لم يستطع المجتمع الدولي ممثلاً بمجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة إيجاد أو فرض حلّ سياسي للصراعات المندلعة على أرضنا العربية من دون هوادة. ما تمكّن منه هو المحاولة تلو المحاولة عن طريق مبعوثين مخضرمين، يخلي السابق المجال للاحق من دون تحقيق الإنجاز المطلوب.
السياسات الدولية تقود إلى مزيد من تسريع الحرائق وتوسيع رقعتها، بدلاً من العمل على خنقها. القرارات التي يصدرها مجلس الأمن تُتلى أمام شاشات أجهزة الإعلام، ثم تستقر حبيسة في الأدراج المقفلة من دون أن تتحوّل إلى واقع على الأرض، علماً أنّ هذه القرارات هي دوماً دون المستوى المطلوب.
الولايات المتحدة انطلاقاً من سياسة رئيسها باراك أوباما بعدم التورّط، تكتفي بمشاركة طائراتها في التحالف الدولي ضد "داعش"، ثم تزيد من تسليحها وعديد خبرائها على أرض العراق.
أما روسيا وتبعاً لسياسة الرئيس فلاديمير بوتين، فتندفع نحو مزيد من التورّط. تعلن عن تخفيض حجم قواتها الجوية، ليظهر أنّ ما يحدث يشبه عمليات التبديل التي تعتمدها الجيوش، فتبقي عشرات القطع الجوية والبحرية والخبراء في مواقعها القتالية.
هذه هي القوى الرئيسية، أما القوى الثانوية فمهمتها تأمين الجيوش والأموال الكفيلة بديمومة القتال.
جهود جامعة الدول العربية تكاد لا تذكر. يكفي ما تعرفه القمّة العربية من تأجيل، وما يصدره وزراء الخارجية العرب من بيانات ومواقف تفقد مفعولها قبل أن يجفّ حبرها، وكأنّها لم توجد أصلاً.
أوروبا، وهي المتضررة الكبرى من جحافل اللاجئين، تحرّكت كالمشلولة بفعل التراجع الأميركي والاندفاعة الروسية، من أجل حماية جملة منظوماتها السياسية والاقتصادية والثقافية من هذا الطوفان البشري الذي يكسر الحدود وقوانين الانتقال والتنقّل ويغرق شوارعها ومحطاتها. بهذا المعنى، هي على استعداد لرشوة تركيا التي فتحت المجال لكلّ أنواع هذا الاجتياح براً وبحراً وجواً.
لكنّ تركيا لا تخشى فقط من الضغط على حدودها وداخلها، بل على مجمل كيانها ذي المعادلات التي لا تختلف في الكثير منها، تنوعاً وتعددية، عما هي عليه أوضاع سورية والعراق على حدودها الجنوبية والغربية، فضلاً عن توازناتها التي تكاد تطيح بها مرحلة التفتت التي تعصف بالمنطقة من دون تردّد.
ثمن التغريبة العربية يدفعه اللاجئون أنفسهم، وليس أولئك الذين يحققون مكاسب في السياسة والعلاقات والنفوذ وتوريد الأسلحة والسيطرة على ما تبقى من ثروات لم تصل إليها عمليات التدمير. ولا شكّ في أنّ إسرائيل تبقى الرابح الأكبر من جرّاء تفتت المنطقة وكياناتها وتبعثرها أشلاء طائفية ممزقة.
*أستاذ جامعي