30 أكتوبر 2024
التفكير في ما بعد كورونا
ما الذي يمكن أن تتعلمه الإنسانية من الانتشار العالمي والسريع لفيروس كورونا الذي ضرب الأرض، مغاربها ومشارقها، وكشف عري الإنسان وضعفه وهشاشته؟ ألم يسبق للبشرية أن تخطت كوارث مماثلة، وأزمات كبيرة، لكنها لم تتعلم منها الكثير؟ جاءت هذه الأزمة لتذكّر من جديد بأن ذاكرة الإنسان قصيرة، وأنه سرعان ما يعود إلى طبعه الأول كلما تخطّى محنة في انتظار أن تصيبه محنة أكبر. وفي زمن المحن، يعيد الإنسان تذكّر مآسي المحن التي شهدتها الإنسانية التي تسببت بها الكوارث والأوبئة والحروب وكأنه يكتشفها لأول مرة.
لقد جعلتنا هذه المحنة نعيد اكتشاف هشاشتنا وضعفنا، بشراً غير قادرين على مواجهة فيروس غير مرئي. وأعادت تذكيرنا بأننا متساوون، أغنياء وفقراء، مهما ابتعدت الحدود واختلفت الأعراق، أمام هذا الضعف البشري. وكشف اختبار هذه الأزمة أجمل وأنبل ما في الإنسان، ولكنها أظهرت أيضاً كثيراً من مساوئ النفس الإنسانية الأمّارة بالسوء وعيوبها.
جعلت هذا الأزمة الإنسانية تقف اليوم أمام واحدٍ من أصعب الاختبارات التي يجب أن تجعل الإنسان يفكر بجدّية في مستقبله على الكرة الأرضية. وأول ما يجب أن يذهب إليه تفكير البشرية، بعد اجتياز هذه المحنة، هو إعادة النظر في أنظمة التغطية الصحية العالمية التي أبانت عن محدوديتها، حتى في الدول الأكثر تقدّماً وتطوّراً، فطوال العقود الماضية تأثرت هذه الأنظمة في دول كثيرة بخفض نفقاتها على حساب رفع نفقات التسلح. وفي دول كثيرة، تم تخصيص أنظمتها الصحية، ما جعل الفئات الأكثر فقراً محرومةً من خدماتها، في تمييز واضح بين أبناء الوطن نفسه أمام واحد من أهم الحقوق التي تنص عليها مواثيق دولية، وتُقرّها قوانين دول كثيرة، وهو الحق في الصحة.
تدفع دول كثيرة اليوم ثمن سياسات التقشف القسري الذي فرضته على قطاع حيوي، مثل قطاع
الرعاية الصحية. وفي البلدان الغنية، لجأت حكوماتها إلى خزائنها لضخ مليارات الدولارات لإنقاذ الوضع، كما لاحظنا ذلك في أميركا ودول غربية عديدة ودول الخليج الغنية وقبلها الصين، فجل حكومات هذه الدول الغنية أعلنت عن رصد مليارات الدولارات للتصدّي لهذا الوباء. أما حكومات الدول الفقيرة فأغلبها تجد نفسها اليوم أمام بنيةٍ تحتية طبية هشة، ونقص فظيع في اللوازم والأدوية والطواقم البشرية، تقف عاجزةً عن الفعل أمام قصر ذات اليد. وهو ما يدعوها مستقبلاً إلى إعادة التفكير جدّياً في الاستثمار بشكل مستدام في الرعاية الصحية الأساسية، والاستعداد للأوبئة المستقبلية التي يحذّرنا منها يومياً الخبراء، من دون أن تنتبه الحكومات إلى تحذيراتهم.
ويقتضي الأمن الصحي للمواطن توفير أمنه الاقتصادي والاجتماعي أولاً وأخيراً، لأنه لا يمكن بناء صحة المواطن البدنية، وإهمال وضعه الاقتصادي ومدى تأثيره على وضعه الاجتماعي. وفي دول كثيرة تم اختزال مفهوم الأمن في الجانب السياسي الذي يفكر أولاً في وضع الأنظمة واستقرار الدول واستمرار الحكومات، وتصرف عليه مليارات الدولارات، وتجند له كل الإمكانات. والآن تجد كثيراً من هذه الدول التي أنفقت كثيراً من أموال دافعي ضرائبها على سياساتها الأمنية عاجزةً عن محاربة عدوها الجديد الذي لا يرى إلا عبر المجهر!
الأمر الثاني الذي يجب أن تتعامل معه الحكومات بجدّية أكبر، بعد اجتياز هذه المحنة، هو قضية
التغييرات المناخية، لأن أثرها السلبي الكبير يظهر في مثل هذه الأزمات. وبدلاً من صرف الأموال الكثيرة على الأسلحة التي لا يمكنها أن تواجه ظهور الأوبئة وتفشّيها، فتحدّيات المستقبل ستكون أمام الأوبئة والكوارث الطبيعية، بل وحتى الحروب المستقبلية بين البشر والدول ستكون جرثوميةً أو سيبرانيةً لا تحتاج إلى ترسانات عسكرية ضخمة، ففي أول اجتماع له، بعد أن بدأت بلاده تتعافى من أزمة كورونا، أكد الرئيس الصيني، شي جين بينغ، أمام اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، في 14 فبراير/ شباط الماضي، على أهمية التعلم من هذا الوباء، وتحسين أنظمة البلاد لمكافحة الأوبئة الجرثومية، وإدراج السلامة البيولوجية ضمن نظام الأمن القومي، ووضع خطط للوقاية في حالة الطوارئ الصحية العامة لإدارة الأزمات والمخاطر البيولوجية المستقبلية، ومعرفة كيفية السيطرة عليها والوقاية منها، والحدّ من تأثيرها.
يبقى المهم هو تطوير البحث العلمي ورفع مخصّصاته في ميزانيات الدول والجامعات ومراكز الأبحاث والشركات، فالأمراض المستقبلية ستكون غير تقليدية، وسيتطلب علاجها تدابير وقائية غير تقليدية وأدوية جديدة مبتكرة. واليوم يتيح استخدام التقنيات الرقمية المتطوّرة والذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية فرصاً وإمكانات كثيرة أمام البشرية لرصد الكوارث وتحليل الأوبئة وتتبع تطور الفيروسات، وهو ما قد يسهل طرق مكافحتها والوقاية منها، وإيجاد العلاج الطبي الذي يقابلها. وعلى الدول والحكومات توجيه دعمٍ كثير إلى البحث العلمي والتجارب الطبية، لإثبات فعاليتها أمام حالات انتشار الأمراض وتفشّي الأوبئة، فالعلم وحده هو الذي أثبت لنا اليوم أنه قادر على حماية الإنسان من أخطائه وما أكثرها! وقد آن الأوان أن نتعلم من هذه الأزمة، حتى لا يعيد التاريخ نفسه ويجدنا في المكان نفسه.
جعلت هذا الأزمة الإنسانية تقف اليوم أمام واحدٍ من أصعب الاختبارات التي يجب أن تجعل الإنسان يفكر بجدّية في مستقبله على الكرة الأرضية. وأول ما يجب أن يذهب إليه تفكير البشرية، بعد اجتياز هذه المحنة، هو إعادة النظر في أنظمة التغطية الصحية العالمية التي أبانت عن محدوديتها، حتى في الدول الأكثر تقدّماً وتطوّراً، فطوال العقود الماضية تأثرت هذه الأنظمة في دول كثيرة بخفض نفقاتها على حساب رفع نفقات التسلح. وفي دول كثيرة، تم تخصيص أنظمتها الصحية، ما جعل الفئات الأكثر فقراً محرومةً من خدماتها، في تمييز واضح بين أبناء الوطن نفسه أمام واحد من أهم الحقوق التي تنص عليها مواثيق دولية، وتُقرّها قوانين دول كثيرة، وهو الحق في الصحة.
تدفع دول كثيرة اليوم ثمن سياسات التقشف القسري الذي فرضته على قطاع حيوي، مثل قطاع
ويقتضي الأمن الصحي للمواطن توفير أمنه الاقتصادي والاجتماعي أولاً وأخيراً، لأنه لا يمكن بناء صحة المواطن البدنية، وإهمال وضعه الاقتصادي ومدى تأثيره على وضعه الاجتماعي. وفي دول كثيرة تم اختزال مفهوم الأمن في الجانب السياسي الذي يفكر أولاً في وضع الأنظمة واستقرار الدول واستمرار الحكومات، وتصرف عليه مليارات الدولارات، وتجند له كل الإمكانات. والآن تجد كثيراً من هذه الدول التي أنفقت كثيراً من أموال دافعي ضرائبها على سياساتها الأمنية عاجزةً عن محاربة عدوها الجديد الذي لا يرى إلا عبر المجهر!
الأمر الثاني الذي يجب أن تتعامل معه الحكومات بجدّية أكبر، بعد اجتياز هذه المحنة، هو قضية
يبقى المهم هو تطوير البحث العلمي ورفع مخصّصاته في ميزانيات الدول والجامعات ومراكز الأبحاث والشركات، فالأمراض المستقبلية ستكون غير تقليدية، وسيتطلب علاجها تدابير وقائية غير تقليدية وأدوية جديدة مبتكرة. واليوم يتيح استخدام التقنيات الرقمية المتطوّرة والذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية فرصاً وإمكانات كثيرة أمام البشرية لرصد الكوارث وتحليل الأوبئة وتتبع تطور الفيروسات، وهو ما قد يسهل طرق مكافحتها والوقاية منها، وإيجاد العلاج الطبي الذي يقابلها. وعلى الدول والحكومات توجيه دعمٍ كثير إلى البحث العلمي والتجارب الطبية، لإثبات فعاليتها أمام حالات انتشار الأمراض وتفشّي الأوبئة، فالعلم وحده هو الذي أثبت لنا اليوم أنه قادر على حماية الإنسان من أخطائه وما أكثرها! وقد آن الأوان أن نتعلم من هذه الأزمة، حتى لا يعيد التاريخ نفسه ويجدنا في المكان نفسه.