تمثّل معارض الكتب فرصة لمعاينةٍ ميدانية لواقع النشر في فضاء ثقافي ما. غير أن فهم هذا الواقع يحتاج كذلك إلى مقاربات بأدوات مختلفة، ومنها الجانب الإحصائي. في هذا السياق، يُشكّل "المعرض الدولي للنشر والكتاب"، الذي اختُتمت دورته السادسة والعشرون أول أمس الأحد في الدار البيضاء، أحد التظاهرات العربية القليلة التي تقارب صناعة الكتاب، ليس فقط كعلاقة وساطة تجارية بين الكتاب والقارئ بل أيضاً كمناسبة لتطوير مجال النشر. وفي هذا الإطار، يصدر تقريره السنوي حول وضعية النشر والكتاب في المغرب.
يتضمّن التقرير الجديد بيبلوغرافيا الإصدارات المغربية في سنتي 2018 و2019، وبيبلوغرافيا المجلّات، والإصدارات الرقمية، في محاولة لتحديد "التوجّهات الكبرى التي تشهدها حركة النشر في المغرب، وفي المجالات الأدبية والحقول المعرفية الإنسانية والاجتماعية، وفق مؤشّرات اللغات والمجالات المعرفية، والترجمات وخصائص خارطة النشر"، كما ورد في تقديم التقرير الذي أنجزته "مؤسّسة عبد العزيز للدراسات الإسلامية والعلوم الإنسانية"، وهي مؤسّسة توثيقية مغربية.
وبحسب التقرير، فقد بلغت حصيلة النشر المغربي في السنتين المنقضيتين 4219 عنواناً، منها 3362 مطبوعةً ورقية (2932 كتاب و430 مجلّة). أمّا المنشورات الإلكترونية فبلغت 857 (745 كتاباً و112 مجلّة). ويُلاحَظ أن المنشورات الورقية ما زالت تمثّل الجزء الأكبر من حصيلة النشر المغربي في المجالات المعرفية، والتي تشمل العلوم الإنسانية والاجتماعية والإبداعات الأدبية. لكن النشر الإلكتروني يحقّق تطوّراً ملموساً من سنة إلى أخرى، وهو ما جعل التقرير يتساءل: "هل نحن على أعتاب ثورة تقنية يمكن أن تغيّر أنماط إنتاج وتداول واستخدام الكتابة في المجتمع المغربي؟"، فخلال السنوات الخمس الماضية، ارتفعت حصة النشر الإلكتروني في مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية من 3,4٪ إلى 20,31٪.
على مستوى لغة النشر، ظلّت العربية مهيمنةً بنسبة تتجاوز 78٪، متبوعةً بالفرنسية ثم لغات أجنبية أخرى مثل الإنكليزية والإسبانية والبرتغالية والألمانية. أمّا الأمازيغية فصدر بها 45 عنواناً، أي بنسبة 1,22٪ من مجموع الكتب المنشورة.
وعلى مستوى المجالات الكتابية، تشكّل الكتب الأدبية خُمس الإصدارات بـ 20,39٪، مع تسجيل ظاهرة باتت لافتةً للانتباه، تتمثّل في التقلُّص التدريجي للإنتاج الأدبي المغربي المكتوب بالفرنسية. وضمن الإصدارات الأدبية، يحتل الشعر المرتبة الأولى؛ حيث بلغ الإنتاج السنوي 264 عنواناً (35٪ من مجموع النشر الأدبي)، بينما يأتي السرد في المرتبة الثانية بـ 254 عنواناً (34٪)، في حين بلغت الترجمات 298 عنواناً، أي 27,5٪.
وعلى صعيد المواضيع، يرصد التقرير أنَّ المنشورات المغربية متمركزة بشكل كبير حول القضايا الوطنية؛ حيث تتناول 2447 عنواناً من المطبوعات (أي 64٪ من مجموع المنشورات)، بما في ذلك الإبداعات الأدبية، المجال المغربي، في حين لم تحظ المجالات العربية إلّا بــ 208 عناوين، فهل هي عودة قوية إلى النزعة المحلّية في وقت يجري الحديث عن العولمة والانفتاح؟ كما يتّضح، من خلال البيانات المتعلّقة بجنسيات المؤلّفين أن النشر المغربي متمركز على نشر نصوص الكتّاب المغاربة بنسبة 76,95٪، معظم هؤلاء من الذكور (83٪)، كما أنَّ معظم الإنتاج النسائي محصور في الكتابات الأدبية (153 عنواناً).
من أبرز النقاط التي رصدها التقرير النشرُ على نفقة المؤلّف، وهي ظاهرة تؤشّر على ضعف هيكلة النشر في المغرب، فنسبة كبيرة من المطبوعات، 736 عنواناً، أي بنسبة تزيد عن 25٪، تُنشَر بمبادرةٍ من المؤلّف وعلى نفقته الخاصة، ويترافق ذلك مع محدودية التوزيع؛ فقد لا يتجاوز الكتاب أحياناً المدينة التي يقيم فيها المؤلّف.
ومن أصل 158 مؤسّسة نشر ساهمت في حصيلة النشر لسنتي 2018 و2019، فإن 19 ناشراً فقط تمكّنوا من إصدار 20 كتاباً فأكثر، 12 منهم في الرباط والدار البيضاء. أمّا المعدّل العام، فكان 8 إصدارات بالنسبة إلى الناشرين الخواص، بينما لم تُصدر الهيئات الحكومية والمنظّمات والجمعيات، رغم عددها الكبير (296 مؤسسة) سوى 5,7 كتبٍ في المتوسّط.
يمكن أن نلاحظ أن التقرير يركّز أساساً على الكتب الصادرة بين الرباط والدار البيضاء، باعتبار أن معظم نشاط النشر في المغرب موزّع بين هاتين المدينتين، إضافة إلى صعوبة إيجاد منهجيات لمسح ما يصدر في بقية المدن.
بشكل عام، يقتصر التقرير على البعد البيبلوغرافي دون أن يمتدّ إلى الجانب الاقتصادي على أهميّته في عملية النشر، ولعلّه من العنصر الأكثر أولويةً لدى صنّاع الكتاب؛ حيث أن توفير بيانات، مثل أرقام المعاملات ومعدّلات السحب ونسب المبيعات، يُمثّل نقطة انطلاق أساسية تستفيد منها دور النشر في بناء توقّعاتها ووضع خططها.