التغلغل الإسرائيلي في العراق: وقائع جديدة

30 سبتمبر 2018
عراقيون يحرقون العلم الإسرائيلي في بغداد (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -
تتزايد في العراق في الفترة الأخيرة مؤشرات تظهر دخول إسرائيليين إلى بلاد الرافدين بجوازات سفر يملكونها من دول أخرى، معظمها أوروبية وأميركية، تُمنح لهم من سفارات العراق في دول غربية مختلفة، ولا يتم التعرف على هوياتهم أو أسباب زياراتهم إلا بعد مغادرتهم، إذ تنتشر صور لهم في مناطق تاريخية ودينية في بابل وبغداد والبصرة، ومبان أثرية قديمة، يقولون إنها كانت أملاكاً لأجدادهم من الطائفة اليهودية في العراق منتصف القرن الماضي. في المقابل، تحاول السلطات العراقية من خلال لجان شُكّلت أخيراً بين وزارتي الداخلية والخارجية وجهاز المخابرات، إيجاد "معالجات واقعية لمنع دخول أي أجنبي إلى العراق تنطوي زيارته على ممارسة أنشطة تصب في صالح الكيان الصهيوني، أو تكون ذات مغزى سياسي"، بحسب ما يقول مسؤول عراقي رفيع في بغداد لـ"العربي الجديد".

نهاية يوليو/ تموز الماضي، تعرض رجل يحمل جنسية أوروبية إلى ركل وضرب عنيفين من قِبل شاب يبيع الحصير المصنوع يدوياً في شارع النهر الشهير في بغداد، بعد نقاش اكتشف من خلاله البائع أن الرجل مستوطن إسرائيلي ولديه إلى جانب جوازه الأوروبي جواز سفر آخر من السلطة الإسرائيلية. وبحسب مصادر أمنية عراقية في بغداد، تنقل عن شهود عيان كانوا في السوق، بدأ الأمر بنقاش معتاد في المكان بين الزبائن والباعة خصوصاً الأجانب، قبل أن يعلو صوت الزبون والبائع بشكل جعل الكل يلتفت إلى ما يجري، ثم سرعان ما ثار الشاب وبصق على السائح ثم عاجله بركلات وضربات قبل أن يترك المكان ويهرب خوفاً من أفراد الأمن المنتشرين في المكان، والذين حضروا فعلاً إلى السوق. الشاب الذي كان يملك ما يعرف بالعراق شعبياً بـ"البسطيّة"، تبيّن أنه لم يعد إلى مكان عمله، وهو من سكان المناطق العشوائية الفقيرة ومتحدر من جنوب العراق، بحسب ما توصلت إليه "العربي الجديد"، عبر مصادر عدة في بغداد.

ويقول مسؤول رفيع في وزارة الخارجية العراقية في بغداد، لـ"العربي الجديد"، إن "هناك تركيزاً إعلامياً إسرائيلياً على العراق، يستهدف العامة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي على وجه الخصوص ومنابر إعلامية مموّلة من جهات غربية مشبوهة". ويشير إلى أن "هذه المنابر تركّز على مسألة الأديان وتعتبر التفريق عنصرية، وتدعو لقبول اليهودي كما يتقبّل العراقي المسلم العيش مع العراقيين المسيحيين والصابئة والشبك والأيزيديين"، مضيفاً "لكن في الحقيقة أن ذلك كلمة حق يراد بها باطل كون الموضوع محاولة لإيجاد ثغرة داخل المجتمع العراقي بشكل أو بآخر"، لافتاً إلى أنه "في العادة لا تلقى هذه المحاولات تجاوباً من العراقيين، سوى من ثلة قليلة جداً يمكن اعتبارهم ساذجين، ومن الخطأ الربط بين اليهودية كدين وبين الاحتلال الإسرائيلي".

وحول تأشيرات دخول إسرائيليين إلى العراق، يقول المسؤول "نعم خلال الفترة الماضية اكتشفنا دخول 6 أشخاص إسرائيليين إلى العراق بجوازات سفر بريطانية وفرنسية وأميركية، وزاروا مراقد أنبياء وآثاراً بابلية ومقابر ومباني تراثية تعود ليهود عراقيين تحوّلت ملكية بعضها للحكومة، والأغلبية منها باعها أصحابها قبل مغادرتهم العراق". ولا يتطلّب الحصول على تأشيرة لدخول العراق سوى مبلغ 40 دولاراً يُجبى من خلال السفارات العراقية في الخارج.
وبحسب المسؤول العراقي نفسه، فإن هناك تزايداً لأنشطة إسرائيلية تستهدف العراق من خلال منظمات وجمعيات عدة بعضها مسجلة في دول غربية، وغالبيتها في بريطانيا، وتتحرك تحت أغطية مختلفة، من بينها أنشطة حماية الإرث والتراث وحرية التعبير وقضايا التمييز والعنف المجتمعي ومحاربة العنصرية والإرهاب، لافتاً إلى أن "إقليم كردستان العراق يُعتبر نافذة دخولها الرئيسية للبلاد، وبالعادة هذه الجمعيات لا تفعل شيئاً سوى تأسيس علاقات وصداقات مع قواعد شعبية ناقمة على الوضع السياسي الحالي في البلاد"، كاشفاً عن "بدء إجراءات واسعة بين الخارجية والداخلية وجهاز المخابرات من أجل وقف هذا الأمر".


عضو التيار المدني العراقي والناشط في حملات جرت سابقاً ضد الاحتلال الإسرائيلي، عمر عساف، يقول لـ"العربي الجديد"، إن "هناك منظمات وجمعيات مختلفة وشخصيات ترعى صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي وتستهدف الشارع العراقي تحت عنوان تقبّل الآخر، لكنها في الحقيقة تعني تقبّل الاحتلال الإسرائيلي"، معتبراً ذلك "محاولة تمهيد أو تهيئة المزاج العراقي حتى لو استمر لسنوات طويلة، والمطلوب الآن هو استمرار إظهار جرائم الاحتلال بحق الفلسطينيين، وهي مهمة أخلاقية تقع على عاتق وسائل الإعلام".

ويشير عساف إلى أن "هناك شخصيات تزعم أنها تُعنى بشؤون الضحايا الأيزيديين وتحاول أن تحصّل حقوقهم، وقد زارت هذه الشخصيات الأراضي الفلسطينية المحتلة وتحديداً تل أبيب، إضافة إلى شخصيات أكاديمية بريطانية وفرنسية وأميركية سبق أن استضافتها الجامعة الأميركية في السليمانية مرات عدة هذا العام كمحاضرين في مؤتمرات تقيمها". ويختم بالقول "الواقع يظهر أنهم إسرائيليون وقد يكونون من المخابرات ويدخلون العراق بجوازات سفر دول أوروبية مختلفة وتحت مزاعم السياحة، وهذه المسألة معقّدة تحتاج إلى تدخّل المخابرات العراقية".

من جهته، يقول الناشط الكردي "هـ. ش"، لـ"العربي الجديد"، إنه رفض "عرض جمعية أجنبية للذهاب إلى تل أبيب والقدس إلى جانب عراقيين آخرين"، ويضيف "صراحة كنت أستعد للذهاب وكان الموضوع عبارة عن برنامج لسبعة أيام لا نفعل فيها شيئاً سوى زيارة مناطق وجامعات وأسواق ونشارك في ورش نقاشية داخل الأراضي الفلسطينية، وكان فيها مصروف جيب محترم، لكن بعدما علم والدي بذلك قال لي لا أنت ابني ولا أعرفك"، موضحاً أن ذلك دعاه إلى "قراءة الصراع بشكل أخلاقي، لا من خلال نظريات دينية أو عربية كوني كردياً وغير متديّن، ووجدت أنه من ناحية أخلاقية ستكون زيارتي بمثابة موافقة مباشرة على عمليات إبادة سكان هذه المناطق الأصليين وأنه لا يحق لي مستقبلاً الحديث عن حقنا كأكراد في دولة لأني وافقت على اغتصاب حقوق آخرين". ويضيف "ذهب بعضهم، وأعتقد أنهم غير مرتاحين، إن لم يكونوا نادمين، فما الفرق بين قضية تهجير الأكراد من كركوك وتهجير الفلسطينيين من وطنهم؟".

في السياق، يتحدث مسؤولون عراقيون عن إدوين شكر، وهي شخصية برزت أخيراً في العراق بعد معركة الموصل واستفتاء انفصال إقليم كردستان، ويقولون إنه يقود حملة إعلامية على مواقع التواصل الاجتماعي تحت شعار "حملة إعادة الجنسية العراقية لليهود العراقيين"، كما أنه مسؤول عن أنشطة عديدة في البلاد.
وتُلاحظ أخيراً تصريحات لشكر تناقلتها وسائل إعلام معظمها مموّلة أميركياً، دعا فيها إلى إعادة الجنسية العراقية لليهود من أصول عراقية. وذكر شكر الذي يقول إنه ولد في بغداد عام 1955، في تصريحات نقلتها قناة "الحرة العراق"، أنّه يعمل مع ناشطين آخرين على تقديم طلب إلى المحكمة الاتحادية العليا في العراق ليستعيد المواطنون اليهود الجنسية التي فقدوها، وإلغاء الفقرة الخاصة باستثناء اليهود من استعادة الجنسية العراقية في قانون الجنسية الجديد "ووضع حد للتمييز المنهجي ضد اليهود لأسباب دينية أو سياسية"، على حد تعبيره.

وسبق لوزارة الداخلية في إقليم كردستان العراق تسجيل حادثة مقتل مواطن عراقي كردي يعمل سائق تاكسي بعد مشادة مع شخص قام باستئجار خدماته وهو إسرائيلي ويخدم في جيش الاحتلال وجاء إلى كردستان متطوعاً مع قوات البشمركة، وقام الإسرائيلي بقتله بواسطة مسدس يحمله، وزعم خلال التحقيق أنه كان يدافع عن نفسه، فيما يواجه وفقاً للقانون العراقي الإعدام، لكن لغاية الآن ترفض سلطات الإقليم الكشف عن مصيره. وفي 16 أغسطس/ آب الماضي، وثّقت وسائل إعلام محلية وناشطون دخول سائحات أجنبيات إلى محافظة ميسان، أقصى جنوب العراق، وزيارة ضريح ديني قديم منسوب إلى الشخصية الدينية المقدسة في الديانة اليهودية، (العزير). ونقلت وكالة "عراق برس" عن مصادر محلية قولها إن السائحات هنّ سيدات يهوديات من جنسيات مختلفة.

ويقول النائب عن محافظة بابل، رزاق الحيدري، في حديث لـ"العربي الجديد": "لا أحد ضد اليهودية ولا يمكن لأحد قول ذلك، لكننا ضد الاحتلال الإسرائيلي واستخدام الدين لتكريس احتلال واغتصاب وطن وتشريد أهله كما هو الحال في فلسطين". ويضيف "في الوقت نفسه، نحذر ونطلب من الأجهزة الأمنية، وخصوصاً جهاز المخابرات، ألا يكون هناك استغلال إسرائيلي لمثل هذه الأنشطة لتوظيفها لصالح الاحتلال، أما أن يدخل اليهود ويزوروا العراق، فليس هناك أي اعتراض على ذلك ولسنا ضد دين معين".

من جهته، يعتبر النائب السابق عبد الكريم عبطان، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "لا يوجد سائح في العالم يدخل بلداً ويقول هذه ممتلكاتي في حديثه عن بابل ومناطق أثرية ودينية في العراق"، مضيفاً "هناك يهود عراقيون ويهود سوريون ويهود أردنيون ويهود من مختلف الجنسيات كما هو حال باقي الديانات، لكن توظيف الموضوع لصالح دولة احتلال أمر لا يمكن القبول به".

المساهمون