للتغذية المدرسية دور كبير في دعم صمود التلاميذ وتقديم الأداء المطلوب منهم، لكنّ ضعفها سبب لتسربهم في تونس
كشف وزير التربية التونسي، حاتم بن سالم، عن أسباب جديدة للتسرب المدرسي النهائي أو الانقطاع عنها فترات محددة في تونس، مشيراً إلى أنّ من الأسباب الأساسية نقص خدمات التغذية في المدارس الريفية التي يمضي تلاميذها يوماً كاملاً في المؤسسات التربوية بسبب بعد المسافات بين مدارسهم ومقرات إقامتهم. ويواجه تلاميذ المناطق الريفية بالإضافة إلى مشاكل المواصلات صعوبات في النفاذ إلى خدمات التغذية التي يفترض أن تقدمها المدارس في إطار المهام الموكولة لديوان الخدمات المدرسية الذي جرى تأسيسه بمقتضى أمر حكومي في مايو/ أيار 2016 بهدف تحسين ظروف أكل وإقامة التلاميذ.
وكان بن سالم قد أعلن سابقاً أنّ الوزارة تنوي الترفيع في ميزانية الوجبة المدرسية من 24 مليون دينار (8 ملايين و500 ألف دولار أميركي) سنة 2017 إلى 70 مليون دينار (نحو 25 مليون دولار) سنة 2018، ليتمتّع بها 400 ألف تلميذ، في مختلف جهات الجمهورية، وهو ما ساهم في الاهتمام أكثر بالتغذية في الوسط المدرسي. وأشار إلى أنّ من أسباب الانقطاع عن المدرسة غياب مطاعم مدرسية في عدد من المدارس داخل مناطق الجمهورية. ولم ينكر في السياق نفسه، تعطيل مطاعم مدرسية حديثة العهد نتيجة غياب التوظيف في صفوف العمال والطباخين. وأكد الالتزام الحكومي بتجاوز نقص الطباخين وإعادة التغذية المدرسية إلى صلب الإصلاح المدرسي.
يختلف ما تتحدث عنه الجهات الرسمية عن واقع الحال، بحسب رواية للمعلم سامي السعيدي، الذي أمضى أكثر من 15 عاماً في التعليم في مدارس ريفية بالشمال الغربي. يقول لـ"العربي الجديد"، إنّ ظروف التغذية سيئة في المدارس، مؤكداً على أنّ الوجبات المقدمة لا ترتقي إلى مستوى غذاء يحتاجه طفل يافع في ظروف مناخية صعبة. يضيف أنّ أغلب المدارس التي عمل فيها تقدم وجبات غذاء "باردة" في شكل "سندويشات" من الخبز والمصبرات (الهريسة والسردين أو الجبن وأحياناً المربى والزبدة)، معتبراً أنّها وجبة غذاء واحدة لا تؤمن الحاجات الأساسية لتلميذ يفترض أن يقطع كيلومترات مشياً ليبلغ مدرسته ثم يقضي أكثر من 7 ساعات تعليم. يتابع: "قديماً، كانت المدارس تقدم وجبات ساخنة تمكّن أجساد التلاميذ من طاقة أكبر، خصوصاً في الطقس البارد". يدعو إلى إعادة النظر في منظومة خدمات الأكل لحماية التلاميذ من الانقطاع عن المدرسة والحفاظ على صحتهم، لافتاً إلى أنّ الغذاء السيئ لا يساعد التلاميذ على التركيز والاستفادة من الدروس المقدمة. ويعتبر السعيدي أنّ تلاميذ الأرياف يدفعون ثمناً باهظاً نتيجة تردي ظروف النقل والإحاطة بالناشئة، ومن بينها خدمات الأكل، ما يجبرهم على الانقطاع عن المدرسة، والتسرب في سن مبكر.
وتسجل تونس سنوياً انقطاع وتسرب أكثر من 100 ألف تلميذ عن الدراسة. وتمس الظاهرة الذكور بالدرجة الأولى وتكبد الدولة 1135 مليون دينار، أي ما يمثل نسبة 20 في المائة من ميزانية وزارة التربية. لكنّ وزارة التربية تعتبر أنّ ديوان الخدمات المدرسية المحدث منذ نحو ثلاث سنوات كان له الفضل في تحسين نوعية الغذاء المقدم للتلاميذ، وهو بصدد العمل على تعزيز التجربة وتعميمها لتصل إلى مختلف الجهات في تونس، لا سيما في المناطق الريفية التي تشهد الانقطاع الأكبر عن المدرسة. كذلك، أوكلت وزارة التربية إلى الديوان مهمة التصرف في الميزانية المخصصة للتغذية المدرسية، وذلك عبر تكليفه بشراء المواد الغذائية والمرتبطة بعملية تحضير الوجبات المدرسية، بكلفة أقل وبنوعية أفضل والحدّ من التجاوزات التي قد تسجل في بعض المناطق.
وتنقسم مھمة الإعاشة أو التغذية المدرسية، بحسب ديوان الخدمات المدرسية، إلى صنفين: صنف خاص بالمطاعم المخصصة للمدارس الإعدادية والمعاھد الثانوية، ويبلغ عددھا 450 مطعماً يستفيد منھا 91 ألف تلمیذ نصفھم بإقامة كاملة (يتمتع بوجبة فطور وغداء وعشاء) والنصف الآخر نصف إقامة (يتمتع بوجبة الغداء فقط). وتشرف المطاعم بالمدارس الإعدادية والمعاھد على تقديم الطعام للتلاميذ لمدة 215 يوماً تخضع لمراقبة دورية من قبل اللجان الجھوية وفرق الصحة العمومیة المخول لھا القیام بزيارات مفاجئة استناداً إلى اتفاقية بين وزارتي الصحة والتربية. والصنف الثاني تمثله المدارس الابتدائية، ويبلغ عدد تلاميذها المعنيين بالتغذية المدرسية 262 ألف تلميذ، فيما تعمل الوزارة على زيادة هذا العدد ليشمل 500 ألف تلميذ في إطار السعي إلى القضاء على أسباب الانقطاع المبكر عن الدراسة.
وتتمثل مهمة ديوان الخدمات المدرسية بمقتضى الأمر الحكومي الصادر في مايو/ أيار 2016 بالإشراف على سير المطاعم والمبيتات المدرسية ودعمها والسهر على تحسين ظروف الإقامة فيها. كذلك، يتولى الديوان دعم النقل المدرسي وتطوير الحياة المدرسية ودراسة إمكانيات توسيع شبكة المدارس الابتدائية المنتفعة بالمطاعم المدرسية وتقديم مقترحات في هذا الخصوص إلى سلطة الإشراف، وهي وزارة التربية. وتعهد إلى الديوان أيضاً مهمة التجهيزات والمساحات المخصصة للمطاعم المدرسية والمحافظة عليها، و تأمين خدمات الطعام والإقامة بالمبيتات المدرسية وفقاً لمعايير الجودة، وإيلاء التلاميذ المقيمين بالمبيتات المدرسية الإحاطة النفسية والاجتماعية اللازمة.