادر إلى أن "السيسي يهدف الى زيادة عدد المدن الجديدة في الصحراء الشرقية، لتكون متنفساً طبيعياً لمحافظات الصعيد المتاخمة منذ التقسيم اﻹداري اﻷول لنهر النيل، وتزيد فيها الكثافة السكانية، وتعاني من فقر مدقع وشحة في فرص العمل، وﻻ سيما أن الصحراء الشرقية تفتقر الى المدن المأهولة، على الرغم من صلاحية بعض مناطقها لذلك".

وعما إذا كانت الطبيعة الحدودية الجديدة لمعظم المحافظات ستؤثر على أسلوب اختيار المحافظين، تؤكد المصادر أن "هناك نية تعيين محافظين ذوي خلفية عسكرية في المحافظات الجديدة الثلاث، غير أن الوضع لا يزال غير واضح في محافظات الصعيد، وما إذا كان سيتم اﻻعتماد على محافظين عسكريين أو شرطيين سابقين، كما جرت العادة منذ تسعينيات القرن الماضي".

في المقابل، تنفي مصادر حكومية تأثير التقسيم الجديد للمحافظات على تقسيم الدوائر اﻻنتخابية قبل البرلمان الجديد، مؤكدة أن "الدوائر في اﻷغلب لن تتغير، إذ ستنتقل مراكز بعينها من محافظة الى أخرى. كما أن المناطق المضافة الى محافظات الصعيد ليست ذات كثافة سكانية تُذكر".

غموض التنفيذ

وفي الوقت الذي لا يزال فيه الغموض يحيط قرار وزير التنمية المحلية، اللواء عادل لبيب، الذي أعلنه الأربعاء الماضي، بخصوص ترسيم الحدود بين المحافظات، وإضافة ثلاث محافظات مصرية جديدة، وهي وسط سيناء والعلمين والواحات، ينتقد سياسيون مصريون عدم وضوح أهداف وأسباب صدور مثل هذا القرار في هذا التوقيت، وخصوصاً أن تجربة إنشاء محافظات جديدة، كمحافظة حلوان و6 أكتوبر، فشلت في السابق، وتم العدول عنها بعد ثلاث سنوات.

وفي السياق، يقول المتحدث باسم حركة "مهندسون ضد الانقلاب"، أحمد صديق، لـ"العربي الجديد" إن "أي تغيير لا بد أن يخضع أولاً لإرادة الناس، فعندما يكون هناك برلمان منتخب يعبر عن المواطنين، ويملك أن يقول نعم أو لا على مثل هذا القرار، لأنه في النهاية يمسّ مصالح المواطنين".

ويشير صديق إلى "القرار الذي أصدره الرئيس المخلوع، حسني مبارك، في 17 أبريل/نيسان عام 2008 باعتبار حلوان و6 أكتوبر محافظتين مستقلتين، واضطر مجلس الوزراء بعدها إلى العدول عن هذا القرار في 14 أبريل/ نيسان 2011 بسبب الانتقادات التي وجهت للقرار".

ويضيف "لا يوجد خيال ولا رؤية لدى النظام الحالي، والأسلوب المتبع حالياً هو "البلطجة" منذ الانقلاب على الرئيس محمد مرسي، فالحكم العسكري لا يعرف سوى إصدار الأوامر".

ويستبعد أن يكون صدور هذا القرار في هذا التوقيت مرتبطاً بالانتخابات البرلمانية، أو بقانون تقسيم الدوائر الانتخابية، الذي لم يصدر بعد، موضحاً أن "الموضوع أكبر من الانتخابات، وأن هناك شيئاً ما يدبّر".

من جهته، يوضح الخبير السياسي في مركز "الأهرام للدراسات السياسية والاقتصادية" سامح راشد، أن "هناك غموضاً حول دوافع إصدار هذا القرار، وخصوصاً فصل منطقة العلمين ووسط سيناء بزعم تنميتهما، إذ أن الاهتمام بشمال سيناء وجنوبها يشمل بالضرورة الاهتمام وتنمية وسطها". ويضيف "لا يوجد أي دليل يفسر الأسباب التي يقولها وزير التنمية المحلية، أو يطرحها النظام، وربما يكون إصداره مرتبطاً بأغراض انتخابية، لكن في النهاية لا يوجد تفسير واضح له".

من جهة أخرى، يتساءل عضو المكتب السياسي في حزب "مصر القوية"، محمد المهندس، "عن مدى مقدرة دولة تعاني من عجز في موازنتها العامة على القيام بمثل هذا القرار". ويضيف "كيف أنشئ محافظات جديدة، وبالأساس غير قادر على إنشاء طرق توصل بينها وبين باقي المناطق، وكيف أقوم بذلك وأحوّله الى واقع يستفيد منه الناس ولا يكون مجرد بروباجندا؟".

ويعتبر المهندس أن "الأمور تُدار في مصر بشكل عشوائي غير مدروس"، مشيراً إلى أن "أهداف التقسيم لم تظهر، ولا يوجد مخطط واضح".
ويلفت إلى أن "محافظة 6 أكتوبر سابقاً كانت مؤهلة ولديها بالفعل مقومات تجعلها محافظة مستقلة، ولكن لسوء الإدارة والتنظيم وعدم شعور المواطنين بأي تغيير، تم إلغاء القرار".

ولم يتردد مسؤول تنظيم قطاع "القناة وسيناء" في حملة المرشح الرئاسي حمدين صباحي، عبد الرحمن سعيد، في وصف قرار التقسيم الجديد، بأنه "ظالم لشمال سيناء، وسيخلق طبقة جديدة ويقوم بالتنمية في وسط سيناء، في حين يُبقي شمال سيناء معزولة، مثلما وعدوا مرات عدة سابقاً بتنميتها وتركوها".

بدوره، يستبعد أن "يكون للقرار علاقة بتقسيم الدوائر الانتخابية الذي لم تصدره الحكومة بعد"، مشيراً إلى أنه "في النهاية هناك كتلة صلبة سيستند إليها النظام في البرلمان".

المساهمون