أطلق المخرج نيازي مصطفى وجه فريد شوقي باللون الأسود. ظهر الفنان المصري بدور عنترة فارس الفرسان، قاهر الشدائد، ببشرة سمراء مصطنعة. امتاز شوقي في الفيلم بوقفته الأقرب في الهجوم إلى وضعية القرفصاء، مع موانع جلدية عند اليد. بدا وحشاً كما عهدناه في أفلامه. هذا عن عنترة الأفلام.
عنترة الحديث اتخذ وضعية القرفصاء أيضاً، لم يحتَج لمخرج كنيازي مصطفى. الفيلم كان واقعياً جداً، فعنترة الهرم يُبارز كلباً سلوقياً، يتلاشى نباحه شيئاً فشيئاً مع كل غرزة، يموت الكلب وساطورعنترة يلعب. أمّا الأسوَد هنا فهو لون المشهد "المهبّب"، والفعلة الشنيعة.
أمّا على الإنترنت، ستجدنا نحن العرب بشبابنا الجدد نحتل أعلى نسب المشاهدة. نحن العرب أحفاد عنترة والزير وأبو زيد الهلالي، صرنا نتفنّن بأذيّة الحيوانات، بكل ما أوتينا من رجولة، "ما شاء الله "، وطبعاً الأليفة منها.
تقول الاختصاصية والمعالجة النفسية، علا عطايا، لـ"العربي الجديد": "إن عوامل ظاهرة العنف مختلفة (الميديا،/ انعدام أو نقص الشعور بالأمان النفسي/ الإحساس باللاجدوى والعجز/ الشعور بالإحباط/ الإحساس بالقمع).
إلاّ أن هذه العوامل والسلوكيات تتحوّل إلى اضطراب نفسي جماعي سببها تأثيرات مشاهدتنا المتكررة لصور العنف". وتضيف عطايا: "لدى بعض الأشخاص نوع آخر من السادية: التلذّذ بالعنف والسيطرة المطلقة على الأشياء والبشر. غالباً ما يظهر التلذذ بالسيطرة الكاملة في صورة رغبة ملحّة في تعذيب شخص ما (أو حيوان )، إذ إنه لا تكاد توجد طريقة أكمل للإحساس بالسيطرة المطلقة من إجبار شخص على معاناة الألم في الوقت الذي يكون فيه عاجزاً عن الرد أو الدفاع عن نفسه ضد المعتدي".
تختم الخبيرة في مجال الحماية والدعم النفسي الاجتماعي قائلةً: "لدى الإنسان قدر أكبر بكثير من رد الفعل التدميري مقارنةً بالحيوان. إن الشعور بالملل وعدم المشاركة وانعدام الإحساس بالحياة هما قاعدتا التلذذ بالأذى".
ظاهرة تعذيب الحيوانات في العالم العربي، ظاهرةٌ تمتدّ جغرافياً إلى البلدان التي لم يمسّها العنف حتى. في السعودية، فيديوهات قديمةٌ وجديدة تتضمّن صوراً لتعذيب حصان وأخرى لتعذيب حمار. الحمار تحديداً عانى الأمرّين منّا نحن العرب.
الحيوان المعروف بصبره وجَلَده وقدرته على تحمّل أعباء العمل المنهك، ظهر في أكثر من فيديو صادم ويحمل الكثير من طيّات الظلم فيه. أما في سورية، فانتشر فيديو يُظهر عملية رمي حصان في وادٍ سحيق، حيث ارتطم بالأرض بقوة واستقرّ على الصخور. أصحاب الفيديو هم شبان صوّروا المشهد للتسلية فقط، فنسمع ضحكاتهم التي تتعالى مع انتهاء الفيديو.
لبنان لم يكن بعيداً عن هذه الظاهرة أيضاً، حيث شهدت بلدة المتين حالة تعذيب وسحل حمار من قبل عناصر البلدية. وعكس العنف المتصاعد ضدّ الحمير تحديداً، يظهر هذا الحيوان الأليف في معظم رسومات الفنان السوري مجد كردية.
كردية، الذي يرفض استخدام الحمار كرمز للغباء والدونية، يقول: "يُعتبر الحمار في الحضارات القديمة نقيض الحصان، فهو المغمور، الصبور. كأنّ واقعه يحاكي حال المواطن الصابر الذي يتحمّل الأذيّة لحين نفاد صبره ولجوئه للرفس، هو يصبر حتى يرى "آخرتها إيه" معهم".
الشبان العرب في حاضرنا هم نقيض مرحلة عابرة، هم الأشدّاء على الحيوانات. وقد شهِد عالمنا العربي في هذه المرحلة إنشاء جمعيات عدة لحماية حقوق الحيوانات. وقبل تطور استخدام التكنولوجيا، وخلال زمن أيّام الباشوات في مصر، كان حيوانٌ كالحمار ينقل خيرات الصعيد للقاهرة. هذا كان قبل ولادة مُعذّبي كلب شارع الهرم.
أمّا في لبنان، فقد ذكرت شخصية بيروتية في إحدى مذكراتها أنّه قبيل العام 1950، كان هناك يتنقل بدراجة هوائية وظيفته حماية الحيوانات لا سيّما الحمير، والتأكد من عدم تعرضها للقسوة أو الحمولة الزائدة.
أمّا هؤلاء الذين يتبارون صوراً وشجاعةً كذابةً، فما هم إلاّ آفة متجددة لا تقل وحشية عن الإجرام المستشري، فقد قيّضوا إنسانيتنا. يكفي لهؤلاء أن يعلموا أن الحمار لا يظهر في لعبة الشطرنج. الأحصنة وحدها موجودةٌ في تلك اللعبة، لأن الحصان مستعد للموت من أجل الملك. أمّا الحمار فلا يفعلها.
هو مشهدٌ من إحدى لوحات "مجد كردية" التي تسمى "الفصاعين". وبين موت حصان من أجل ملك، وغياب الحمار عن ذلك المشهد، ميزةٌ للحمار لن يعرفها شجعان فيديوهات التعذيب.