لا يكمُن عنصر المفاجأة في تعيين وزراء الدولة الثلاثة ثم إعفائهم وحسب، بل إنه في مايو/ أيار الماضي، أجرى البشير تغييراً كبيراً في التشكيل الحكومي شمل وزارات الخارجية، والداخلية، والزراعة، والعدل، والشباب والرياضة. كذلك طاول التغيير عدداً من وزراء الدولة. ولم يكن التعديل هو الأول من نوعه خلال هذا العام، إذ أقال البشير في فبراير/ شباط الماضي مدير جهاز الأمن والاستخبارات محمد عطا وعيّن الفريق صلاح عبد الله قوش بدلاً عنه. كذلك أقال البشير مساعده إبراهيم محمود حامد من منصبه في القصر الجمهوري ومنصبه الآخر كنائب لرئيس حزب المؤتمر الوطني الحاكم، وحتى حكومة بكري حسن صالح مجتمعة لم يمض على تشكيلها سوى 18 شهراً.
لكن يبدو أن كل تلك التغييرات لم تأت بنتائج إيجابية، خصوصاً على الصعيد الاقتصادي، إذ تواصل التدهور الاقتصادي من خلال تدنّي قيمة الجنيه السوداني مقابل العملات الأخرى وارتفاع أسعار السلع الضرورية ودخول البلاد في أزمات وشحّ في الوقود والخبز والغاز وخلافه. في ظل كل هذه الأوضاع، جاء خطاب البشير بمناسبة عيد الأضحى الماضي غاية في الوضوح، لجهة الرغبة في إجراء معالجات جذرية على مستوى الأشخاص وعلى مستوى السياسات العامة. تعهّد البشير، من خلال الخطاب، بمراجعة مرتكزات الاقتصاد الكلي بصورة جذرية تؤدي إلى إقرار سياسات تفصيلية وإجراءات محفّزة للإنتاج وزيادة الصادرات وضبط الواردات مع العمل على تحقيق الانضباط المالي للأجهزة والوحدات والمؤسسات الحكومية، بالإضافة إلى الالتزام بتعزيز إجراءات إعادة هيكلة التمثيل الخارجي وفقاً لمبدأ تخفيض الإنفاق العام في جانبه المتصل بخفض مصروفات العمل الخارجي، وذلك بمزيد من التخفيضات للبعثات الخارجية لتصبح في الحدّ الضروري.
يقول رئيس القطاع السياسي لحزب المؤتمر الوطني الحاكم، عبد الرحمن الخضر، في حديث مع "العربي الجديد"، إن الإجراءات الجديدة تقرأ في اتجاه سياسي وآخر اقتصادي. في الشق السياسي يرى الخضر أن التعديل في الحكومة يأتي استجابة لمتطلبات المرحلة ورغبة المواطنين، لأن كلفة هيكل الحكم الحالي ظلّت محل تساؤل مستمر، رغم أن الحزب يعتقد أن توسع الهيكلة بسبب الرغبة في استيعاب أكبر عدد من الأحزاب والقوى السياسية استجابة لتوصيات مؤتمر الحوار الوطني. ويشير إلى أنه بعد التكوين الأول لحكومة الوفاق الوطني بنيت جسور الثقة بين الأحزاب، وبالتالي كان من السهل موافقة الأحزاب المشاركة على تخفيض حصصها في الحكومة.
ويوضح الخضر، في حديث مع "العربي الجديد"، أن خطوة حل الحكومة وإعادة تشكيلها وتقليص الوزارات على المستوى المركزي والولائي ستعقبها خطوات إصلاح أخرى من تجويد الأداء، خصوصاً في الخدمة المدنية وفي الولايات.
ويعتبر الخضر أن كل هذه الخطوات تمثل بداية إعلان برنامج انتخابي مبكر لحزب المؤتمر الوطني لخوض الانتخابات العامة في 2020. وينفي رئيس القطاع السياسي في الحزب الحاكم أن يكون قرار إعفاء وحل حكومة بكري حسن صالح هو مؤشر على فشلها في إدارة الدولة، لا سيما الأزمة الاقتصادية. وبالنسبة إليه، فإن الحكومة السابقة حققت إنجازات عديدة أبرزها تنفيذ توصيات مؤتمر الحوار الوطني بنسبة تصل إلى 60 في المائة، وتحمّلت أعباء صعبة. ويضع التغيير الحكومي في إطار تجديد الدماء في الجهاز التنفيذي الذي سيكون على رأسه أحد الوجوه الشبابية، معرباً عن تفاؤله بنجاح حكومة معتز موسى في إنجاز برنامج اقتصادي يتجاوز الواقع الاقتصادي الحالي. ويؤكد أن الحكومة سوف تتشكّل في ظل معطيات جديدة ومؤشرات إيجابية، بما فيها زيارة الرئيس البشير للصين التي تمضي نحو شراكة اقتصادية واسعة.
وحول المؤهلات التي رجّحت كفة معتز موسى ليتم اختياره رئيساً للوزراء، يقول الخضر إن الاختيار جاء بعد تمحيص كبير ولم يكن عبثياً، إذ إن موسى من جيل الشباب الذين يعمل الحزب على وضعهم في الصفوف الأمامية، في إطار السياسة التي بدأها منذ عام 2013. ويشير إلى أن معتز موسى أثبت جملة من النجاحات في جميع المناصب التي تقلّدها ولديه رؤية واضحة وعميقة لحل كل المشكلات الاقتصادية الآنية. كذلك يلفت إلى تمتّعه بعلاقات خارجية مميزة مع كثير من دول الجوار الأفريقي، خصوصاً إثيوبيا ومصر.
لكن الكاتب الصحافي عبد الباقي الظافر يرى أن ما جرى من تعديلات وإعلان سياسيات جديدة هو أقل كثيراً من الطموح العام في البلاد. ويشير، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن المشكلة اليوم في السودان ليست اقتصادية بل سياسية محضة. وينادي الظافر بتشكيل حكومة انتقالية من التكنوقراط تجد القبول الإقليمي والدولي لتقوم بمهمة الانتقال السلس إلى نظام ديمقراطي وشفاف، معتبراً أن ما أعلن عنه من تغييرات يأتي في إطار تهدئة الخواطر الشعبية الخانقة على الأوضاع الاقتصادية والسياسية في البلاد.
لكن رئيس تحرير صحيفة آخر لحظة، أسامة عبد الماجد، يرى في حديث مع "العربي الجديد"، أن التعديل الأخير يختلف تماماً عن التغييرات السابقة ويعتبر استثنائياً للمدى البعيد، إذ إن التعديل هو الأوسع والأكبر في الحكومة منذ مجيء حكومة الإنقاذ الوطني في عام 1989 وفرضته الظروف الاقتصادية الراهنة. ويعتبر أن هدفه هو إزالة حالة الإحباط في الشارع السوداني بسبب الضوائق المعيشية. كذلك يشير إلى أن التغيير جاء استجابة لدعوات قديمة بإعادة هيكلة الدولة وتخفيض الإنفاق إلى أدنى مستوى، إضافة إلى أنه حمل رسائل إيجابية بتعيين أحد المحسوبين على شريحة الشباب بعد سيطرة ممتدة للحرس القديم. ويتوقّع عبد الماجد أن يختار رئيس الوزراء الجديد شخصيات قادرة على إحداث اختراقات كبيرة في الوضع الاقتصادي والحالة السياسية العامة.
ويرفض عبد الماجد توصيف ما حدث من تغييرات في الحكومة طوال العام بأنه اضطراب في القرار السياسي أو نتاج خلافات داخل الحزب الحاكم، مؤكداً أن المقصود من كل التغييرات هو التجريب للوصول إلى الصورة المثلى. كما ينفي أن يكون لموضوع حل الحكومة أية علاقة بموضوع التجديد للبشير لدورة رئاسية جديدة في انتخابات 2020، لأن الموضوع، بحسب تقديره، حسم بموافقة مجلس الشورى على التجديد في آخر اجتماع له الشهر الماضي وذلك بإجماع المجلس.