لا تزال تداعيات فيديو التعذيب، الذي بثّه أربعة أشخاص مباشرةً على "فيسبوك"، الأسبوع الماضي، تتواصل، إن على المنصّة نفسها، أو حتى على صفحات المواقع الغربيّة، التي خصّصت متابعات وتحليلات عدّة للموضوع.
حيثيات الجريمة
الحادثة تُعتبر الأولى من نوعها، فقد كان الأشخاص الأربعة، وهم رجلان وامرأتان، مصمّمون على فعلتهم: قاموا بتقييد رجل (أبيض) يُعاني من مشاكل عقليّة وتثبيته وإلصاق فمه، ثم بدأوا بضربه مع صرخات تشتم الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب والبيض.
يواجه الخاطفون الأربعة (ذوو بشرة سوداء) تُهم الخطف وارتكاب جريمة كراهية بعد فعلتهم. وبينما تكثر الجرائم العنيفة في شيكاغو، إلا أنّ المختلف هو بثّ الجريمة مباشرةً عبر "فيسبوك".
وبحسب "أسوشييتد برس"، حدّدت الشرطة الأربعة كـ: جوردان هيل، تيسفاي كوبر، بريتاني كوفينغتون وتانيشيا كوفينغتون. والثلاثة الأوائل يبلغون من العمر 18 عاماً، بينما تبلغ تانيشيا 24 عاماً.
وقامت بريتاني كوفينغتون بتصوير شقيقتها وصديقيهما خلال قيامهم بتعذيب المُختطف لأكثر من نصف ساعة. الفيديو الذي صُوّر في الرابع من يناير/ كانون الثاني انتشر بكثافة على "فيسبوك" ليشاهده أكثر من 16 ألف شخص، بينما لم يُفسّر الموقع سبب عدم إزالة الفيديو بسرعة عندما تم الإبلاغ عنه.
تسبّب ذلك في طرح الأسئلة حول سبب عدم استجابة الموقع لإزالة فيديو التعذيب، خصوصاً أنه قام بإزالة فورية لفيديو مواجهة بين شرطة بالتيمور والشابة كورين غاينز (23 عاماً)، في أغسطس/ آب الماضي، والتي أدت إلى مقتلها لاحقاً. وبعد تأخر الموقع في إزالة الفيديو، كانت نسخ كثيرة منه قد نُشرت على "يوتيوب" ومواقع أخرى.
ورفض "فيسبوك" التعليق على الحادثة لصحيفة "ذا غارديان"، يوم الخميس الماضي (5 يناير/ كانون الثاني)، أو توفير أرقام حول عدد المستخدمين الذين أبلغوا عن المحتوى أو طالبوا بإزالته، والتوقيت الذي عرف فيه العاملون في الموقع عن الفيديو.
وقال متحدث باسم الموقع للصحيفة البريطانية "نرفض أن يقوم أي شخص بالاحتفال بالجرائم أو بالتعذيب على منصّتنا، ومن هذا المنطلق تمّت إزالة الفيديو، لكنّ البعض يقومون بالتصوير لتشكيل وعي حول حادثة معيّنة، وفي مثل تلك الحالات، يتم الإبقاء على المحتوى".
كما أعاد انتشار الفيديو الأسئلة حول مسؤولية "فيسبوك" كمؤسسة إعلاميّة. فبينما يُطالب كثيرون المنصّة بوضع حدّ لانتشار الأخبار المفبركة، يرفع آخرون مطالب بوضع خطّ تحريري لفيديوهات البثّ المباشر.
الضحية خلال الفيديو (فيسبوك)
العنف على الإنترنت
لكنّ أليكس كراسودومسكي جونز، الباحث في تحليل مواقع التواصل في لندن، أشار إلى وجهة نظرٍ مختلفة. ففي مقال له على موقع "سي إن إن"، اعتبر أنّ التعذيب وصوره ليست حكراً على "فيسبوك"، إنما هناك مواقع تعيد نشر الفيديوهات والصور التي تتضمن التعذيب والاغتصاب والجرائم المختلفة.
وتحت عنوان "فيسبوك خلق وحشاً لا يستطيع تطويعه"، اعتبر جونز أنّ الفيديو وحشي ومرعب، لكنّه آخر محطّة في سلسلة غضب إلكتروني راسخٍ.
وأشار جونز إلى أنّ أعمال العنف والقتل كانت على مدى عقود عنصراً رئيسياً في شبكة الإنترنت. فهناك مواقع مثل Rotten وOgrish وBestgore والتي ظهرت في التسعينيات والألفين، تنشر لقطات لحوادث وعمليات تشريح وإعدام.
وذكر الكاتب أيضاً LiveLeak، وهو موقع بريطاني أسسه فريق Ogrish نفسه، وينشر فيديوهات للاغتصاب والقتل والوفيات. واعتبارا من يوليو/ تموز 2016، صنّفه "أليكسا" على أنه واحد من أكبر ألف موقع في العالم، إذ يزوره الملايين يومياً، وتقدّر عائداته بملايين الدولارات.
انطلاقاً من هنا، يُشير جونز إلى أنّ السنوات العشر الماضية شهدت سيطرة "فيسبوك" و"غوغل" و"مايكروسوفت" على الوقت الذي يقضيه المستخدمون على الإنترنت. وأتى ذلك في وقت شهد الإنترنت انتقالاً من تصفّح المنتديات وانتظار أحدهم ليوافق على ما يريد المستخدمون نشره، إلى مرحلةٍ أخرى تماماً تسمح لأي شخص بنشر ما يريده مهما كان وفي أي وقت. لذا، رأى الكاتب أن "فيسبوك لايف" هو أحدث مثال على التوجه نحو كسر الحواجز بين المستخدم والجمهور. فبنقرة واحدة يمكن الوصول للملايين من دون فحص المحتوى.
وأشار الكاتب إلى اغتيال السفير الروسي في أنقرة الشهر الماضي، والانتقادات التي وُجّهت لـ"فيسبوك" و"تويتر" بسبب خاصيّة التشغيل التلقائي (أوتو بلاي) للفيديو الذي انتشر بكثافة على مواقع التواصل كما نشرته وسائل الإعلام، ما اعتبره مستخدمون إجباراً على مشاهدة العنف، ما دفع المنصتين إلى وقف التشغيل التلقائي لاحقاً.
كما لفت إلى تربص الحكومات التي تدعو وسائل التواصل إلى تحمل مسؤولية أكبر حول المحتوى، بينما تحاول الشركات التكنولوجية النمو بشكلٍ أسرع وتشكيل جمهور أكبر، ممّا يُصعّب مهمة إدارة المحتوى. لذا، إذا استمر هذا النمط، فإنّ حوادث أكثر ستنتشر كفيديو شيكاغو، مما سيُقلّل صبر الحكومات التي تنوي إصدار تشريعات خاصة بهذه المنصّات، بحسب الكاتب، الذي استخلص أنّ منصات التواصل الكبرى ليس لديها ما تكسبه من نشر المحتوى العنيف، لكنّها تبني وحشاً لا يُمكن ترويضه، ممّا يدلّ على أنّ عام 2017 سيكون مزدحمًا لفِرق السياسات في تلك المنصات والشركات.