التعليم العالي في الأردن.. كفاءات في التخصّصات الرخيصة

22 فبراير 2017
(احتجاجات على الرسوم الدراسية في عمان، تصوير: صلاح ملكاوي)
+ الخط -

لم يعد مستغربًا أن تقف أمام خطابين متناقضين في الوقت نفسه في الأردن؛ صيحات الطلبة الفقراء في الجامعة الأردنية، تزامنًا مع تصريحات مسؤولي التعليم العالي والتي تتحدّث عن التطوير من خلال ما يطلقون عليه، "إصلاح منظومة التعليم العالي".

فالخوف ينمو بسرعة في قلوب المهتمّين والمتابعين لشأن التعليم العالي في الأردن، عن كون ما تتخذه إدارات الجامعات الأردنية المختلفة، لا يخرج عن تنفيذ مخطط قديم، أطلق عليه في حينه، عملية "تحرير" التعليم العالي في الأردن، والتعامل معه باعتباره سلعة خاضعة للعرض والطلب.

فالمسؤول، سواء كان رئيس جامعة أو وزير التعليم العالي أو غيرهما، ينتفض عندما تقول له "أين يذهب الطالب الفقير؟"، ويغرقك بوعود، تتجسّد بدعم صناديق دعم للطلاب الفقراء وتشغيلهم، إلا أن ذلك، لم يتحقّق حتى الآن، مقابل حرمان أكثرية الناس من حقّهم في التعليم، لا لسبب، غير فقرهم، بحسب تعبير مسؤول سابق في سلك التعليم العالي.

آخر تلك الإجراءات الإصلاحية المزعومة، ما أُعلن تحديدًا على لسان رئيس أكبر جامعة أردنية، حول رفع الرسوم الجامعية بنسب "فلكية"، لبعض التخصّصات، بحجّة سداد عجزها المالي، ودفن فقرها.

تلك الإجراءات الرسمية، قوبلت بانتقادات واسعة في أوساط الطلبة وناشطين في مجال التعليم بالأردن، تمثلت بتنظيم الحملة الوطنية من أجل حقوق الطلبة "ذبحتونا"، وقفة احتجاجية أمام البوابة الرئيسية لكلية الهندسة التكنولوجية "البوليتكنيك" التابعة لجامعة البلقاء التطبيقية، وذلك ضمن خطوات الحملة التصعيدية لمواجهة قرار إدارة الجامعة برفع رسوم الدبلوم.

ورفع المشاركون في الوقفة شعارات تؤكّد على حقّ الطلبة بالتعليم، ورفضهم لحرمان الفقراء من الدراسة في الجامعات والكليات الرسمية "الحكومية".

وهتف المشاركون هتافات تطالب بحقّ الطلبة في التعليم، وإصرارهم على مواصلة الاحتجاجات والفعاليات إلى حين إسقاط قرار رفع الرسوم والعودة إلى الرسوم السابقة، كما دعا المشاركون في هتافاتهم إلى مجانية التعليم عوضًا عن رفع الرسوم للدبلوم.

وقامت إدارة كلية الهندسة التكنولوجية أثناء الاعتصام بإغلاق البوابة الرئيسية، ومنع الطلبة داخل الحرم الجامعي من الخروج للمشاركة في الاعتصام، في محاولة لإفشال الفعالية، وحرمان الطلبة من حقهم الطبيعي في رفض قرار رفع رسوم الدبلوم.

من جانبه، بدا فاخر دعاس، منسّق الحملة الوطنية لحقوق الطلبة "ذبحتونا"، مغتاظًا أثناء مؤتمرٍ صحافي للحملة، عقد مؤخرًا، والتي دائمًا ما كان يصبغها بغطاء "التوقّعات والتنبؤات"، لتغدو واقعًا مريرًا، ومطبقًا بالفعل في النظام التعليمي العالي الأردني، أقلّ نتائجها، "أن الطلبة الفقراء.. لا مكان لهم في الجامعات والكليّات الأردنية".

حملة "ذبحتونا"، والتي أسّسها دعّاس عام 2006، كشفت خلال هذا المؤتمر، أن جامعة البلقاء التطبيقية، وهي أكبر الجامعات الرسمية الأردنية، ولديها العديد من الكليات المنتشرة تقريبًا في جميع محافظات المملكة، وعددها 133 كلية، قرّرت أخيرًا، مضاعفة رسوم التنافس للدبلوم ولكافة التخصّصات، بنسبة مخيفة وصلت إلى 400 %، فيما ارتفعت رسوم التعليم الموازي 200 %.

جاء ذلك، وفق الحملة، إبّان فتح باب التسجيل للدبلوم للفصل الدراسي الثاني، مشيرةً أن رسم التسجيل سابقًا، لكافة التخصّصات على البرنامج التنافسي، هو 35 دينارًا للساعة، وللبرنامج الموازي 45 دينارًا، علما أن رسوم التنافس السابقة كانت 7 دنانير للتنافس، و15 للموازي.

وعلى ما يبدو، فإن إدارة الجامعة تستسهلّ فكرة رفع الرسوم، لتسديد عجزها، بدلًا من إجراءات ترشيد النفقات ومحاربة الفساد، الذي اتضح جزء منه في تقرير ديوان المحاسبة الأخير.

تقرير ديوان المحاسبة الأخير، يُظهر أن قيمة المكالمات الهاتفية لرئيس جامعة البلقاء ونوّابه بلغت (354) ألف دينار للفترة من 2012-2014، وهي أعلى قيمة بين كل رؤساء الجامعات الرسمية، وفق ما كشفه منسق الحملة فاخر دعاس.

وبحساب بسيط، بحسب دعاس، يتّضح أن أربعة أشخاص، وهم (الرئيس ونوابه الثلاثة)، يصرفون سنويًا 88 ألف دينار، أي بمعدل 7 آلاف دينار شهريًا، بمعنى أي أن فاتورة "الجوّال" لكل واحد منهم تبلغ 1800 دينار شهريًا تقريبًا، وهو رقم مبالغ فيه، ومخالف لقرار مجلس الوزراء المتعلّق بترشيد الإنفاق الحكومي وضبطه.

كما أظهر التقرير، أن جامعة البلقاء التطبيقية لم تلتزم بسداد اشتراكات الضمان الاجتماعي أولًا بأول، ما ترتّب عنه فوائد تأخير بقيمة (241659) دينارا أردنيا، كما ترتب عنه أيضًا فوائد تقسيط بقيمة (856070) دينارا أردنيا، أي أن الجامعة تكبّدت خسائر بقيمة (1106729) دينارا أردنيا.

"كل الخشية، من أن يكون هذا القرار، نتيجة لضوء أخضر حكومي لإدارات الجامعات الرسمية، للاستفراد بالطالب، والسماح لهذه الجامعات باتخاذ قرارات مالية برفع الرسوم، في ظل غياب فهم الدور الحقيقي للجامعات الرسمية التي يفترض أن تكون الدراسة فيها مجانية"، وفق تعبير المتحدث.

ودعت الحملة الوطنية من أجل حقوق الطلبة "ذبحتونا"، إلى مقاطعة التسجيل في كافة تخصّصات الدبلوم في جامعة البلقاء الطبيقية، متوعّدة بسلسلة فعاليات احتجاجية، ستبدأ باعتصام مع نهاية التسجيل للدبلوم.

وبالفعل، أكّدت الحملة، أن كليّات الجامعة، شهدت إقبالًا ضعيفًا جدًا على التسجيل، حيث لم يتجاوز عدد الطلبة الذين قدّموا طلبات للقبول في برنامج التنافس في كلية الحصن، مثلًا، 150 طالبًا وهو رقم، تصفه الحملة، بالمتواضع جدًا، علمًا بأن هذا الرقم مرشّح للتضاؤل إلى أكثر من النصف، كون معظم الطلبة الذين قدّموا طلبات للقبول يقومون بالتقديم للجامعات وللكليات الخاصّة في نفس الوقت.

وتمثّلت ما وصفتها الحملة بـ"الفضيحة الكبرى"، في أعداد الطلبة المقبولين على البرنامج الموازي، حيث لم يتقدّم لهذا البرنامج سوى طالب واحد فقط في كليّة الحصن في مدينة إربد (شمال الأردن).

أخيرًا، تجدر الإشارة، أنه خلال العقد الماضي، يوضّح أحد المسؤول السابقين في التعليم العالي، فضّل عدم الكشف عن هويته في حديث إلى "جيل"، "فقدت البلاد كفاءات لم تدخل الجامعات، أو دخلت تخصّصات رخيصة في جامعات متواضعة، في وقت بدّدت ملايين، تسيّبًا وهدرًا وفسادًا، كانت كافية لتلبية طموحاتهم، وتمكين المجتمع من الاستفادة القصوى من قدراتهم".

المساهمون