التفكير خارج الصندوق يقضي على أسطورة "كليات القمة"

30 يوليو 2016
لا بد أن يتجه كل طالب لدراسة ما يحبّ(Getty)
+ الخط -

تصنف الكليات في مجتمعاتنا على الأقل إلى كليات قمة وكليات قاع، ومن هنا بات حلم كل طالب الالتحاق بإحدى كليات القمة متمثلة في كليات الطب والصيدلة والإعلام وكلية الاقتصاد أو الألسن، وتشبثت كل أسرة بهذا الأمل على اعتبار أن المكانة الاجتماعية والوظيفية والمادية لكل منتسب تتحدد على أساس الكلية التي يلتحق بها، فعدم الحصول على مجموع يضمن الالتحاق بكليات القمة يعتبره المجتمع سقوطا في الهاوية وانطلاقا نحو مستقبل مجهول، ومع هذا فهناك من قرر التفكير بعيدا عن الشكل النمطي المعروف وقرر أن يحلق خارج السرب ويدرس ما يتوافق مع قدراته ورغباته وميوله بعيدا عن التقيد بمجموع الدرجات، هؤلاء الطلاب يحاولون إثبات أن الجامعة هي بداية لمرحلة جديدة ومختلفة لاختيار التخصص الذي يتوافق فعليا مع رغباتهم الداخلية وميولهم الحقيقية.


ثقافة الاختيار

التقت "العربي الجديد" ببعض هؤلاء الطلاب ممن آمنوا بثقافة الاختيار ومنهم "معاذ يحيى" قسم علمي علوم، تفوق وحصل على مجموع 99% يؤهله لدخول كلية الطب، إلا أنه قرر الالتحاق بكلية دار العلوم لتحقيق رغبته في دراسة أصول اللغة العربية متمنيا التميز والتفوق ثم العمل بها لتخريج نماذج جيدة من مدرسين قادرين على إصلاح المنظومة التعليمية.

يقول معاذ: تشكلت رغبتي في دراسة اللغة العربية من خلال مشاركتي بالأنشطة التطوعية التي يقوم بها اتحاد طلاب مصر ومنها تنظيم مؤتمر "ابني مستقبلك" سنويا لتقديم النصيحة والمشورة للطلاب وضرورة تمسكهم بدراسة التخصص المتوافق مع رغباتهم والخروج من سجن أو وهم كليات القمة إن كانت دون رغبة وميول حقيقية، واكتشفت أنني أحب مهنة التدريس ودراسة اللغة العربية ولهذا بحثت عن أفضل الكليات لدراسة هذا التخصص وكانت كلية دار العلوم في مقدمتها، وأتمنى التميز في كلية أميل للدراسة بها بدلا من أصبح طبيبا عاديا ضمن 8 آلاف طبيب يتخرجون سنويا إيمانا بشعاري في الحياة (إنسان سعيد – مُصلح- مُؤثر).

ويضيف "معاذ": ألتمس العذر لكل طالب يستخسر مجموعه، فكل من المنزل والمدرسة لا يقدمان الدور التوعوي الكافي للتعريف بالكليات وأقسامها وتخصصاتها المختلفة وطبيعة

الدراسة بكل كلية أو احتياجات سوق العمل والنتيجة 80% لا يحبون ما يعملون.

"أحمد راشد" هو الآخر قرر أن يسبح ضد التيار ويتمسك برغبته في دراسة العلوم بعد أن حصل على مجموع 98% ولم يغره المجموع للحصول على لقب "دكتور" وقدم في جامعة زويل للعلوم، يقول راشد: إن لم أحظ بفرصة الدراسة في جامعة زويل سألتحق بكلية العلوم جامعة القاهرة، فلكل منا غاية أو هدف بعيد المدى يتمنى الوصول إليه، وهدفي في الحياة تأسيس مشروع خاص يربط بين البحث العلمي والصناعة لتحسين حياة الناس وكذلك الربط بين مجال الكمبيوتر والبيولوجي، فالآن يتم علاج الأمراض الوراثية باستخدام الكمبيوتر وهي تقنية حديثة أتمنى العمل على نشرها في مصر.

آباء يرفضون

وعن مدى تدخل الأهل في تحديد رغباته، وضح "راشد" الرفض الشديد من قبل أهله متمنين التحاقه بكلية الطب بسبب الفكرة المسيطرة على مجتمعنا بأكمله أن المتفوق هو الطبيب أو المهندس أو الضابط وهم فقط من يحظون بمكانة اجتماعية مرموقة في المجتمع، وينتقد "راشد" اتهام جيله بعدم الخبرة في الحياة وعدم رؤيته إلا مجرد جزء من الصورة الكاملة.

ويشاركه "معاذ" نفس الشعور بعد رغبة أهله أن يلتحق بكلية طب الأسنان وان لم يحاولوا فرض رأيهم قائلا: أهلي كجزء من المجتمع الذي نعيش فيه يرون أن كليات القمة هي الأمان المادي والمستقبل الاجتماعي وإن وافقني بعض الأهل فيقولون "تفكير صح في المكان الغلط"، ويُصر آباؤنا أن أفكارنا وميولنا مجرد تفلسف في الحياة غير مبالين وغير مقتنعين بقدراتنا على المخاطرة  وإثبات الذات.

وجدير بالذكر أن الطالبة لينا قدري مركزها الرابع على الجمهورية شعبة أدبي بمجموع 98.8%، وهو ما يوفر لها إمكانية دخول ما يسمى بكليات القمة، قررت الالتحاق بكلية التجارة لأنها تفضل المواد التجارية.

مصطلح اجتماعي مادي

ويرى دكتور كمال مغيث الخبير التربوي، أن مسمى كليات القمة هو مصطلح اجتماعي وله أبعاد مادية ويوضح: لكونه مجرد مصطلح اجتماعي نجد كليات القمة تتغير من وقت لآخر،

فعلى سبيل المثال كانت كليات القمة قبل ثورة يوليو متمثلة في كلية الحقوق، وهذا يتوافق مع طبيعة الحياة الدستورية في المجتمع آنذاك، وبعد ثورة يوليو أصبحت كليات القمة متمثلة في الهندسة والحربية باعتبارها تمثل الطبقة الحاكمة وبالتالي كان من يلتحق بها يضمن وظيفة مرموقة، وفي السنوات الأخيرة وتحديدا بعد الانفتاح الاقتصادي أصبحت كليات الطب والجامعة الأميركية وجامعات جني الأموال تستحوذ على مصطلح كليات القمة مع عدم وجود علاقة واضحة بين المنظومة التعليمية وما يتطلبه سوق العمل.

وينتقد مغيث مبدأ تصنيف الكليات وتأثيره السلبي على المجتمع، فالأصل أننا ننطلق من قاعدة أساسها أن كل عمل هو عمل شريف، ويضرب مثلا لخريجي كليات الطب فيقول: خريجو كليات الطب نوعان، نوع يمتلك مستشفيات أو مراكز طبية وبالتالي ينفتح أمامه طريق الثراء السريع، ونوع آخر يتم تعيينه بمستوصفات الأرياف ويستميت في طلب بدل العدوى أو زيادة مرتباته الهزيلة.

وهم كليات القمة

ويتقدم الخبير التربوي بنصيحة لكل طالب بالمرحلة الثانوية بضرورة السعي وراء ميوله والاستماع إلى صوته الداخلي دون النظر للمجتمع، مضيفا: "من يسعى لتحقيق ميوله الحقيقية هو شخص مبدع ولديه القدرة على الابتكار في مجاله، فهناك من درس الدبلوم الصناعي وأصبح حرفيا ماهرا وأسس مشروعه الخاص وأصبح من الأثرياء ويتمتع بمستوى اجتماعي راق، وهناك من التحق بكليات القمة إرضاء للمجتمع وتنفيذا لرغبة الأهل وتعثر في دراسته أو انضم لطابور البطالة، وربما اكتشف موهبته وميوله التي دفنت تحت أسوار كليات القمة واتجه إليها بعد التخرج".

وعلى صفحته الشخصية بموقع التواصل "فيسبوك" وجه دكتور جابر نصار رئيس جامعة القاهرة كلامه إلى طلاب الثانوية فكتب "للأسف نحن مجتمع لا يجيد الكثيرون فيه ثقافة الاختيار التي تتوافق وتتواصل مع الملكات الشخصية، فالطفل منذ الصغر أهله وجيرانه دائما يدعون له (يارب تبقى دكتور، ضابط، مهندس) وهو ما يؤصل ثقافة تحجيم الخيارات في تنشئة الأجيال الجديدة وقد توجد خيارات أخرى أكثر اتفاقا مع شخصية الطالب بعيدا عن وهم كليات القمة، فالكلية أيا كانت لا تصنع ناجحا، ولكن الطالب من يصنع نجاحه أيا كانت الكلية".

 

المساهمون