مع تصاعد وتيرة تدفق اللاجئين السوريين، الهاربين من جحيم الموت تحت القصف بالبراميل المتفجرة، وويلات الحرب أمنيا واقتصادياً، إلى أوروبا، مرورا بتركيا وانتقالا إلى اليونان عبر رحلة بحرية محفوفة بالمخاطر، ومع انتشار صور غرق الأطفال قبل أن يقذف بهم البحر نحو شواطئه، راح المسؤولون الأوروبيون يطلقون تصريحات تشجع المهاجرين على إكمال رحلتهم، وكذلك أولئك الذين لم يحسموا قرارهم على المضي قدما في الهجرة نحو دول غرب أوروبا، التي ستمنحهم اللجوء في المرحلة الأولى، والجنسية في مرحلة لاحقة.
ومع وصول آلاف المهاجرين السوريين يوميا إلى ألمانيا والنمسا، وإعلان عدد من الدول الأوروبية كفرنسا وبريطانيا وحتى أميركا عن استعدادها لاستقبال عشرات الآلاف من هؤلاء وإعادة توطينهم، تنامت المخاوف من الآثار السلبية المحتملة على الثورة السورية، والخلل الذي سيلحق التركيبة السكانية داخل البلاد، لا سيما أن أغلب المهاجرين، انطلقوا من اللاجئين في دول الجوار السوري، أو من المناطق المحاصرة، أي ما يطلق عليه الحاضنة الشعبية للثورة والثوار السوريين، ما يلقي بظلال من الشك حول مدى الصمود الذي ما زال بإمكان الشعب السوري أن يبديه في معركة التحرر من نظام لم يتردد يوما في استهداف الأسواق والمخابز والمستشفيات والمدارس، ما أفقد جميع المناطق الخارجة عن سيطرته الحد الأدنى من الحياة الآمنة.
وشير بعض المراقبين إلى مخاطر هجرة السوريين إلى أوروبا الغربية بالتحديد، بخلاف الدول المجاورة، على اعتبار أن اللاجئين في تركيا ولبنان والأردن لن يمنعهم من العودة إلى بيوتهم ومحافظاتهم مانع عندما تضع الحرب أوزارها، سواء بحسم عسكري أو تسوية سياسية، كما لن يفضلوا إقامتهم في هذه الدول المجاورة على العودة إلى البلاد، بالنظر إلى أن أوروبا تمنح اللاجئين فيها وضعا متميزا، يضمن وضعا قانونيا وماديا مستقرا، يغري الكثير منهم بالبقاء، ويحول دون عودتهم السريعة.
خيار التقسيم
لم يكن خافيا، على مدى الشهور الماضية، رغبة إيران المعززة بالسلوك العلمي في تغيير التركيبة الديمغرافية، لا سيما في ما يطلق عليه "سورية المفيدة"، وهو الجزء الذي يستحق من نظام الأسد التشبث به حتى النهاية من هذا البلد. فمفاوضات الزبداني وكفريا والفوعة، التي خاضتها طهران مع أحرار الشام، ذات الحضور الأقوى في "جيش الفتح" شمال سورية، حيث تقع بلدتا كفريا والفوعة ذواتا الغالبية الشيعية، والزبداني المحاذية للحدود اللبنانية، كشفت عن نوايا إيران ومن ورائها نظام الأسد، إذ طالبت في المفاوضات بإخراج أهالي الزبداني -وهم من السنة- مقابل إخراج أهالي كفريا والفوعة إلى دمشق مقابل إخراج أهالي الزبداني من مدينتهم. وهو ما رفضته أحرار الشام، التي تريد فعليا خروج المدنيين من البلدتين وبقاء مسلحي المليشيات الموالية للأسد، بينما تعارض إخراج المدنيين من أهالي الزبداني لمن لم يرغب بالخروج منها.
الكثير من المؤشرات تكشف عن مساع حثيثة يبذلها نظام الأسد ومن خلفه إيران -وربما روسيا أيضا عبر توسيع حضورها العسكري في الساحل السوري- لتعزيز خيار التقسيم إذا اقتضى الأمر، أو لتسهيل مهمة سحق الانتفاضة الشعبية المستمرة منذ نحو 5 أعوام، والتي اتخذت طابعا عسكريا منذ 3 أعوام ونصف.
مجتمعات تتفكك
ولا يقتصر النزيف البشري السوري على المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الحر والفصائل الثورية، بل يشمل المدن والتجمعات السكانية الكبرى التي ما زالت تحت سيطرة قوات النظام والمليشيات الموالية له، وفي مقدمتها العاصمة دمشق، ما يضاعف مخاوف البعض من انعكاس ذلك على مسار المعارك، أو استعادة النظام وقواته زمام المبادرة، بالنظر إلى حقيقة أن بين المهاجرين مقاتلين سابقين في الفصائل الثورية، أغرتهم الهجرة إلى أوروبا بمزاياها، أو اضطروا لترك خطوط الجبهات لإعالة من تبقى من عائلاتهم التي شردتها الحرب.
لكن في المقابل، تشير بعض المعطيات المتعلقة بهجرة السوريين إلى أن الحاضنة الشعبية والمجتمعات الحاضنة للنظام هي بدورها تنزف، إذ إن نحو 50% من المهاجرين ليسوا من جمهور الثورة ولا من المجتمعات الحاضة لها، بل إن نسبة كبيرة من هؤلاء ينتمون إلى الأقليات على تنوعها، اندفعوا نحو الهجرة، بعدما مستهم الأوضاع الاقتصادية المتردية في البلاد، وطمعا بحياة أفضل، وشعورا من قبل بعضهم بعدم الاطمئنان إلى مآل الحرب، ومن بين هؤلاء مقاتلون سابقون أيضا من الشبيحة والمليشيات الموالية للأسد.
وبين من يجري حسابات حول أضرار هجرة السوريين وتأثيراها على مجريات الصراع، ثمة مجتمعات بكاملها تتفكك دون انتظار، وتنهار أمام طول أمد الحرب وكلفتها الباهظة، لكنها تلهج في حلها وترحالها أنها إنما خرجت إلى الشوارع وطالبت بإسقاط النظام، طلبا للحرية والكرامة، ولم تغير أو تبدل، لكن عجلة الحياة لا بد أن تستمر، على ثرى الوطن أو في المغتربات، لتكون "التغريبة السورية" دليلا آخر على ضرورة رحيل الأسد ونظامه، الذي لم يكتف بالرد على صيحات الحرية والكرامة بالنار، بل لم يوفر طريقة أو مجزرة تسهم في تهجير السوريين إلا وارتكبها.
(سورية)
ومع وصول آلاف المهاجرين السوريين يوميا إلى ألمانيا والنمسا، وإعلان عدد من الدول الأوروبية كفرنسا وبريطانيا وحتى أميركا عن استعدادها لاستقبال عشرات الآلاف من هؤلاء وإعادة توطينهم، تنامت المخاوف من الآثار السلبية المحتملة على الثورة السورية، والخلل الذي سيلحق التركيبة السكانية داخل البلاد، لا سيما أن أغلب المهاجرين، انطلقوا من اللاجئين في دول الجوار السوري، أو من المناطق المحاصرة، أي ما يطلق عليه الحاضنة الشعبية للثورة والثوار السوريين، ما يلقي بظلال من الشك حول مدى الصمود الذي ما زال بإمكان الشعب السوري أن يبديه في معركة التحرر من نظام لم يتردد يوما في استهداف الأسواق والمخابز والمستشفيات والمدارس، ما أفقد جميع المناطق الخارجة عن سيطرته الحد الأدنى من الحياة الآمنة.
وشير بعض المراقبين إلى مخاطر هجرة السوريين إلى أوروبا الغربية بالتحديد، بخلاف الدول المجاورة، على اعتبار أن اللاجئين في تركيا ولبنان والأردن لن يمنعهم من العودة إلى بيوتهم ومحافظاتهم مانع عندما تضع الحرب أوزارها، سواء بحسم عسكري أو تسوية سياسية، كما لن يفضلوا إقامتهم في هذه الدول المجاورة على العودة إلى البلاد، بالنظر إلى أن أوروبا تمنح اللاجئين فيها وضعا متميزا، يضمن وضعا قانونيا وماديا مستقرا، يغري الكثير منهم بالبقاء، ويحول دون عودتهم السريعة.
خيار التقسيم
لم يكن خافيا، على مدى الشهور الماضية، رغبة إيران المعززة بالسلوك العلمي في تغيير التركيبة الديمغرافية، لا سيما في ما يطلق عليه "سورية المفيدة"، وهو الجزء الذي يستحق من نظام الأسد التشبث به حتى النهاية من هذا البلد. فمفاوضات الزبداني وكفريا والفوعة، التي خاضتها طهران مع أحرار الشام، ذات الحضور الأقوى في "جيش الفتح" شمال سورية، حيث تقع بلدتا كفريا والفوعة ذواتا الغالبية الشيعية، والزبداني المحاذية للحدود اللبنانية، كشفت عن نوايا إيران ومن ورائها نظام الأسد، إذ طالبت في المفاوضات بإخراج أهالي الزبداني -وهم من السنة- مقابل إخراج أهالي كفريا والفوعة إلى دمشق مقابل إخراج أهالي الزبداني من مدينتهم. وهو ما رفضته أحرار الشام، التي تريد فعليا خروج المدنيين من البلدتين وبقاء مسلحي المليشيات الموالية للأسد، بينما تعارض إخراج المدنيين من أهالي الزبداني لمن لم يرغب بالخروج منها.
الكثير من المؤشرات تكشف عن مساع حثيثة يبذلها نظام الأسد ومن خلفه إيران -وربما روسيا أيضا عبر توسيع حضورها العسكري في الساحل السوري- لتعزيز خيار التقسيم إذا اقتضى الأمر، أو لتسهيل مهمة سحق الانتفاضة الشعبية المستمرة منذ نحو 5 أعوام، والتي اتخذت طابعا عسكريا منذ 3 أعوام ونصف.
مجتمعات تتفكك
ولا يقتصر النزيف البشري السوري على المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الحر والفصائل الثورية، بل يشمل المدن والتجمعات السكانية الكبرى التي ما زالت تحت سيطرة قوات النظام والمليشيات الموالية له، وفي مقدمتها العاصمة دمشق، ما يضاعف مخاوف البعض من انعكاس ذلك على مسار المعارك، أو استعادة النظام وقواته زمام المبادرة، بالنظر إلى حقيقة أن بين المهاجرين مقاتلين سابقين في الفصائل الثورية، أغرتهم الهجرة إلى أوروبا بمزاياها، أو اضطروا لترك خطوط الجبهات لإعالة من تبقى من عائلاتهم التي شردتها الحرب.
لكن في المقابل، تشير بعض المعطيات المتعلقة بهجرة السوريين إلى أن الحاضنة الشعبية والمجتمعات الحاضنة للنظام هي بدورها تنزف، إذ إن نحو 50% من المهاجرين ليسوا من جمهور الثورة ولا من المجتمعات الحاضة لها، بل إن نسبة كبيرة من هؤلاء ينتمون إلى الأقليات على تنوعها، اندفعوا نحو الهجرة، بعدما مستهم الأوضاع الاقتصادية المتردية في البلاد، وطمعا بحياة أفضل، وشعورا من قبل بعضهم بعدم الاطمئنان إلى مآل الحرب، ومن بين هؤلاء مقاتلون سابقون أيضا من الشبيحة والمليشيات الموالية للأسد.
وبين من يجري حسابات حول أضرار هجرة السوريين وتأثيراها على مجريات الصراع، ثمة مجتمعات بكاملها تتفكك دون انتظار، وتنهار أمام طول أمد الحرب وكلفتها الباهظة، لكنها تلهج في حلها وترحالها أنها إنما خرجت إلى الشوارع وطالبت بإسقاط النظام، طلبا للحرية والكرامة، ولم تغير أو تبدل، لكن عجلة الحياة لا بد أن تستمر، على ثرى الوطن أو في المغتربات، لتكون "التغريبة السورية" دليلا آخر على ضرورة رحيل الأسد ونظامه، الذي لم يكتف بالرد على صيحات الحرية والكرامة بالنار، بل لم يوفر طريقة أو مجزرة تسهم في تهجير السوريين إلا وارتكبها.
(سورية)