يتندر الشباب على مواقع التواصل الاجتماعي بضرورة أن تشتمل أوراق توظيف أي شاب على رابط حسابه الخاص، بديلاً عن "الفيش" والتشبيه، لدراسة مواقفه السياسية وردود أفعاله تجاه المواقف المختلفة، وعلى أساسها يتم قبوله أو رفضه في الوظيفة المتقدم إليها.
يحدث هذا إبان ثورة قامت لتعزيز حرية الرأي والتعبير، عندما تحدت كل القيود المفروضة آنذاك ودعت للنزول إلى الشارع، من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، في إصرار لكسر حاجز الخوف، احتجاجاً على انتهاك حقوق الإنسان وكبت الحريات، ولم يكن متوقعا أن تصل حرية التعبير المتاحة إلى أسوأ مما كنا عليه بكثير، وأن يزج في السجون كل من ينتقد الحكومة لأجل غير مسمى من دون محاكمة أو إحالته للقضاء بتهم ملفقة.
السيطرة على الإعلام
وبعد أن خلقت الثورة حالة جديدة، لم نعهدها من قبل، من ظهور مكثف للشباب على الفضائيات، يتحدثون ويحللون ويفسرون، تغيّر المشهد تماماً فور تولي السيسي إدارة شؤون البلاد، واتخذ نظامه خطوات عملية لقمع الاختلاف في الآراء، وإسكات الأصوات المعارضة، باستخدام قوانين سلطوية مررها الإعلام الرسمي والخاص، لتوسيع نطاق الدولة الأمنية، وشنت السلطات المصرية حملة قمعية شرسة ضد جماعة الإخوان المسلمين، جنباً إلى جنب مع النشطاء السياسيين، للتخلص من كل ما من شأنه تكدير الأمن العام أو المساس بهيبة الدولة، وتعمدت غلق المنابر الإعلامية التابعة للإسلاميين، والسيطرة على الفضائيات الخاصة، تنفيذاً لخطة الجنرال السيسي بأهمية السيطرة على الإعلام، حتى أصبح يمثل صوتا واحدا، ويبث الرعب في النفوس ضد كل من ينتمي من قريب أو بعيد لجماعة الإخوان، وصار الخلاص من الجماعة وأتباعها هدفاً وطنياً، ولو كانت الوسيلة هي القتل والتعذيب والحبس بلا مبررات، واستكمالاً للخطة، شنت البرامج حرباً على نشطاء 25 يناير، ووصفتهم بالخونة والجواسيس والعملاء لدول أجنبية، كما نشرت محادثات هاتفية خاصة لبعض النشطاء في محاولة لإثبات عدم ولائهم لمصر، هذا المشهد الذي يعكس تضييقا على الحريات، واقتصار الحديث على مؤامرات الإخوان زاد من سلطوية الدولة، وأغلق الطريق أمام أي ظهور للشباب في الإعلام المصري.
حجب المواقع الإلكترونية
وبالتوازي، تم تكميم الأفواه التي تتعارض ولا تنسجم مع النظام الجديد في الصحف أيضا، وتقلصت مساحة الحريات المكتسبة بعد ثورة يناير، ومُنع بعض الكتاب من كتابة مقالاتهم، فتوقف بلال فضل عن الكتابة في الشروق، ومنعت الرقابة نشر العديد من المقالات، ومنها مقال للناشط مصطفى النجار ينتقد فيه المؤسسة العسكرية، واكتفى بنشره على مواقع التواصل الاجتماعي، وبهذا اختفت الأصوات المعارضة وأصبحت شبه غائبة في الصحف، خاصة مع توسع الجهات التنفيذية في تقديم بلاغات ضد أي صحافي يتجاوز الخطوط المرسومة، وعلى جانب آخر ظهرت مبادرات حثيثة لمجموعات من الصحافيين الشباب لإنشاء مواقع إلكترونية خاصة بهم، لتقديم مادة رأي ووجهات نظر تفتقدها المعالجات غير المتوازنة من الإعلام والصحف، هذه المواقع مثلت شوكة في ظهر النظام، تؤكد ذلك دعوة الرئيس السيسي بضرورة حجب المواقع الإلكترونية التي تضر بالأمن العام، ووصفها بالمواقع الإرهابية، وما أعدته وزارة العدل من مشروع قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، والذي يبيح للسلطات حجب مواقع إلكترونية وحذف روابط تراها في غير صالح الأمن العام.
تحجيم الشارع والمؤسسات
لم يقتصر المساس بحرية الرأي والتعبير على الفضائيات والصحف، وإنما تم تحجيم الشارع هو الآخر بقانون التظاهر وآلياته المجحفة، بضرورة الإخطار بتنظيم مظاهرة قبل التظاهر بسبعة أيام، ومنع الإضرابات السلمية، والسجن 15 عاماً لمن يتجاهل هذه الآليات.
الجامعة هي الأخرى تم التعامل معها بنفس أسلوب القمع والاستبداد وتكميم الأفواه، وتحولت لمنشآت عسكرية تقتل وتعذب وتعتقل كل من يتفوه ضد النظام ويعارضه، حتى أساتذة الجامعة الذين لا يسبّحون بحمد النظام صاروا في القائمة السوداء، بعد أن أعطت سلطات الانقلاب كامل الصلاحيات لرئيس الجامعة الذي تعيّنه بنفسها، وتم التضييق على الجمعيات الأهلية لوضعها تحت السيطرة المباشرة للدولة، ونظرت الدولة بارتياب للحركات السياسية الشبابية، وزادت وتيرة الاعتقالات والملاحقات الأمنية، حتى امتلأت السجون بآلاف من سجناء الرأي والكثير من الصحافيين من دون تهم واضحة، وبدت مصر وكأن سجونها لم تخل من سجناء الرأي سوى في الفترة الوجيزة التي تلت ثورة 25 يناير.
قدر من الحرية
بعد التضييق على كافة منابر التعبير عن الرأي، لم تعد سوى مواقع التواصل الاجتماعي كمنبر للفئات المهمشة سواء المحسوبين على جماعة الإخوان المسلمين، أو الرافضين لكل من النظام الجديد وجماعة الإخوان ممن وصفوا بـ"الخلايا النائمة"، للتعبير عن آرائهم ونشر كل ما يتوفر لديهم من معلومات تخص انتهاكات حقوق الإنسان، ومثلت هذه المواقع إعلاماً بديلاً في ظل التغطيات اللامهنية للإعلام، وصارت المساحة الوحيدة المسموح فيها بانتقاد سياسات الانقلاب، ومع ذلك هي مساحة غير آمنة بالدرجة الكافية، ومصدر قلق وإزعاج للنظام الحاكم الذي يحاول دائماً اتخاذ حزمة من الإجراءات للحد من استخدام تلك الوسائل، وتقليص مساحة الرأي أمام مستخدميها، فقبيل انتهاء عام 2013 توعدت الحكومة المصرية بمحاكمة كل من يرفع شارة رابعة على صفحات التواصل الاجتماعي، بعد أن أعلنت جماعة الإخوان جماعة إرهابية، وقبل انتهاء عام 2014 نُشرت معلومات تفيد بإعلان وزارة الداخلية مناقصات توريد أجهزة وبرامج لرصد كل ما ينشر على شبكات التواصل الاجتماعي، ورصد الأصوات والأقلام التي تنتقد السلطة وتدعو إلى التظاهرات.
فهل ينجح كبت الحريات في إخفاء الآراء والأفكار، أم أنها تنفجر في ساحات أخرى ليدفع المجتمع ثمناً فادحاً!.
(مصر)
يحدث هذا إبان ثورة قامت لتعزيز حرية الرأي والتعبير، عندما تحدت كل القيود المفروضة آنذاك ودعت للنزول إلى الشارع، من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، في إصرار لكسر حاجز الخوف، احتجاجاً على انتهاك حقوق الإنسان وكبت الحريات، ولم يكن متوقعا أن تصل حرية التعبير المتاحة إلى أسوأ مما كنا عليه بكثير، وأن يزج في السجون كل من ينتقد الحكومة لأجل غير مسمى من دون محاكمة أو إحالته للقضاء بتهم ملفقة.
السيطرة على الإعلام
وبعد أن خلقت الثورة حالة جديدة، لم نعهدها من قبل، من ظهور مكثف للشباب على الفضائيات، يتحدثون ويحللون ويفسرون، تغيّر المشهد تماماً فور تولي السيسي إدارة شؤون البلاد، واتخذ نظامه خطوات عملية لقمع الاختلاف في الآراء، وإسكات الأصوات المعارضة، باستخدام قوانين سلطوية مررها الإعلام الرسمي والخاص، لتوسيع نطاق الدولة الأمنية، وشنت السلطات المصرية حملة قمعية شرسة ضد جماعة الإخوان المسلمين، جنباً إلى جنب مع النشطاء السياسيين، للتخلص من كل ما من شأنه تكدير الأمن العام أو المساس بهيبة الدولة، وتعمدت غلق المنابر الإعلامية التابعة للإسلاميين، والسيطرة على الفضائيات الخاصة، تنفيذاً لخطة الجنرال السيسي بأهمية السيطرة على الإعلام، حتى أصبح يمثل صوتا واحدا، ويبث الرعب في النفوس ضد كل من ينتمي من قريب أو بعيد لجماعة الإخوان، وصار الخلاص من الجماعة وأتباعها هدفاً وطنياً، ولو كانت الوسيلة هي القتل والتعذيب والحبس بلا مبررات، واستكمالاً للخطة، شنت البرامج حرباً على نشطاء 25 يناير، ووصفتهم بالخونة والجواسيس والعملاء لدول أجنبية، كما نشرت محادثات هاتفية خاصة لبعض النشطاء في محاولة لإثبات عدم ولائهم لمصر، هذا المشهد الذي يعكس تضييقا على الحريات، واقتصار الحديث على مؤامرات الإخوان زاد من سلطوية الدولة، وأغلق الطريق أمام أي ظهور للشباب في الإعلام المصري.
حجب المواقع الإلكترونية
وبالتوازي، تم تكميم الأفواه التي تتعارض ولا تنسجم مع النظام الجديد في الصحف أيضا، وتقلصت مساحة الحريات المكتسبة بعد ثورة يناير، ومُنع بعض الكتاب من كتابة مقالاتهم، فتوقف بلال فضل عن الكتابة في الشروق، ومنعت الرقابة نشر العديد من المقالات، ومنها مقال للناشط مصطفى النجار ينتقد فيه المؤسسة العسكرية، واكتفى بنشره على مواقع التواصل الاجتماعي، وبهذا اختفت الأصوات المعارضة وأصبحت شبه غائبة في الصحف، خاصة مع توسع الجهات التنفيذية في تقديم بلاغات ضد أي صحافي يتجاوز الخطوط المرسومة، وعلى جانب آخر ظهرت مبادرات حثيثة لمجموعات من الصحافيين الشباب لإنشاء مواقع إلكترونية خاصة بهم، لتقديم مادة رأي ووجهات نظر تفتقدها المعالجات غير المتوازنة من الإعلام والصحف، هذه المواقع مثلت شوكة في ظهر النظام، تؤكد ذلك دعوة الرئيس السيسي بضرورة حجب المواقع الإلكترونية التي تضر بالأمن العام، ووصفها بالمواقع الإرهابية، وما أعدته وزارة العدل من مشروع قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، والذي يبيح للسلطات حجب مواقع إلكترونية وحذف روابط تراها في غير صالح الأمن العام.
تحجيم الشارع والمؤسسات
لم يقتصر المساس بحرية الرأي والتعبير على الفضائيات والصحف، وإنما تم تحجيم الشارع هو الآخر بقانون التظاهر وآلياته المجحفة، بضرورة الإخطار بتنظيم مظاهرة قبل التظاهر بسبعة أيام، ومنع الإضرابات السلمية، والسجن 15 عاماً لمن يتجاهل هذه الآليات.
الجامعة هي الأخرى تم التعامل معها بنفس أسلوب القمع والاستبداد وتكميم الأفواه، وتحولت لمنشآت عسكرية تقتل وتعذب وتعتقل كل من يتفوه ضد النظام ويعارضه، حتى أساتذة الجامعة الذين لا يسبّحون بحمد النظام صاروا في القائمة السوداء، بعد أن أعطت سلطات الانقلاب كامل الصلاحيات لرئيس الجامعة الذي تعيّنه بنفسها، وتم التضييق على الجمعيات الأهلية لوضعها تحت السيطرة المباشرة للدولة، ونظرت الدولة بارتياب للحركات السياسية الشبابية، وزادت وتيرة الاعتقالات والملاحقات الأمنية، حتى امتلأت السجون بآلاف من سجناء الرأي والكثير من الصحافيين من دون تهم واضحة، وبدت مصر وكأن سجونها لم تخل من سجناء الرأي سوى في الفترة الوجيزة التي تلت ثورة 25 يناير.
قدر من الحرية
بعد التضييق على كافة منابر التعبير عن الرأي، لم تعد سوى مواقع التواصل الاجتماعي كمنبر للفئات المهمشة سواء المحسوبين على جماعة الإخوان المسلمين، أو الرافضين لكل من النظام الجديد وجماعة الإخوان ممن وصفوا بـ"الخلايا النائمة"، للتعبير عن آرائهم ونشر كل ما يتوفر لديهم من معلومات تخص انتهاكات حقوق الإنسان، ومثلت هذه المواقع إعلاماً بديلاً في ظل التغطيات اللامهنية للإعلام، وصارت المساحة الوحيدة المسموح فيها بانتقاد سياسات الانقلاب، ومع ذلك هي مساحة غير آمنة بالدرجة الكافية، ومصدر قلق وإزعاج للنظام الحاكم الذي يحاول دائماً اتخاذ حزمة من الإجراءات للحد من استخدام تلك الوسائل، وتقليص مساحة الرأي أمام مستخدميها، فقبيل انتهاء عام 2013 توعدت الحكومة المصرية بمحاكمة كل من يرفع شارة رابعة على صفحات التواصل الاجتماعي، بعد أن أعلنت جماعة الإخوان جماعة إرهابية، وقبل انتهاء عام 2014 نُشرت معلومات تفيد بإعلان وزارة الداخلية مناقصات توريد أجهزة وبرامج لرصد كل ما ينشر على شبكات التواصل الاجتماعي، ورصد الأصوات والأقلام التي تنتقد السلطة وتدعو إلى التظاهرات.
فهل ينجح كبت الحريات في إخفاء الآراء والأفكار، أم أنها تنفجر في ساحات أخرى ليدفع المجتمع ثمناً فادحاً!.
(مصر)